الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
املاك الدولة والأفراد ما بين الفرهود وعلي بابا والحواسم

الفرهود كلمة مشهورة بين العراقيين لها دلالات عديدة ومعاني نحن لسنا بصددها في هذا الموضوع، هي موجودة أصلاً لكنها انتشرت بين العامة من الناس في عهد الدولة العثمانية تقريباً وارتبطت كما تشير المصادر التاريخية بنهب الجنود العثمانيون أسواق بغداد في أيام الأعياد بسبب تأخر أو عدم دفع الدولة العثمانية رواتبهم، واعتاد الناس على النهب وأطلقوا على العملية، كلمة "فرهود" وهي كما يذكر مصطلح فارسي يتكون من (فره أي كثرة ـــ وهود أي المحلات، ولها تفسيرات أخرى في المعاني والقواميس العربية) بالمعنى الأكثر وضوحاً يعني الفرهود استباحة ونهب أموال وممتلكات دون وجهة حق ومنها المحلات والدكاكين والمعامل ومؤسسات اقتصادية ومالية ، الاستيلاء على أموال الناس أو الدولة دون أن يقف أحد ضده أو يُمنع حدوثه لأنه قد يكون جماعي أو فردي مثلما حدث (مع الفارق) الفرهود في العراق عام 1941، حيث كان موجهاً في عمليات لسبي اليهود العراقيين ونهب ممتلكاتهم وأموالهم ووصلت مجزرة القتل خلال يومين إلى حدود (3 آلاف) يهودي عراقي بريء ، ما عدا الأطفال الذين فقدوا ولم يعرف مصير أكثرهم، وَذُكر أن ذلك جاء بتحريض من حكومة رشيد عالي الكيلاني المؤقتة التي كانت توالي الدولة الألمانية النازية، واشتهر الفرهود وذاع صيته في بعض الأغاني بالعامية وبخاصة المربع السيئ الصيت الذي يدل على التهور والعنف والعنصرية والتحريض على اليهود المسالمين "حلو الفرهود كون يصير يومية (*)" والحق يقال كان محط انتقاد واستنكار الأكثرية من العراقيين لأنه يدعو إلى السرقة والنهب المنافي لوصايا الدين وبالضد من القوانين الإنسانية، لقد كانت الأوضاع المضطربة والفوضى السائدة التي سمحت بالسرقة والاعتداء ونهب أموال الناس حتى أن البعض من غير اليهود أصابهم الفرهود من قبل لصوص استغلوا الفوضى والتحريض للحالة في ظروف استثنائية وعدم وجود أو ضعف السلطة، فضلاً عن الانفلات الأمني والحروب واندحار الجيوش مثلما حدث في الاحتلال الأمريكي 2003 وهزيمة الجيش العراقي والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وتفكك الدولة مما ساد الاضطراب والفوضى جميع مرافق الدولة والبلاد فجُدد مصطلح قديم " علي بابا " ولكن هذه المرة بدون افتح يا سمسم لان العراق بات مفتوح الأبواب على مصراعيها " وهي حكاية قديمة من ألف ليلة وليلة أُنْتجتْ في فيلم أمريكي، علي بابا والأربعين حرامي وكذلك الفيلم المصري بطولة علي الكسار وليلى فوزي، مسلسل مصري بطله يحيى الفخراني" حتى الجنود الأمريكان المحتلين كانوا يتندرون بالاسم حين القبض على الحرامي الذي يسرق ممتلكات الدولة أو الخاصة، الحرامي صاحب الضمير المتعفن الذي يشاهد بلده محتل وجنود غرباء يقولون كلمتهم فيهِ شُبه " بعلي بابا " القديم الذي أعيدت له الشهرة بشكل ساخر، إلى جانب هذا الاسم ظهر لقبٌ آخر مازال متداولاً حتى كتابة هذه السطور " الحواسم " أمام الاستيلاء على أكثرية أراضي الدولة.. ففي مهزلة انتظار التخلص من تبعات النظام السابق وقوانينه التعسفية واسترجاع ما تم الاستيلاء عليه من المال العام وأملاك الدولة وأملاك المواطنين فقد حصل ما هو أسوأ بكثير وكانت الصدمة الجديدة فالذين كانوا يدعون تغيير النظام الفاسد بنظام اقل ما يكون نظاماً عادلاً نسبياً نسوا وعودهم وسمحوا للفساد أن يستشرس أكثر فأكثر، فكان الفساد والتجاوز وسرقة البنوك والوزارات ما عدا (وزارة النفط التي حماها وحافظ عليها المُحتل من النهب) والمتحف الوطني العراقي ، البنك المركزي والسوبر ماركات الكبيرة العائدة للدولة والمحلات التجارية حتى حاويات الزبالة ، السيارات والآليات الحكومية بكل أنواعها وأشكالها ، معسكرات وتجمعات الجيش، الأسلحة المختلفة حتى السيارات والمدرعات والدبابات نقلت إلى احد بلدان الجوار، الحيوانات في حديقة الحيوانات، أثاث البيوت والقصور، أسلاك وأعمدة الكهرباء كابلات التلفونات الأسلاك الشائكة وصفائح الألمنيوم في منعطفات الشوارع الخارجية حتى روضات ودور حضانة الأطفال ودور العجزة والمدارس والمعاهد والكليات والمستشفيات والمستوصفات لم تسلم من علي بابا والحواسم، ولم تسلم البيوت والمحلات والمصانع المختلطة والأهلية من السرقات وهو دليل بثته وثبتته أكثرية وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التي نشرتهم وهم يرقصون ويزغردون ولهم هوسات خاصة والفرح اللصوصي على وجههم كراقصات الليل!!، أما عقارات الدولة التي ذكرناها فقد تم الاستيلاء عليها من قبل البعض من القوى المتنفذة إلى جانب عقارات من بيوت وقصور وفلل ومزارع للمسؤولين السابقين في مناطق بغداد الراقية مثل الكرادة وشارع فلسطين والجادرية والمنصور والحارثية الذي كان من الضروري أن تصادر وفق أصول قانونية وتعود ملكيتها إلى الدولة وإجراء التحقيق من اجل معرفة كيفية الحصول عليها لكن الذي حدث فقد تم الاستيلاء عليها اعتباطياً وعلى طريقة الفرهود من قبل البعض من الأحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي أو الميليشيات المسلحة، ويستثنى من الاستيلاء والنهب (الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي حينذاك) فقد ظلت هذه الأحزاب تستأجر مبانٍ لإقامة مقراتها ، أما أراضي الدولة فالحديث عنها لا يحتاج إلى توثيق أكثر من عشرات الأدلة عن من استولى عليها وعن المباني والمساحات ونوعية الاستيلاء وبأي طرق ، فمثلاً قدرت أمانة بغداد " وجود 300 منطقة أنشئت في بغداد بشكل غير قانوني عبر التجاوز على أراضي الحكومة والمواطنين،حيث يطلق عليها اسم الحواسم ارتباطاً بالانفلات الأمني الذي حدث بعد الاحتلال" هذه التجاوزات حدثت بعد 2003 ، والتجاوزات لم تنحصر على العاصمة بغداد فقط لأنها طالت الكثير من الممتلكات العائدة في العديد من المحافظات، وطبعاً هناك سبب مباشر صدر وكأنه قانون من قبل اللص الأكبر الحاكم الأمريكي بريمر الذي أمر بالمصادرة بدون دراسة أو اعتبارات قانونية ، وهناك قضايا كثيرة أخرى من بينها استيلاء البعض من المسلحين التابعين للميليشيات على الممتلكات والمنازل، منازل ليست لهم ومنها يعود للكنيسة أو مواطنين مسيحيين وقد تم البيع والشراء بأسعار زهيدة اقل من القيمة الفعلية لتلك الممتلكات والمنازل المستولى عليها بشكل غير قانوني.

