الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
65 عاما على تأسيس رابطة المرأة العراقية.. وتبقى بصمات الدكتورة نزيهة مضيئة!
بقلم : خانم زهدي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الذكريات تتسابق، وفي الذاكرة الكثير مما لا مجال لذكره في مقال واحد عن حياة مناضلة كبيرة كحياة الرفيقة نزيهة الدليمي ،إنها حياة مليئة بالكفاح ونكران الذات، حيث تركت الفقيدة نزيهة بصماتها في كل مجال ساهمت فيه، وشاركت وبمسؤولية عالية في الحركة النسائية الديموقراطية وفي الحركة الوطنية وحركة السلام، وفي مختلف الظروف والأزمات والمحن، التي مرت على العراق، وفي مختلف مراحل حياتها، منذ أن كانت طالبة في كلية الطب. وبعد تخرجها عملت كطبيبة في أماكن مختلفة: بغداد والكوفة والنجف وكربلاء والعمارة، وفي أماكن موبوءة بالأمراض . وقد أصبحت عيادتها في السليمانية عيادة الفقراء، ولم تهتم لبعد المكان، فقد كانت مهتمة بوجودها بين الناس الذين يحتاجونها.

تعلمت نزيهة واستفادت كثيرا، وتعرفت على معاناة الناس، ومشاكل المرأة عن قرب، وأصدرت كتابا حول ذلك بعنوان: المرأة العراقية. وفي السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، ساهمت الفقيدة في 1944 في تأسيس جمعية مكافحة الفاشية والنازية النسائية، التي فضحت الفاشية والنازية كما فضحت أهوال الحرب وجرائمها، وبعد انتهاء الحرب تحولت هذه الجمعية، وبقرار من أعضائها، إلى جمعية نسائية باسم رابطة نساء العراق، وبرئاسة السيدة عفيفة رؤوف، وكانت الدكتورة نزيهة في هيئتها الإدارية، كما كانت فيها أيضا الدكتورة عفيفة البستاني وروز خدوري، وسعدية الرحال وفيكتوريا نعمان. وقامت هذه الجمعية بحملات لمحو الأمية وتوعية النساء وعقد ندوات ثقافية. وقد عقدت اجتماعا نسائيا موسعا، حضرته 400 امرأة، وكانت لها مجلة باسم تحرير المرأة، وكانت نزيهة أبرز محرراتها. ثم أغلقت الجمعية مع المجلة في 1947 بعد إعلان الحكومة الرجعية عن حملتها الإرهابية على الحريات العامة، ولم ترهب نزيهة الحملات الرجعية، ففي فترة لاحقة انتمت إلى حزب التحرر، وبعد عدم إجازته، انتمت إلى الحزب الشيوعي العراقي.

هكذا حددت نزيهة اختيارها الحاسم في النضال في صفوف الحركة الماركسية، وفي تلك الفترة ظهرت اتجاهات في الحركة النسائية العراقية: الأول، اعتبار القضية النسائية قضية خاصة بالنساء فقط. الثاني اعتبارها جزء من قضية الشعب كله، فالوطن ينوء تحت الحكومات العميلة للاستعمار البريطاني، والنساء العراقيات محرومات من كافة الحقوق في العمل والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالعلاقة بين حرمان المرأة من الحقوق الإنسانية ومشاكل الشعب علاقة عضوية لا يمكن تجزئتها، فالمرأة إذن مظلومة ظلما مضاعفا، وفي ضوء هذا، والدروس المستفادة من تطورات الوضع العالمي وواقع المجتمع العراقي وضمنه تمكنت هذه المناضلة وقريناتها من طرح القضية في الأطر التالية: أولا، إن حل مشكلة المرأة يرتبط ارتباطا عضويا بحل مشكلات الديموقراطية في المجتمع. ثانيا، تحقق المرأة أهدافها بالكفاح المنظم ضد أعداء الوطن. ثالثا، مشكلة المرأة مشكلة عالمية، تهم نساء العالم ويتعين أن ترتبط بنضال نساء العالم، وفي هذا الإطار سارت المناضلة في نشاطها بعزم نافذ وصبر جميل.

