الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أبشّرك أيها المريض بالصلاة عليك فى مسجد أنيق اليوم

أيها المريض على أبواب المستشفيات، أو أرصفة شوارعها، ممسكاً بتذكرة الدخول بجنيهاتك القليلة انتظاراً ليومك المجهول، اصبر معنا على ألم الداء وقلة الدواء، ولا ينفد صبرك، فليس لدينا ما يكفينا من الأطباء، أو ما يكفيك من الدواء، أو الأسرّة للنوم والراحة من مشقة العلاج، فإذا كُتبت لك النجاة والحياة، وأفلتّ من مرضك فعلى الله قصد السبيل، وإذا وقعت فى يد الموت وجاءك هنا أو فى بيتك، أو على أرصفة المستشفيات، أو فى رحلة الآلام بين معامل التحاليل، فستجد من الأيادى الحانية من تحملك مسرعة لإكرامك إلى مثواك الأخير لم تجدها وأنت حى، وستجد مساجدنا عامرة بالنجف والسجاد وكتب التفاسير والساعات وأجهزة التكييف، وسيصلى عليك المتبرعون فيها صلاة تليق بمقامك السامى، وسنكرمك فى الممات كما أوصانا ربنا أن نكرمك فى الحياة، وما كنت تجد هذا النعيم فى مستشفياتنا وأنت حى.

اعذرنا أيها العليل، فإن من بنى لله مسجداً فى الدنيا بنى الله بيتاً له فى الجنة، فهذا مكسب كبير، وربح وفير. وإن شراء السجاد الفاخر لفرش المساجد للصلاة يكون الحرير والديباج الناعم تحت الأقدام فى بيوتنا فى الجنة. وإن شراء أجهزة التكييف تصبح مراوح من ريش النعام تحملها الحور العين برائحة المسك والعنبر. فما يفيدنا بربك شراء أجهزة الغسيل الكلوى، أو إنشاء مستشفيات جديدة، أو حتى مدارس لأولادك، من هذا النعيم الذى ينتظرنا فى الجنة من بناء المساجد؟ أليس هذا النوع من التجارة مع الله هو الأنسب والأسرع استثماراً والأعلى فائدة من كل أنواع التجارة مع العباد؟ إنها صفقة رابحة، بيت ببيت، وقصر بقصر، وإذا أسرفنا وأفرطنا وبالغنا فى الصرف على المساجد، زاد نعيمنا وعزُّنا فى الجنة، وكان الجزاء من جنس العمل، هل سمعت يوماً عن جزاء مستشفى بمستشفى أو مدرسة بمدرسة؟ إنها صفقة رابحة، حتى لو كان المسجد بجوار المسجد وزاحمناه بمسجد جديد، أو كان المسجد على ناصية الشارع وأغلقناه بواحد جديد، أو كان المصلون فى المساجد فى الصلاة صفاً أو اثنين أو حتى ثلاثة، فلا يهم عدد المصلين، ماذا يفيدنا علاجك لتصبح مؤمناً قوياً، أو قادراً على تربية أولادك تربية سليمة، تنفعهم وينفعون بلادهم، دون أن نفوز عند الله ببيت يؤوينا فى الجنة؟ وماذا يفيدنا تعليمك حتى تصبح عالماً فى الطب أو الهندسة أو الكيمياء، تفيد نفسك والإنسانية، إذا كان المقابل ضياع هذا القصر المنيف فى جنة الله؟

