الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
يارا... والذئب

كان قد مضى وقت طويل منذ لم تزر يارا جدتها. شتاء بكامله. كانت كلما طلبت من امها ان تسمح لها بزيارة جدتها، كانت تقول لها: بس يخلص الشتا! بس يخلص الشتا! بعدين الغابة مليانه ذيابه بالشتا.

كان يفصل بين بيت اهل يارا وبين بيت جدتها، غابة كبيرة، كانت وجرا للذئاب، خصوصا في الشتاء، كان عواؤها يقض مضاجع السكان على جانبي الغابة.

انقضى الشتاء. اخضرت اشجار الغابة تلونت بالأزهار، من كل لون. ضجت الغابة بزقزقة العصافير وكل الطيور.

كانت نسرين* ام يارا، تطبخ غذاء اليوم. تشبثت يارا بأذيال ثوب امها. متوسلة: الشتا راح. الغابة اخضرت. الذئاب ولت. بعوائها الكريه. الغابة ترقص على صداح البلابل."

ارتفعت نبرة العناد في صوتها. خبطت الأرض بقدمها الصغيرة: ماما! انا مشتاقة لستو! بدي روح لعند ستو!

طيب! طيب يا بنتي. بس خليني اعملك زوادة لستك" رضخت يارا. استيقظت في الصباح الباكر. ايقظت امها. سرحت لها شعرها الكستنائي الطويل. عقدته بشريط احمر. البستها ثوبا ابيض. حشرت قدميها في حذاء احمر. وضعت في ذراعها سلة صغيرة: هذي زوادتك وزوادة ستك. بوسيلي ياها من هالخد- مقبلة خدي يارا-  وهالخد. اذا سألتك عني قوليلها. الختيار مريض، ما فيها تتركو لحالو"

ابتعدت يارا. كانت امها تراقبها ملوحة، حتى غابت عن انظرها.

اوغلت يارا في قلب الغابة. كانت تزقزق كعصفور. ترقص، تطير، يتطاير ثوبها الأبيض، يلتف حولها يهفهف، كجناحي فراشة.

كانت كلما مرت امام زهرة زاهية، تضمها الى صدرها، حتى تكومت فوقه باقة كبيرة اثقلتها، مرددة: معليش! ستو بتحب الزهور. هذي هديتي لستو."

فات يارا ان تلاحظ، بين متعرجات الغابة، خصلة شعر ابيض هنا، مزقه ثوب

هناك، عظام كبيرة متناثرة.

اقتربت يارا من بيت ستها. قرعت الباب. لا جواب. خبطته بقوة، رد صوت خشن من الداخل: مين؟

ردت يارا متلهفة: هذا انا يا ستو! افتحي!

رد الصوت الخشن: انا مريضة، ما اقدر انهض. ادفشي الباب بيفتح.

دفشت يارا. دخلت. اقتربت من السرير حيت تتكوم جدتها. راعها منظر جدتها.  وجه ناحل. بوز طويل. نظارتا جدتها تختفي وراءهما عينان ملتمعتان صغيرتان ترسلان شواظا.

كم تغيرتِ يا ستي" قالت يارا وهي لا تخفي دهشتها. مرضت من شوقي الك يا ستي" رد الصوت الخشن.

-: ليش صوتك صاير خشن؟ سالت يارا.

حشرج الصوت الخشن: صار عندي التهاب بالحنجرة"

-: ليش عيونك زغروا وعويناتك كبرو؟"

حتى شوفك منيح يا بنتي".

-: ليش مناخيرك صايرين كبار ومنخارك طويل؟" -: حتى شمك منيح يا يارا" ردت الجدة وهي تتهيأ لمغادرة الفراش.

-: فهمت! بس ليش بوزك صاير طويل؟"

لم تستطع الجدة الصبر. فتحت شدقيها فتكشفت عن انياب طويلة.

عوت: حتى آكلك يا يارا! قفزت الجدة- الذئب. ركضت يارا الى الباب. خرجت وهي تصرخ: الذئب! الذئب! اكل جدتي و رح ياكلني. خرج سكان البيوت المجاورة. رجالا ونساءً، هذا يحمل مسحاة، تلك تحمل مغرفة. أدركوا الذئب. احاطوه. تكاثرت عليه العصي والمساحي والمغارف، حتى لفظ انفاسه. قالت الجدة الحقيقية وهي تلتقط انفاسها، بينما يتحلق حولها الصغار يكاد النعاس يطبق اجفانهم: توتي توتي... خلصت الحدوتي"

نام الصغار. لكن هل سنسمح نحن الكبار، رجالا ونساءً، للذئاب الجدد،" مدنيو المحاصصات، الصفقات، مجازر سبايكر، المتنكرين بثياب الجدات الطيبات، ان يخدعوننا؟ فليفتحوا اشداقهم: سنرى دماء الفقراء، سكان العشوائيات، ضحايا سبايكر، الملايين من سكان المخيمات، تخر من انيابهم.

هل سنسمح لهم ان يعودوا؟

صوتوا لضمائركم! أنتم مسؤولون!

امام الله، امام الناس وامام اطفالكم.

صوتوا لضمائركم، وليس للفتات المنهوب من خبزكم وخبز اطفالكم.

احملوا مساحيكم، مغارفكن، عصيكم: ضمائركم

قولوا للذئاب بأصواتكم النقية الطيبة:

لن نسمح لكم ان تعودوا!

و صوتوا!

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 11-04-2018     عدد القراء :  2406       عدد التعليقات : 0