الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
دونالد ترامب بعد النار والغضب

TO BE OR NOT TO BE

لطالما كانت حياة المشاهير مادة دسمة لمؤلفي كتب السير والقصص والمغامرات والدسائس واسرار النساء والعشيقات في القصور الامبراطورية وثروات ومجوهرات واسلحة وملابس واثاث الاباطرة والملوك و السلاطين .

وقد انتشرت كتب سير الملوك منذ القدم ، ومن اشهر الكتب الشرقية في سير الملوك كتاب الشاهنامة ويعد سجلا لملوك بلاد فارس .

مقابل سير الملوك انتشرت ايضا سير الصعاليك وسير الابطال الشعبيين الذين تروي المجالس سيرهم وتفتخر المجتمعات ببطولاتهم ، وفي العصر الحديث انتشرت سير الثوار الذين اشتهروا بالبطولات والتضحيات مثل سيرة الثائر جيفارا .

ولكن مقابل كتب السير تلك ، انتشرت ايضا سير فضائحية لمختلف المشاهير مثل سيرة دون جوان و رفائيل الفاسق وسيرة المركيز دي ساد وغيرها ، كما شاعت الصحف التي تعنى بنشر فضائح الاسر الحاكمة وتتسقط اخبارهم وصورهم لتنشرها في الصحف التي عرفت بصحافة التابلويد .

و ليس غريبا ان يصدر في امريكا كتاب عن رئيس او سياسي سواء أكان سيرة يرويها شخص اخر او سيرة ذاتية يكتبها الرئيس او السياسي نفسه ككتاب موثق لمسيرة سنوات بحاجة الى توثيق على يد ابطالها .

ولكن كتاب مايكل وولف ياتي بشكل يختلف عن المعروف من كتب السيرة ، فقد تمكن وولف من مواكبة نشاط الرئيس الحالي ترامب قبل ان يصبح رئيسا ، وله معرفة به وحياته وسياسته ونشاطاته من قبل ، ورافق دخوله للبيت الابيض وحصل على تفويض من ترامب نفسه ان يحتل مكانا على اريكة في الجناح الغربي للبيت الابيض ويسجل ما يشاء من مقابلات وملاحظات ، حتى انه يصف نفسه بانه كان كالذبابة التي على الحائط ، لا احد يرغب بوجودها ، فهو ضيف ثقيل ، ولكن لا احد يستطيع ان يقول له اذهب من هنا .

ويذكر وولف انه اجرى اكثر من مائتي مقابلة بعد فوز ترامب خلال وجوده في البيت الابيض منذ كانون الثاني 2017 . وانه كان يسجل ويلحظ ويسأل .

وردت في الكتاب الذي نشره مايكل وولف الكثير من القضايا الجادة والهازلة ، الحقائق المغلفة بخداع السياسة والاكاذيب المدسوسة في ثنايا الحوارات التي لا يعرف مصدرها لانها جاءت دون ذكر القائل لاسباب عدة شرحها المؤلف في مقدمته للكتاب حين قال :

(كان من الجدير ملاحظة أن الكثير من الألغاز الصحفية التي واجهتها بينما أتعامل مع إدارة ترامب، جاءت نتيجة لافتقار البيت الأبيض إلى الإجراءات وإلى قلة خبرة المديرين. وقد شملت تلك التحديات التعامل مع المادة غير المنسوبة إلى المصدر ومن نوع "الخلفية العميقة"، والتي أصبحت لاحقاً معلنة عرَضاً؛ والمصادر الذين قدموا روايات لي خصيصاً ومن باب الثقة، ثم شاركوها لاحقاً على نطاق واسع، كما لو أنهم تحرروا بعد البوح بها أول مرة؛ وهناك عدم الانتباه المتكرر لوضع أي شروط على استخدام محتوى المحادثة؛ وكون آراء أحد المصادر معروفة جيداً، ومتقاسمة على نطاق واسع بحيث سيكون من المضحك عدم نسبتها إلى صاحبها؛ والنشر على طريقة المنشور السري تقريباً، أو إعادة السرد غير الواعي تماماً، لما كان سيشكل بخلاف ذلك معلومات خاصة ومن نوع "الخلفية العميقة". وفي كل مكان في هذه القصة، ثمة صوت الرئيس الثابت، المثابر وغير المنضبط، في السر وفي العلن، الذي يتقاسمه الآخرون على أساس يومي، وفي كثير من الأحيان كما نطقه بالضبط فعلياً. )

من اللافت للنظر ان مايكل وولف لم يتورع عن كشف التفاصيل المثيرة للسخرية التي تناول بها رجال ادارة ترامب حياته الشخصية وعلاقاته الاسرية واتهامه بانه شبه متعلم وانه لا يقرأ ، والوصف الاشد وطأة على ترامب هو انه ليس سوى طفل ، وانه غير متوازن عقليا .

