الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التدين في العراق يحمل بذور فنائه
بقلم : علاء الخطيب
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لم يكن الإلحاد في بداياته سوى ردة فعل على أفعال رجال الدين وتصرفات الاحزاب الدينية ، إلا ان الامر تغير شيئاً فشيئاً ، فقد تحول  الى فعل منتج ، وبدا كنظرية فلسفية لها منظروها وكتابها ومتابعوها فهو في ازدياد مضطرد ، فلم يعد الحديث يقتصر على حجية وجود الله بل  تعدى الى حوار حقيقي في مفاصل الاعتقاد ، وانت تسير في شارع المتنبي او في اية مدينة اخرى  ستجد الكثير من كتب الالحاد. ومن الشباب  الذين  يطرحون اسئلة وجودية مهمة. لم تتجرأ الأجيال السابقة على طرحها. فضلاً عن الاقتراب منها.

ولهذه الظاهرة اسبابها ، فهي لم تأتِ من فراغ ، كما انها لم تأتِ نتيجة تطور وسائل التواصل الاجتماعي فحسب وإن كان  لها دور لكنه ليس بمستوى التأثير الاساسي.  فهناك الكثير من العوامل الداخلية والمتغيرات الفكرية والاجتماعية التي ساعدت وبشكل مباشر على نضوج هذه الظاهرة.

لقد اقترفت الاحزاب الدينية ورجال الدين الذين انخرطوا بالعمل السياسي خطأً فادحاً في زُج الدين في العمل السياسي  فهي القشة التي قصمت ظهر البعير ، فقد كانت المُثل والقيم  التي نادوا بها عالية لم يستطيعوا من مجاراتها أو الوصول اليها  او  تطبيقها  فوقعوا في اشكالية معقدة  بين  اغراء السياسة  ومطلقات الدين ، فتنازلوا عن الدين لصالح بريق السياسة ، وتصوروا باستطاعتهم استغفال عقول الناس بالمقدس  الى ما لا نهاية، لكن المثال السئ الذي قدموه جعل  الكثير من الشباب  يشكك في الفلسفة الدينية ، وراح يفكك عُقد النصوص واشكاليات العقيدة على المنهج الديكارتي ،  فيما تبخرت كل الشعارات  الكبيرة امام مغريات السلطة لدى المتدينين وبدوا وكأنهم عاجزون عن الرد .

ومما زاد الطين بله  الدور الذي لعبه الوعاظ  من خلال  تسويق الخرافة و الاستخفاف في عقول الشباب الامر الذي حول الاعتقاد برمته الى خرافة.

ويعضد ذلك كله  عدم وجود اي منجز حقيقي على الارض في كافة مناحي الحياة رغم مرور اكثر من عقد من الزمن.

فقد أفرز الواقع العراقي بعد اربعة عشر عاماً من إنتشار الفكر الثيوقراطي (الديني)  ثلاث نماذج و ثلاث مصطلحات  تكاد تكون رائجة في الشارع العراقي . وستواجهك وانت تتحدث مع الشباب:

ملحد لا يؤمن بوجود الاديان ويدافع بقوة عن عقيدته مستند الى تناقضات الواقع ومشهد الصراع الطائفي والديني .

متدين راديكالي يعتقد انه على الحق ولا أحد ينازعه في الصواب و كل ما يقوله الاخرون هو باطل وانه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة.

ولا أدري وهو الثالث الذي  لا يثبت ولا ينفي يريد ان يعيش دون تقاطعات وهو أميل للاول.

هذا الواقع الذي يؤجل الصدام  ينذر بمستقبل جديد مختلف ، لم يعهده العراق ربما يكون قاسيا ومعالجاته متواضعة سواء على مستوى الفكر  او على مستوى الاعلام.

فرغم كثرة الفضائيات الدينية  ومظاهر التدين واعداد الوعاظ في العراق الا ان الإلحاد والثقافة اللاادرية آخذا  يشقان طريقهما في  الجامعات العراقية  و  بين الشباب.   فقد صدمتني تقارير تتحدث عن دراسات ميدانية  وبيانيات بأرقام  عن نسب الإلحاد ، بالاضافة الى مصاديق التقيتها او راسلتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ففد صدرت دراسة لجون  كول وهو باحث أمريكي تقول ان شريحة  كبيرة من الشباب العراقي لم تعد تعترف بالدِين خلال الأعوام الاخيرة ، فيما اجرت وكالة AKNEES الكوردية استطلاعاً في بغداد وعدد من المحافظات فأطلقت السؤال التالي : هل تؤمن بالله  كان الجواب ان 32% بـ  لا.

وقد حدثني استاذ جامعي  ان هناك فتيات في جامعة البصرة أصبحن ملحدات ، فقد استبدلت زهراء وهي طالبة في المرحلة الثانية اسمها الى سوزان  واُخرى خلعت حجابها وهي بنت احد رجال الدين ، فيما يشتكي بعض اساتذة جامعة الكوفة  من ان نادي كلية الطب في الجامعة اصبح ملتقى الملحدين  من الطلبة ، وهذا الامر يحدث في النجف معقل المرجعية الدينية وأكثر المدن العراقية محافظة . كما انتشرت  مقاهي الملحدين  في بغداد  و بقية المحافظات.

وأثر الواقع المتردي راحت فكرتان تنازعان الشباب العراقي الحداثة والدين:

تقول الاولى ان سعادة الانسان تكمن في نزوعه نحو المادة ، أي ان المتطلبات المادية وتحقيقها في الحياة ستجعل حياتك اكثر سعادة ، فكل ما يريده الشاب هو اكمال دراسته والحصول على عمل محترم وراتب مجزي وسيارة ومنزل  وشريكة حياة. وهذه فكرة  يمكن تحقيقها في مجتمع يحمي تكافؤ الفرص ويوفر الكرامة لاعضائه، وهذه الفكرة تبنى على  ثقافة المواطنة اي الدين لله والوطن للجميع.

فيما تقول الثانية  ان سعادة الانسان تكمن في نزوع الروح نحو الله دون النظر الى الماديات، وعلى الانسان ان يرضى بالقسمة والنصيب . وهذه كلمة حق يراد بها باطل . وهي تسويق للاذعان والركون الى اللاعقلانية .  كما يعتقد العلمانيون فهي تجعل الانسان بلا ارادة ، لذا لا يمكن ان يكون هناك رب يرضى بالذل والخنوع والضعف، فالحياة تعبير عن الارادة الانسانية.

وبين الالحاد والتدين يبقى الشباب في حيرة  ويبقى الصراع ويبقى السؤال  من سينتصر في النهاية ومن ستكون له الغلبة فهل هذا متوقف على الاداء السياسي ام انه رهين مرحلة  وحتمية تاريخية, وهل حملت الظاهرة الدينية في العراق بذور فنائها وستعلن نهايتها وهزيمتها حينما تتغير خارطة  الصراع ام سنشهد حرب الالحاد والتدين بعد حرب الاديان والطوائف.

علاء الخطيب

alkhatib_23@hotmail.com

  كتب بتأريخ :  الخميس 16-03-2017     عدد القراء :  2340       عدد التعليقات : 0