الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
لغة المطيع ....مخدشة للحياء

سِمْسار : جمع سَماسِرة : وهم الوسطاء بين البائع والمشتري لتسهيل صفقة مقابل أجر كسمسار أسهم/ عقارات، وسِمسار الفاحشة : وسيط بين رجل وامرأة في علاقة (من التي هي) ، والأسوء على الإطلاق هم سماسرة العقول! وهذا النوع ليس ضمن الجو التجاري المعروف حيث مبدأ تبادل المنفعة، إنما يمكن وضعها في الأجندات السياسية.

فلان من الناس يحجّم عشرات العقول وآخر يقفل مئات منها، وهذه التجارة لا رأس مال لها غير كرسي صغير يستبدل بأكبر منه حسب الطموح، وملابس تميزهم عن البشر أجمع تعطيهم شرعية غير دستورية إلا أنها تطاع أكثر من الدستور نفسه.

والغريب في الأمر بأن خدَم هؤلاء السماسرة من المتطوعين كثيرون، وهم المطيعون! أحرار إستعبدوا ذواتهم من أجل من يعتبرونه أعلى منزلة منهم! مجموعة يحملون ثقافة القبائل وإن سكنوا فينيسيا وعاموا في أبلامها، وساحوا في كانكون وأستجموا في هاواي وأستذوقوا النبيذ في الشانزليزيه! إلا أنهم في أوقات معينة يفضّلون رفسها بالأرجل الخلفية (مثل صابر وكرايبة) ليصبحوا خانعين وخاضعين دون وعي لسلطة وجدت لخدمتهم أصلاً، ومثل تلك العقليات لا تعرف زمان ومكان، فهي تنشأ في عقول متكلسة وتدفن بها (همزين محّد عرف إلمن اقصد بعدين تنلاص مثل كل مرة).

في حداثتي سمعت كثيراً مثلاً يطلقوه وكانه  شريعة! يحقنون به الحدث الذي يبدأ بالتمرد ليصبح كالهيروين في دمه، يدمن عليه ويقولب حياته به، المثل هو (من ليس لديه كبير فليشتري له كبير).

للمثل بعد إيجابية مخفي، ولا أقول هذا لأن الهيروين مازال يفعل مفعوله، بل لأنني أستشف فيه خيراً عندما يساعد الإنسان أن يختار فرد أو أشخاص ممكن الوثوق بهم وأستشارتهم في مناحي الحياة المختلفة، إلا أنني لم أسمع بحياتي من يطلق هذا القول من أجل هذه الغاية أو بأسلوب تربوي ونقاش هادئ، أو في موعظة لا تخلوا من الفلسفة أو المعالجة النفسية، بل أصبحت بمثابة فرضاً أو أمراً لإعادة برمجة  المتمرد على سلطة الشخص الكبير  الذي يعتقد بأنه  يملك ألأحقية في توجيه الأصغر  وفرض الوصايا عليه مع وجوب تنفيذ الأوامر مهما كانت!.

في الغالب وعند التدخل لحلحلت النزاعات نسمع من يقول مؤنباً الأصغر عمراً (إبني- الماعندا جبير يشتريلة جبير!) وكأنه يدعوه لشراء سوطاً يُجْلَد به، أو طوقاً على رقبته، وطالما سمعت هذا القول من أقراني أيضاً منذ كنت في العشرينات، ففي الوقت الذي به يعانون من التسلط، نراهم يتمنطقون أحياناً بهذه العبارة وكأنهم بقولها قد دخلوا العتبات الأولى لطريق الحكمة!

وكنت أعلّق مازحاً وأقول (من لا يوجد من يركبه فليشري له فارساً) بالتأكيد هذّبت قولي وغيرته كي لا أخدش حياء شخصاً لا يرغب بقراءة الأصل الصريح وأستعنت بالمركوب والفارس!