ان هذه الاتهامات تحتم على الادارة الامريكية احالة ترامب الى الفحص الطبي كي يقرر الاطباء مدى قدرته على ادارة دفة الحكم ، ولا يخفى ان دونالد ترامب يعد من اكبر الرؤوساء سنا في تاريخ الولايات المتحدة فهو في العقد السابع من عمره وهو ما يجعله في موقف ضعيف من الناحية الصحية رغم ادعائه بانه سليم العقل والجسم وانه فوق ذلك عبقري كما يقول.

ومن بين الامور الهازلة التي تناولها وولف ، هي شعر ترامب ، فقد نسب الى ابنته ايفانكا انها تسخر من شعر والدها وان شكله الحالي بسبب زرعه بطريقة خاصة وان لونه الاشقر الفاتح بسبب ازالة الصبغة المستخدمة قبل الاوان لعدم صبر ترامب عليها .

وفي جلسة عشاء بين المستشار السابق لترامب ، ستيف بانون ، وآيلز مدير وكالة انباء فوكس نيوز سابقا والمؤلف مايكل وولف يقول بانون عن اجندة ترامب مايلي :

"في اليوم الأول سننقل السفارة الأميركية إلى القدس. نتنياهو يضغط. شيلدون" - شيلدون أديلسون، ملياردير الكازينوهات، والمدافع المتحمس عن إسرائيل من اليمين المتطرف، ومؤيد ترامب - "كلهم موجودون. إننا نعرف إلى أين نتجه في هذا الشأن".

"هل يعرف دونالد؟" سأل آيلز المتشكك.

ابتسم بانون - كما لو بغمزة تقريباً - وواصل: "دع الأردن يأخذ الضفة الغربية، دع مصر تأخذ غزة. دعهم يتعاملوا مع الأمر. أو يغرقوا وهم يحاولون.

السعوديون على حافة الهاوية، المصريون على حافة الهاوية، كلهم خائفون حتى الموت من بلاد فارس... اليمن، سيناء، ليبيا... هذا الأمر سيئ... لذلك روسيا رئيسية جداً... هل تكون روسيا بذلك السوء؟ إنهم أناس شريرون. لكن العالم مليء بالأشرار".

في هذه الفقرة يكشف مايكل وولف ، استنادا الى تصريح ستيف بانون اجندة البيت الابيض وهو ما تحقق قبل اسابيع حين اعلن ترامب نقل السفارة الامريكية الى القدس والاعتراف بها كعاصمة لاسرائيل .

كما كشف القيادي الفلسطيني احمد مجدلاني مؤخرا طلب السعودية الذي نقلته عن الادارة الامريكية لهذه الاجندة الامريكية والتي سميت بصفقة القرن .

استفاد مؤلف كتاب النار والغضب من الحرية التي تتيحها القوانين الامريكية لنقد الشخصيات العامة ، وحرية التعبير المكفولة للصحافة والاعلام ، وهو ما لا يساعد ترامب في اعلانه مقاضاة مؤلف الكتاب او ستيف بانون الذي وردت على لسانه العديد من التصريحات بصفته مستشارا سابقا للادارة الامريكية الجديدة .

وبامكاننا عـدّ هذا الكتاب الذي انتشر على شكل واسع في امريكا واوربا بانه محاولة توجيه لكمة قوية الى ترامب كي تجعله يترنح في موقعه الرئاسي من خلال كشف نقاط ضعفه والاستهزاء بقدراته التي يجهر بها من قبيل عبقريته وامواله وملاحقته للنساء .

سيبقى الكتاب مصدر تسلية للقارئ الامريكي يحرص على مطالعته للتعرف على خفايا حياة رجل اعمال كبير ورئيس اعظم دولة ، تفاصيل حياته ، طريقة واسلوب ادارته لاخطر مؤسسة حاكمة في العالم .

فهل سيحسم هذا الكتاب وجود ترامب في البيت الابيض ام يستطيع اكمال سنوات حكمه الاربع الاولى ؟

حتى ذلك الحين سنبقى نردد مقولة هاملت شكسبير TO BE OR NOT TO BE

  كتب بتأريخ :  السبت 13-01-2018     عدد القراء :  2259       عدد التعليقات : 0