الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الكوتا النسوية ودورها في تمكين المرأة في المواقع القيادية

الكوتا كمفهوم تأتي من كلمة كوتا (quota) وهي مصطلح لاتيني الأصل يقصد به نصيب أو حصة، ارتبط هذا المصطلح تاريخيًا بما يسمى بـ "التمييز الإيجابي" الذي أطلق لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة (الأقلية السوداء) في ستينيات القرن الماضي , حيث تم تطبيق نظام حصص نسبية "كوتا" والذي ألزمت بموجبه المؤسسات التعليمية بتخصيص نسبة معينة من الطلاب المقبولين فيها للأقليات الأثنية (السوداء)، كما انتشر في بلدان أخرى كانت تشعر فيها الأقليات بأنها محرومة من نصيبها في جانب معين أو مجال معين.

لكن الحديث عن الكوتا النسوية كمطلب يضمن جزءا من حق المرأة في المشاركة السياسية أو غيرها من الحقوق الأخرى بدأ يستمد قوته ومشروعيته منذ انعقاد مؤتمر المرأة العالمي الرابع في بيجين عام 1995، والذي اقر وجوب اعتماد مبدأ الكوتا كتمييز ايجابي يساهم في تفعيل مشاركة المرأة في الحياة العامة، وصولاً إلى تحقيق نسبة لا تقل عن 30 في المائة في حدود العام 2005.

ومن حينها بدأ استخدام هذا المصطلح بشكل اكبر للإشارة في كل مناسبة إلى تخصيص نسبة محددة أو عدد محدد من مقاعد الهيئات المنتخبة مثل (البرلمان ومجالس المحافظات والبلدية) للنساء وذلك لضمان وصول المرأة إلى مواقع التشريع وصناعة القرار، على اعتبار أن الكوتا هو أحد الحلول المرحلية والمؤقتة التي تلجأ إليها الدول والمجتمعات الحديثة الديمقراطية لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة لحين تمكين مشاركة المرأة بشكل فاعل وعادل.

على الرغم من الحديث عن ديمقراطية الدولة وان للمرأة دورا مهما في بناء دولة المؤسسات إلا أن مبدأ الكوتا أثار الكثير من الجدل والاهتمام لدى المهتمين بالدساتير وحقوق المرأة والسياسيين وحتى المفكرين والمثقفين وعقدت الكثير من الجلسات الحوارية والمؤتمرات لمناقشة دستورية الكوتا كضرورة من ضرورات المرحلة الراهنة في الكثير من البلدان العربية والعراق جزء منها وقدر اهتمام البعض بأهمية الكوتا كإجراء مرحلي كان هناك رأي معارض لمشاركة المرأة وفق نظام الكوتا تحت حجة أن الكوتا لاتتناسب مع مبدأ الشراكة والمساواة وحتى مضامين الاتفاقيات الدولية، وهناك من يعتبر الكوتا تتعارض مع مبدأ المساواة بين الجنسين مما يفقد العملية الانتخابية والديمقراطية جوهرها الحقيقي، وهناك آراء ترى ان نظام الكوتا النسائية يعكس انطباعاً بأن المرأة لايمكنها دخول البرلمان أو ممارسة حقها الانتخابي وحتى مواقع صنع القرار دون مواد دستورية وسند قانوني، ومع ان الكوتا توصف بكونها تمييزا ايجابيا إلا انها نظام رغم دستوريته ليس بالضمانة الحقيقية لمشاركة المرأة الواسعة في مواقع صنع القرار والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبقى الكوتا وسيلة لمواجهة العقبات التي تعترض طريق المرأة وتزيل الفجوة بين النساء والرجال وبالإمكان من خلالها أن تنجح النساء في العمل بشكل مؤثر وفعال يجعلهن قادرات على اختراق مجالات أوسع دون اللجوء لمبدأ الكوتا، وبالإمكان إن يلعبن دوراً يساهم في تعزيز وتفعيل دور المرأة في الحياة العامة والخاصة، والاستفادة من كل الفرص المتاحة لإعداد وتأهيل كوادر نسوية مميزة، وتبقى مساهمة المرأة الشاملة مرتبطة بمدى الديمقراطية التي يعيشها كل بلد وإزالة كل مظاهر التمييز وموائمة القوانين المحلية مع المعايير الدولية. وهناك أنواع للكوتا:

• كوتا تعيينية: ترتبط بالإرادة السياسية - القرار السياسي

• كوتا تشريعية: تتطلب تغييرات دستورية وقانونية.

• كوتا طوعية : تتبنى المؤسسات والكيانات السياسية تطبيقها طوعياً.

• كوتا تنظيمية: ضمن تنفيذ السياسات والخطط العامة والقطاعية لتنظيم العمل.

مواقع تطبيق نظام الكوتا:

• المواقع القيادية (في كل مفاصل أجهزة الدولة التنفيذية، التشريعية، الهيئات الاستشارية، القضائية، اللجان) مركزياً ومحلياً.

• الهيئات القيادية للأحزاب والتنظيمات السياسية.

• الترشيح في الانتخابات العامة (الرئاسية، البرلمانية، المجالس المحلية والبلدية).

