الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
يا مسيحيي العراق إختاروا ما بين الجزية والقتل ..

   أمران مثيران للإستغراب تناقلتهما وسائل الإعلام وصفحات التواصل الإجتماعي على خلفية نشر شريط مصوّر لرئيس الوقف الشيعي "علاء الموسوي" خلال اليومين الماضيين قال فيه أنّ "أحكام الإسلام تجاه المسيحيين هي إشهار إسلامهم أو دفع الجزية أو القتل". أولّهما مطالبة مسيحيي العراق من خلال "قائمة الوركاء الديموقراطية" وغيرها من المدعو "علاء الموسوي" والوقف الشيعي بالأعتذار عن تصريحاته، وثانيهما صدور بيان من الوقف الشيعي يتّهم جهات لم يسمّيها بمحاولة زرع التفرقة والفتنة بين أبناء الشعب العراقي!! وأنّ ما جاء في الشريط كان "درسا فقهيا نظريا قبل ثلاث سنين واقتطع جزء منه، ولم يتضمن أية دعوة عملية للقتال أو الاعتداء على أحد من أتباع الديانات المذكورة". أقول مثيران للإستغراب كون مسيحيي العراق يطالبون من رجل دين كعلاء الموسوي بالأعتذار عن حكم شرعي هو من صميم دينه، وهناك العديد من الآيات التي لا تأويل فيها تدعو الى الجهاد ضد الكفار ومنهم أهل الكتاب حتّى يدخلوا الإسلام أو يدفعوا الجزية " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (1)، والأمر الآخر المثير للإستغراب هو بيان الوقف الشيعي الذي يحاول التملص ممّا قاله "الموسوي" وهو "اي الوقف" بهذه الحالة يمارس مبدأ التقية بغباء كامل هنا، كونه يريد الإلتفاف على آيات قرآنية تؤكد ما جاء به الموسوي وغيره.

   الشيعة ومنهم المدعو "علاء الموسوي" يقولون في تفسير الآية أعلاه من أنّ الله "بعث محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى ان تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها إن لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا، وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه الينا، فاما السيوف الثلاثة الشاهرة.

   "فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى: "اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا - يعني آمنوا- فاخوانكم في الدين "فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل او الدخول في الاسلام وأموالهم وذراريهم سبي على ما سبى رسول الله صلى الله عليه وآله فانه سبى وعفا وقبل الفداء صلى الله عليه وآله"

   "والسيف الثاني على اهل الذمة قال الله جل ثناؤه: "وقولوا للناس حسنا" نزلت في أهل الذمة فنسخها قوله: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية او القتل وما لهم وذراريهم سبي فاذا قبلوا الجزية حرم علينا سبيهم وأموالهم وحلت مناكحتهم ولا يقبل منها إلا الجزية او القتل" والسيف الثالث "على مشركي العجم يعني الترك والديلم والخزرج قال الله جل ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم فقال: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فأمّا منّا بعد - يعني السبي - وما فداء" يعنى المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام فهؤلاء لا يقبل منهم القتل أو الدخول في الإسلام ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب" (2)

   بل أنّ الشيعة الإمامية كما غيرهم من المذاهب الإسلامية ذهبوا الى أبعد من ذلك حينما يقولون أنّ "لولي الامر أن يشترط عليهم - زائدا على الجزية - ضيافة المارة عليهم من العساكر أو غيرهم من المسلمين حسب ما يراه فيه مصلحة ، من حيث الكم والكيف ، على قدر طاقاتهم وإمكاناتهم المالية ، وما قيل من أنه لابد من تعيين نوع الضيافة كماً وكيفاً بحسب القوت والأدام ونوع علف الدواب وعدد الأيام فلا دليل عليه ، بل هو راجع إلى ولي الامر"!!