لقد تعرفت على هذه الإنسانة المتميزة عندما كنت حديثة العهد بالعمل الوطني المنظم عام 1949 على صفحات ما نشرته التحقيقات الجنائية من أسماء في موسوعتها لملاحقتنا وشلنا عن النضال .وفيما بعد جمعنا نضال مشترك،وتوطدت بيننا علاقات نضالية صداقية أخوية، وأحيانا كنت أبات في بيتها، وقد تعلمت منها الكثير من العادات النضالية، والآمال العظيمة والإيمان العميق بالمستقبل الزاهر لبلادنا، وإشاعة العدل و المساواة والسلام.

لم تترك الفقيدة مجالا في النضال لم تساهم فيه، وتترك بصماتها المضيئة فيه. أتذكر عندما قررنا تأسيس جمعية تحرير المرأة كجمعية نسائية، تحمل أهدافا مزدوجة (حقوق المرأة وحماية الطفولة) بالارتباط مع التحرر الوطني والسلام، عام 1951 ،وكنا، أنا وهي، بعد انتهاء دوامها في العيادة، وأنا بعد الانتهاء من تعليم الأميات في شارع الشيخ عمر، نذهب ليلا لجمع التواقيع لهيئة مؤسسة لهذه الجمعية ولتقديمها إلى وزارة الداخلية بغية إجازتها . وأغلب الأوقات كنا نتغدى ونتعشى في العيادة التي أصبحت مقرا لنا، بالإضافة إلى استقبالها الفقراء فيها مجانا.

وقد دعمت تأسيس الجمعية دعما واسعا نساء من مختلف أنحاء العراق بآلاف التواقيع، ولكن الطلب رفض، والسبب هو بناء على مقتضيات المصلحة العامة . وبعد ذلك وبالجهود المشتركة المناضلة، والموقعات على الهيئة المؤسسة،تأسست منظمة الرابطة (رابطة المرأة العراقية) بنفس الأهداف في اجتماع سري، وعلى رأسها الدكتورة نزيهة ، ومن هيئة مؤسسة مكونة من نزيهة ومبجل بابان وخانم زهدي وسافرة جميل حافظ وزكية شاكر وبشر بورتو وسلوى صفوت وزكية خوشناو.

وكان الإعلان الأول لتأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة (رابطة المرأة العراقية) في10/3/1952 في سفرة نسائية، في إحدى حدائق سلمان باك.

هكذا مرت 65 سنة مليئة بالنضالات الصعبة والمنجزات الكبيرة للحركة النسائية الديموقراطية، وأصبحت الرابطة أكبر منظمة فعالة على جميع الأصعدة في الوطن وبلدان المنطقة. وقدمت منجزات كثيرة، وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 كما أصبحت منظمة نسائية مرموقة في الحركة النسائية العالمية، حيث حضرت المناضلة الدكتورة نزيهة مؤتمر الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي (اندع) في1953،ولأول مرة، وبناء على مساهمتها الفعالة، أصبحت الرابطة عضوا في سكرتاريته، والدكتورة نزيهة عضو مجلسه، وفيما بعد عضو مكتبه، ومن ثم نائب الرئيس، وبعد عودتها من المؤتمر نظمت نشرة باسم: المرأة تحل مشاكلها، حصيلة لتجارب العمل النسائي في العراق والعالم.هكذا أصبحت نزيهة شخصية نسائية عالمية في الحركة النسائية العربية والعالمية.

مرت الرابطة بظروف صعبة وعمل سري لفترة طويلة ومع ذلك أصبحت منظمة نسائية مؤثرة تهز الرجعية ومفاهيمها وأحكامها، فليس من المستغرب أن تتعرض إلى مختلف أنواع الملاحقة،عند المنعطفات والتغيرات السياسية في العراق، وخاصة أيام حكم البعث الفاشي المعادي للشعب والديموقراطية، فاضطرت المناضلة نزيهة إلى مغادرة الوطن، وتعرض الكوادر والأعضاء إلى صنوف الاضطهاد حتى التصفية الجسدية،ففقدت الرابطة الكثيرات من أعضائها، واضطرت الاخريات إلى ترك الوطن، والاستقرار في بعض البلدان العربية والأوروبية، وبدأن من هناك العمل النسوي ولمّ الشمل للتواصل مع الوطن، فاستقرت نزيهة في براغ ثم بوتسدام في ألمانيا، ومن هناك بدات تمارس مسؤوليتها في المجال النسائي والوطني، حيث كانت لها نشاطات متعددة الأوجه.