سنين مضت لم أسمع فيها من يقول هذا المثل ويتشبث به وهذا من حسنات الغربة، إلا أنني وخلال أقل من شهر سمعته ثلاثة مرات ومن ثلاثة لا علاقة لأحدهم بالآخر، فقلت عند الأخيرة (عمت عين الزمن، لا حكني بسوالفه ألعوجة حتى بكندا) والأسلوب الذي طرح به المثل أعادني أكثر من ثلاثين سنة إلى الوراء، لأن القول ذكروه بنفس الأسلوب الهيرويني الذي كنت أسمعه سابقاً، أي على الأصغر أن يطيع الأكبر منه صاغراً ولو كان عبارة عن (كتلة حمورية في النهار وجحشياً في الليل)، أي عاد زمن الراكب والمركوب! وكان الكلام حينها عن التربية في المهجر وشخصية المراهقين فيها، والترحّم على أيام الوطن الذي كان فيه الطفل والمراهق تداس كرامته بحذاء الكبير سواء من العائلة او العشيرة أو القبيلة التي ينتمي لها، ويعتبرون ذلك تربية حقيقية أخرجت رجال ونساء وهم لا يدرون بأن تلك التربية أضافت لعلم النفس أمراضاً جديدة لم يتمكنوا من تحديدها وعلاجها بعد.

إنها الطاعة اللعينة التي لا يفقه المتبنين لهذا المصطلح سلبياته ليصبحوا من خلاله مطية منحنية الظهر سهلة الركوب، وبدورهم ومتى ما سنحت الفرصة يركبون غيرهم تحت ذريعة (الأكبر أفهم)، والذي أكبر منك بيوم يفهم أكثر منك بسنه وأحترام الكبير واجب وشيء مقدس (يبهذلك وإنت ساكت)، وما أن تذكر المقدس والمقدسات حتى يتبادر إلى ذهني بأن أصل المثل من المتدينين المريدين، لأنهم أكثر من يعشق الطاعة!

علماً بأن الإنسانية لا تفرق بين صغير وكبير، وهذا مفهومي عن الله أيضاً، فعندما نقول عادلاً هذا يعني  بأن الجميع متساويين بالكرامة، ومن نفس المنطلق فإن جميع البشر لهم نفس الإحترام  ويبقى من يفرض حضوره بأخلاقه وطيبته وصدقه وأمانته سيكون له مكانة أكبر.

وعلى ما أعتقد فلا فرق في معنى الإحترام بين الكبير والصغير وعالم ونادل ورجل دين وعازف طبلة، إنما إسلوب التعامل يختلف، ومن يعمل من أجل مجتمع صحيح عليه إن يغير من تفكيره ويضع في حسبانه بأن الدنيا عجلة تدور، فمن يحترم بمعنى الإحترام من هو أصغر منه سيقابل بالمثل، ومن يتسلط بحسب العرف الشرقي القبلي السائد، سيخلق جيل على شاكلته، جيل قديم في زمن حاضر، أو يخلق جيل متمرد وهذا ما أتمناه لهم، ولولا المتمردين لن يكون هناك شعوب لها كرامة.

وبالعدودة لنقطة البداية، فما دام هناك ثوابت في الأعراف مبنية على اسس خاطئة، وأقصد على سبيل المثال، إحترام من لا يحتَرِم بحجة فارق العمر وعلى الأصغر الطاعة العمياء، حتماً سيكون هناك سماسرة لعقول قد تستغل في أجندات عدة من ضمنها الأرهاب، أو التفرقة الطائفية، أو القومية، او يحني ظهره كي يصعد شخص ما.

إذ كيف لخانع أمام أعراف قبلية تجعله يقبل أن تداس كرامته من أب أو أخ كبير أو عم، أن يقول كلا أمام رجل دين يعتبره مفتاح لأحد أبواب السماء؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-10-2016     عدد القراء :  2496       عدد التعليقات : 0