• قيادة الأنشطة السياسية والمدنية والمجتمعية.

نماذج من تطبيقات نظام الكوتا:

1- فرنسا فرضت نظام الحصة (الكوتا) بالمناصفة عام 2000م وسمي بقانون المناصفة وبموجب ذلك يتشكل البرلمان الفرنسي مناصفة بين الرجال والنساء.

2- كما تم وضع نظام الكوتا في العمل السياسي في إطار الأحزاب السياسية وذلك بتخصيص نسب معينة من المواقع القيادية في الأحزاب والمنظمات الجماهيرية للنساء، وهنالك تجارب سابقة في هذا المجال وبالأخص في أحزاب اليسار والوسط الأوروبية، ففي ألمانيا عمل حزب الخضر بالكوتا في العام 1980، والاشتراكيون الديمقراطيون في 1988 والحزب الديمقراطي المسيحي في 1996 أما في السويد فحزب اليسار قدم الكوتا الحزبية في العام 1990 والحزب الديمقراطي المسيحي في العام 1993، وفي المنطقة العربية وتحديداً في العراق وبعد تغيير نظام الحكم الدكتاتوري في 2003 كان الحزب الشيوعي العراقي سباقاً نحو تثبيت نسبة تمثيل النساء والشباب في مؤتمره التاسع عام 2012 حيث ألزم تنظيماته الحزبية المركزية والمحلية بانتخاب النساء على ان لايقل عن امرأة في المنظمات المحلية والتنظيمات والمختصات التابعة لها وفق قائمة الكوتا النسوية وعن 3 في اللجنة المركزية مع ملاحظة انه منح حقاً أوسع للمرأة في المشاركة داخل الحزب ضمن القائمة العامة فضلاً عن وجود تمثيل للمرأة داخل المكتب السياسي للحزب في المؤتمر العاشر للحزب عام 2016، أما في باقي الأحزاب العراقية الأخرى فتبقى مشاركة المرأة ونسبة تمثيلها في المراكز القيادية ضعيفة أن لم تكن تعد على أصابع اليد في البعض منها.

الكوتا في البلدان العربية

3- المغرب : خصص 30 مقعدا من أصل 325 مقعدا في البرلمان.

4- الأردن: خصص 6 مقاعد بموجب قانون الانتخابات لعام 2003 ثم زيد العدد إلى 12 بموجب آخر تعديل للقانون.

5- السودان: خصص نسبة تتراوح من 10 إلى 35 مقعدا للنساء

6- العراق: خصص نسبة لا تقل عن ( ربع) عدد الأعضاء لمجلس النواب أي 25 في المائة، وتمثل هذه النسبة أضعاف نسبة تمثيل المرأة في الكونغرس الأمريكي.

7- فلسطين : أن تكون امرأة ضمن الأسماء الثلاثة الواردة في قائمة المرشحين .. وبين الأسماء الأربعة التي تلي .. والأسماء الخمسة التي تلي وهكذا.

8- مصر : تبنى التشريع المصري نظام الكوتا النسائية بالقانون رقم 21 لسنة 1979 والذي أوجب تمثيل المرأة في البرلمان بحصة لاتقل عن 30 مقعدا بواقع مقعد لكل محافظة على الأقل وقد شهد البرلمان المصري عام 1979 طفرة هائلة في تمثيل المرأة فقد حصلت النساء على (35) مقعدا تمت زيادتها إلى (36) مقعدا عام 1984 .

وتبقى الكوتا ضمانة أولية مهمة ولقد أصبح من الأهمية تحويل ما تبنته الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية السابقة وما ضمنته الدولة والحكومات في خططها وبرامجها إلى واقع ملموس وذلك من خلال ما يلي:

1- استمرار تبني نظام الكوتا كأجراء مرحلي بما لايقل عن 25في المائة على أن ينسحب على كافة المستويات التشريعية والتنفيذية والقضائية ولجان المفاوضات والمصالحة الوطنية وأن لايقتصر على الانتخابات ( البرلمانية والمحلية ) فقط .

2- تعديل قانون الأحزاب بما يتضمن نصا قانونيا واضحا وصريحا يراعي التمثيل النسوي بما ينسجم مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومقررات مؤتمر بيجين عام 1995، وإلزام الأحزاب السياسية بإشراك النساء في المواقع القيادية على مستوى مراكز الأحزاب وفروعها.

3- إيجاد النصوص القانونية الملزمة للأحزاب والحركات والتيارات السياسية بأن تتضمن قوائمها الانتخابية ما لا يقل عن 25في المائة كحد أدنى من النساء سواء في الانتخابات البرلمانية أو المحلية أو البلدية.

4- اعداد وتنفيذ برامج توعوية وتدريبية تهدف الى تمكين النساء وتشجيعهن على الانخراط في العمل السياسي وتقديم الدعم الكامل بما يوفر للنساء التأهيل والإمكانية التي تضمن مشاركتهن السياسية الواسعة من خلال شراكة فعالة بين منظمات المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص والإعلام

  كتب بتأريخ :  الإثنين 20-03-2017     عدد القراء :  3636       عدد التعليقات : 0