لقد تداولت الكثير من وسائل الإعلام الوطنية وكذلك شخصيات سياسية ونواب في البرلمان والقوى الوطنية والديمقراطية والبعض من تنظيمات الإسلام السياسي هذه التجاوزات والاستيلاء على ممتلكات الدولة وطالبت في الوقت نفسه بضرورة إعادة ما استولى عليه من أملاك الدولة من بينها محتويات ما سرق من المتحف الوطني، والدعوة للوقوف ضد المتجاوزين وردعهم وإعادة هذه الأملاك، وفي هذا المضمار سعى ممثلو الهيئة السياسية للتيار الصدري إلى توضيح موقف التيار من التجاوزات حيث أكدوا أثناء الاجتماع مع محافظ بغداد عطوان العطواني الذي أكد في بيان للمكتب الإعلامي للمحافظة أن "ممثل الصدر نقل خلال الاجتماع رسالة الصدر التي أعلن فيها البراءة من جميع المتجاوزين الذين يدعون الانتماء للتيار ويقومون بعمليات الاستحواذ على أملاك الدولة" هذا الموقف الايجابي يجب أن يتخذه البعض من الأحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي المتنفذة وتعيد أملاك الدولة أو الأملاك الخاصة التي تم الاستيلاء عليها من قبل جهات منتمية إليها أو البعض من التنظيمات المسلحة التي بإمرتها أو المستقلة.

إن الفرهود الذي لمسناه وشهدناه في أجهزة الإعلام وكيف جرت حوادث السرقات والنهب لدوائر الدولة وغيرها حيث سادت وتحركت بكل حرية حتى قوات الاحتلال الأمريكي لم تتدخل لحماية وزارات ودوائر الدولة ماعدا وزارة النفط كما ذكرنا لأسباب معروفة،كما إنها لم تمنع نهب المتحف الوطني العراقي الذي هو ليس حضارة وتاريخ العراق القديم فحسب بل دليل على حضارة الإنسان ما بين النهرين والإنسان في كل أرجاء المعمورة، لقد أصبح هذا الفرهود ظاهرة في حينها يتندر بها الكثيرون وكان اسم علي بابا والأربعين حرامي صفة لازمت تلك الحوادث ثم ظهر لقب الحواسم ولم يتم استرجاع الكثير مما نهب أو سرق بطرق مختلفة وهي مازالت تتفاعل ما بين شكوى آلاف المواطنين وبين الأحزاب الوطنية والديمقراطية والبعض من المسؤولين أصحاب اليد البيضاء، للحصول على نتائج ايجابية تحتاج هذه القضية إلى جهد استثنائي لأعادتها إلى الدولة أو إلى أصحابها الشرعيين وبالإمكان التحقيق في قضايا المصادرة للبعض من ممتلكات المسؤولين السابقين ومعرفة طرق الحصول عليها بشكل غير قانوني كي تتطابق العدالة وروح المسؤولية الوطنية التي تتمثل بالشفافية والديمقراطية التي تتمثل في دول المواطنة والقانون ، أما الاستيلاء غير القانوني بقوة السلاح والميليشيات أو استغلال القوانين لصالح فئة ضيقة فهي جريمة قانونية وأخلاقية تشكل عارٍ في جبين من قام بها أو شجعها أو استفاد منها بدون وجهة حق ومنطق.

(*) المربع الشعري السيئ الصيت بالضد من يهود العراق وتحريض حكومة رشيد عالي الكيلاني

  كتب بتأريخ :  الإثنين 10-07-2017     عدد القراء :  3120       عدد التعليقات : 0