الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
المُساءلة المُستحقّة

أحصى رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ يومين التكلفة المادية لاحتلال داعش ثلث مساحة البلاد والحرب معه على مدى ثلاث سنوات، معلناً أن تكاليف التدمير الاقتصادي وفي البنى التحتية تجاوزت المئة مليار دولار.

هذا بالطبع تقدير أولي، فدولتنا لم تتوافر بعد على النظام الإداري القادر على تأمين إحصائيات دقيقة في خصوص أي شيء. الكلفة المادية الحقيقية يُمكن أن تزيد على ذلك بكثير، وثمة تكاليف أخرى يصعب تقدير قيمتها، هي كلفة الخسائر البشرية. عشرات الآلاف قُتِلوا ولا يمكن التعويض عن أرواحهم المزهوقة ظلماً وعدواناً، وعشرات الآلاف أصيبوا بجروح وإعاقات كلّف علاجها مليارات الدولارات، وآلاف من هؤلاء هم خبرات ناضجة أو كفاءات واعدة سيصعب تعويضها إلا بعد عشرين سنة في الأقل، وثمة الملايين من النازحين الذين عانوا الكثير في صراعهم من أجل البقاء على مدى ثلاث سنوات وأكثر، ولن ننسى الآلاف من النساء السبايا، وبخاصة من الإيزيديات، وهؤلاء أيضاً لا يمكن التعويض عن معاناتهنّ الرهيبة.

جملة الكلام أنّ تكلفة الاحتلال الداعشي أكبر وأعظم مما تُفصح عنه الأرقام المجردة.

هل كان في الإمكان تجنّب هذا كلّه وتفاديه؟

بالتأكيد كان ذلك مُمكناً بسياسات مختلفة، هي غير السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى وقوع الواقعة الكارثية.

لم يكن داعش قدَراً مكتوباً ومحتوماً على العراق والعراقيين، وإلا فإن احتلال الكويت، وقبله الحرب العراقية – الإيرانية، ونظام صدام نفسه المسؤول عنهما، أقدار مكتوبة ومحتومة أيضاً، ولم يكن لنا بالتالي الحقّ في التنديد بها ومعارضة النظام السابق والعمل على إطاحته بشتى الوسائل.

الاحتلال الداعشي كان نتيجة مباشرة لسوء الإدارة وسوء التخطيط وسوء التنفيذ، مدنياً وعسكرياً، وللفساد الإداري والمالي الذي لم يترك مفصلاً أو زاوية في كيان الدولة وكيان المجتمع من دون أن يضربه ويتغلغل في أعماقه.

وراء ذلك كلّه كان ثمة بشر، بشحمهم ولحمهم وعظمهم، ارتكبوا أخطاء وانزلقوا في خطايا. هؤلاء بالذات يتعيّن مساءلتهم لإجلاء حقيقة ما جرى وتحديد المسؤوليات .. هذه المساءلة كان يتوجّب البدء بها أياماً قليلة بعد وقوع الواقعة الداعشية. ذوو السلطة والنفوذ تعلّلوا يومها بخطر الإرهاب القائم والماثل. كان ذلك في الواقع محاولة للهروب إلى الأمام، فأهل السلطة متخادمون في ما بينهم.

الآن وقد أزحنا خطر داعش، كما أكد السيد العبادي غير مرّة، فمن المُفترض أن يُفتح الباب أمام استحقاق المساءلة: كيف حدث ما حدث؟ ولماذا حدث ما حدث؟ ومَنْ المسؤول عمّا حدث؟

واجب حكومة العبادي فتح هذا الملف الآن قبل الانتخابات العامة المُفترض إجراؤها العام المقبل. لا ينبغي أن يكون فتح هذا الملف دافعه الانتقام أو تصفية حسابات سياسية. المطلوب كشف الحقيقة في سبيل ألا تتكرّر مأساة حزيران 2014 مرة أخرى، ومن أجل تحديد المسؤوليات والحؤول دون أن تكون للمسؤولين عن المأساة، أياً كانوا، أدوار في عراق ما بعد داعش.

المدى

  كتب بتأريخ :  الإثنين 13-11-2017     عدد القراء :  1845       عدد التعليقات : 0