ولم تنقطع نزيهة يوما عن شعبها ووطنها ،ولا عن شقيقاتها العراقيات ونضالهن الدائب، ورغم كل الصعوبات وتباعد الأماكن وصعوبات عقد الاجتماعات، رغم كل المعوقات دعت المناضلة الفذة نزيهة في 1998 إلى عقد اجتماع للرابطة، وتقرر فيه عقد سيمنار في كولن بألمانيا في 1999 تحت عنوان :"نحو عام 2000 الواقع والتحديات." وصدر عنه كتاب بنفس العنوان، وكان له تأثير إيجابي في تحريك النساء في بلدان اللجوء، حيث شاركن في المسيرة العالمية في نيويورك وبروكسل عام 2000 ،ثم الاشتراك في اجتماع بكين+5 من قبل مبجل بابان في سويسرا.

وبعد ذلك أرسلت نزيهة رسالة إلى داخل الوطن لتحريك النساء واستمرار العمل، وسافرت إلى البلدان الاسكندنافية والاتصال بالرابطيات، ثم سافرت أخوات من هولندا إلى كردستان للمساعدة في النهوض بالعمل: أم فرح وبشرى الحكيم وخانم زهدي، وتكونت لجنة تحضيرية لعقد المؤتمرالخامس للرابطة، وعقدت اجتماعات موسعة بحضور المناضلة نزيهة، حضرتها عضوات من هولندا والسويد والدنمارك وإنكلترا وغيرها من البلدان، وبدأت نشاطات واسعة في كل مكان وبشكل متواصل. وتكونت فروع للرابطة في كثير من البلدان، وبدأت النشاطات الإعلامية والتضامنية في التواصل مع النساء في الوطن.

كانت الفقيدة نزيهة متعددة النشاطات في الحزب والحركة الوطنية والحركة النسائية، وكانت موضع تقدير واعتزاز الحزب، فاختيرت كوزيرة في حكومة 14 تموز، كما أسهمت بشكل فعال في حركة السلم العراقية، فكانت عضوا في لجنة أنصار السلام العراقية في 1954 ومن ثم في مجلس السلم العالمي.

كانت نزيهة مناضلة شيوعية وكادرا فذا، لذا من الطبيعي أن تحتل مكانة قيادية مرموقة في قيادة الحزب في لجنته المركزية. ولا ننسى دورها الفعال في اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي إثر انقلاب شباط 1963 ، كذلك عملها في مجلة قضايا السلم والاشتراكية.

عاشت نزيهة سنوات صعبة في بوتسدام بألمانيا، حيث قمت بزيارتها، وفيما بعد قمت انا وآلاخت بشرى الحكيم بزيارتها، وكانت صحتها في تراجع وتدهور، ومع ذلك لم تتوان في إعطاء الراي والمشورة. وعندما ساءت صحتها، في أوج التحضير للمؤتمر الخامس، اضطرت للانتقال والسكن عند شقيقها واثق في هرديكا بألمانيا، حيث أصيبت بجلطة في آذار 2002 ، اقعدتها عن الحركة والعمل، وبقيت هناك إلى يوم وفاتها صبيحة الثلاثاء 9/10/ 2007 ، وقبل وفاتها قمنا بزيارتها من هولندا، أنا وبشرى الحكيم وابتسام فؤاد وابنتها أروى، حيث كانت طريحة الفراش، وقد فرحت كثيرا بزيارتنا لها.

برحيلها خسرت الحركة الديموقراطية والحزب الشيوعي والحركة النسائية خسارة جسيمة، وستبقى نجمة مضيئة في تاريخنا، وفي قلوب كل المحبين لها.

لها كل المجد والخلود

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 19-04-2017     عدد القراء :  2304       عدد التعليقات : 0