فى مدينتنا الصغيرة، مولدى ونشأتى، هنالك مسجد صغير لكل منطقة، ومسجد كبير فى الميدان القريب، وعلى النواصى مساجد متوسطة، وعلى الترع تنتشر الزوايا والمصليات الصغيرة، ويتسابق كل فريق من هؤلاء فى فرش أرضية المسجد بالموكيت الغالى من عام إلى عام، ودهان الحوائط إذا تشققت، وتصليح ما عطب وما تعطل من أجهزة التكييف، وتركيب الساعات الناطقة بالأذان كل على موعده، وشراء الكراسى للمصلين من كبار السن، وإصلاح مواتير ودورات المياه، وإعادة تركيب الرخام بالمسجد إلى النوع الأرقى والأغلى، وتغيير مكبرات الصوت إلى الأجهزة الحديثة التى تصل بصوت المؤذن إلى كل المرضى فى أسرّتهم، وتخترق جدران البيوت لإيقاظ النيام من المسلمين، تنبيهاً بحلول وقت الصلاة، وتشكَّل اللجان فى كل حارة لجمع التبرعات، وحصر الأعمال المطلوبة، ثم البدء فى التنفيذ بسرعة فائقة، ويتبرع العمال والفنيون بجزء يسير من أجورهم مرضاة لله وقرباً من نعيمه، مدينتى الصغيرة الورعة التقية النقية الخاشعة الزاهدة ذات المائة ألف نسمة، ومائتين من المساجد، ومآذن تتسابق إلى السماء، وعدد ليس بالقليل من الزوايا والمصليات، بها مستشفى واحد صغير بلا دورة مياه آدمية، أو أسرَّة للمرضى أو حتى مراتب للأسرَّة المتهالكة، أو ثلاجات لحفظ الأدوية إذا منَّ الله عليها بالقليل، أو غرفة عمليات، أو عيادة خارجية أو عيادة للطوارئ صالحة للتعامل مع المرضى أو المصابين، أو أجهزة الغسيل الكلوى ومستلزماته، بل وأصبح المستشفى خاوياً على عروشه. الغريب أن المصلين يشكون مُرَّ الشكوى من سوء حاله، وهم جلوس على موكيت المسجد الوثير انتظاراً لإقامة الصلاة، فلو نظر أحدهم تحت قدميه ولعدد المصلين، فسيرى من هذا الذى صعّب وعسّر الأمر على المرضى، ومن سهّل ويسّر الأمر كثيراً على المصلين، هم أنفسهم الذين يسرعون الخطى لاستقبال ميت اليوم عليل الأمس، ليصلوا عليه صلاة الجنازة فى مسجدهم الأنيق.

أهلنا الطيبون المتاجرون مع الله لا يعرفون أن لله بيوتاً أخرى ينشدها، ويزكى بنيانها ويباركها، ويضاعف أرباحها وفوائدها، وهى بيوت بناء الإنسان، علمياً وطبياً وثقافياً، وليس أعظم عند الله من تكريم الإنسان وحفظ حياته وصحته وعقله، فهذا أعظم استثمار فى الدنيا وفى الآخرة، وليس أعظم عطاء لله إلا عطاء أنابك فيه، وأوكلك عنه لبنى البشر فى دنياهم، هذا هو الربح الوفير والمكسب الدائم الذى لا ينقطع.

أيها المتبرعون لبناء المساجد فى أنحاء المعمورة، إن الله قد جعل أرضه مسجداً وطهوراً، فاستبقوا الخيرات فى بناء الإنسان، فهو أربح تجارة مع الخالق، وهو أكرم عند الله، فأصلحوا من أموالكم أحوال العباد، فهى أولى من موكيت المساجد، ودهان حوائطها، وشراء أجهزة التكييف، والإسراف فى إنشاء دور العبادة التى أُتخمت بها البلاد، وحشرت المدارس بالتلاميذ والمستشفيات بالمرضى. فليس لله حاجة لبيوت مزخرفة مزركشة ومستشفيات خاوية خربة، أو بيوت علم تزدحم بالطلاب، بيوت الله على بساطتها تنفع عباده للصلاة، ودور المستشفيات على بساطتها تدفع الناس للموت. والله أغنى عن كثير.

adelnoman52@yahoo.com

"الوطن" القاهرية

  كتب بتأريخ :  الخميس 18-01-2018     عدد القراء :  2541       عدد التعليقات : 0