   أنّ ما صرّح به الوقف الشيعي أو ما يقوله علمائهم لا يختلف قيد أنملة عمّا يقوله الطرف الآخر "السنّة" ولا عمّا يقوله الدواعش، فالثلاثة ينهلون من نفس الآيديولوجيا، وهم محكومون بآيات قرآنية لا يمكنهم تجاوزها أو تفسيرها بشكل مغاير عما جاءت به اللغة العربية وهي لغة القرآن. كما وأنّ الفقه الإستدلالي عند الشيعة يتناول الجهاد على أن "جهاد الكفار واجب مع وجود الامام عليه السلام، والكفار هم كل من لا يدين بدين الاسلام. سواء كان من الكتابيين أو من غير الكتابيين. وأنّ جهاد الكفار مطلق ضد كل من لا يدين بدين الاسلام وواجب مع وجود الامام، والغاية من الجهاد هو أما أن يدخلوا الاسلام واما ان يدفعوا الجزية وهم صاغرون. أما غيرهم فلا يقبل منهم الا الاسلام والجهاد واجب في عصر الغيبة أيضا أي ليس مختصا بوقت ظهور المهدي".

   لذا فأنّ أي تفسير لآيات القتل والجهاد على الضد ممّا جاء به "الموسوي" يعتبر كفرا عند المسلمين عامّة، وهذا يعني من أنّ ما جاء به الموسوي وغيره من الشخصيّات الإسلامية وداعش في دعوتهم لقتل أهل الكتاب وسبيهم أو أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون، هي من ثوابت الإسلام التي مناص منها. ولا أظن أنّ هناك رجل دين على هذه الأرض قادر على تفسير جديد للآيات التالية وغيرها على سبيل المثال "(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) (3). و (ذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (4). و (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) (5).

   أنّ ما يجري بالعراق اليوم من شيوع لمفهوم الكراهية بين أتباع الديانات والمذاهب التي يدين بها شعبنا هو من مسؤولية المؤسسات الدينية التي فشلت في تسويق "الله" الذي هو بحسب الدين الإسلامي ألها لجميع البشر وتحويله كأداة للموت والحقد. كما وأنه تعبير صادق عن فشل المشروع الإسلامي بعد أن حولّوا "الله" من خلال تحويل الدين الى أداة لسرقة الناس ونهب ممتلكات البلد، الى سيف مسلّط على رقاب الناس.

   أنّ النظام العلماني الديموقراطي الذي تهاجمه الأحزاب الدينية ويحمّله رجال الدين مسؤولية خراب البلد!!! هو الوحيد القادر على تسويق "الله" كإله لا يميّز بين البشر، وهو الوحيد القادر على إعادة جسور الثقة بين مكوّنات شعبنا المختلفة لبناء عراق آمن ومستقر. لأنه حينها سينهي إحتكار الله من قبل المؤسسات والأحزاب الدينية تلك التي أتخذت الله هزؤا وهي تتاجر به. فبإسم الله تسرق، وبإسمه تخون، وبإسمه تدعو الى أخذ الجزية من أبناء شعبنا، وبإسمه تكفّر. كما أنّ الإسلام غير المتصالح مع نفسه منذ ما يقارب الأربعة عشر قرنا لليوم، لا يستطيع أن يعلن صلحه ولا تسامحه مع أتباع الديانات الاخرى مطلقا. لذا فعملية فصل الدين عن الدولة، وعقلنة الخطاب الديني وتحريره من كل الموبقات والسيئات التي علقت به بسبب فتاوى رجال الدين ومن ورائهم من مؤسسات وأحزاب هو الطريق الوحيد لبناء مجتمع متصالح مع نفسه. وهذا الأمر هو من مهام الدولة العلمانية تحديدا كونها الوحيدة القادرة على تطبيقه.

   أنّ إعتذار المدعو الموسوي أو غيره سواء كان شخصية دينية أو مؤسسة دينية لا تعني شيئا مطلقا، كون الكراهية تجاه الأديان الاخرى والعمل على أسلمة أتباعها أو إذلالهم بأخذ الجزية منهم أو قتلهم، ستظهر في وقت آخر ومكان آخر. وأنّ إعتذار الموسوي والوقف الشيعي والمرجعية الشيعية إن جاء فهو من باب التقية ليس الا، كون الجهاد هو الركن السادس عند بعض المذاهب الإسلامية، وسنامه عند غيرها.

   كما وأنّ أي مطالبة من قبل أتباع الأديان والمذاهب غير الإسلامية بحماية "ئالدولة " لهم ليست سوى صرخة في واد، لأن الدولة هي الوجه الأكثر قبحا من تصريحات رجال دين كالموسوي وغيره.

   (1) التوبة 29

   (2) تفسير القمّي.

   (3) سورة المائدة.

   (4) سورة الأنفال.

   (5) سورة محمد.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-05-2017     عدد القراء :  3933       عدد التعليقات : 0