الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ســانــت ليغــو 1.9...

أثار التعديل الأخير لقانون انتخاب مجالس المحافظات في العراق بشأن اعتماد طريقة سانت ليغو 1,9، في احتساب أصوات الناخبين موجة انتقادات واسعة

من قبل جمهور الكتل والأحزاب "الصغيرة" الذي تمثل في عدد من النخب الثقافية والمنظمات الحقوقية والمدنية. وتمثل الإعتراض الرئيس لأنصار هذه الكتل والأحزاب في أنّ التعديل الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي في الثاني والعشرين من تموز الماضي فيما خص المحافظات غير المنتظمة بأقليم سيعزز فرص فوز الجماعات والكتل السياسية الكبيرة على حساب الصغيرة والمنفردة.

وأنّ هذا التعديل سيعزز ظاهرة دكتاتورية الأحزاب الكبيرة ويحافظ على التشكيلة البنيوية الحالية التي تقوم على قاعدة التمثيل الديني والمذهبي والعرقي ويقلص من قوة الكتل والأحزاب الصغيرة التي تسعى لإحداث التغيير من خلال تقديم مشاريع قوانين وبرامج حكومية مواطناتية عامة. بموجب هذا التعديل سيطبق القاسم الإنتخابي 1,9 في انتخابات مجالس المحافظات المقرر القيام بها في نيسان من العام المقبل، 2020 وقد يعقبها أنْ يطبق في الإنتخابات النيابية العامة المقرر إجراؤها في أيار من عام 2022. وكان القاسم الإنتخابي السابق تحدد بصيغة 1,7. وبحسب التعديل الأخير ستقل فرص الكتل والجماعات الصغيرة إلى حدها الأدنى. يذكر إنّ معظم الكتل والأحزاب الممثلة في مجلس النواب الحالي صوتت على صيغة التعديل الجديد بما فيها كتلة سائرون التي وصف المتحدث الرسمي فيها التعديل بأنّه "خطوة بالإتجاه الصحيح". بيد أنّ للحقيقة وجه آخر. تهدف صيغة قانون سانت ليغو 1,9 إلى خفض عدد الكتل والأحزاب المتنافسة إذا ما أخذت مجردة. ويحصل هذا في عدد من الديموقراطيات العريقة مثل السويد والدنمارك ودول أوروبية أخرى. وهذه مسألة صار من الضروري التدخل لتعديلها للحد من المشاركة الواسعة وغير المجدية والمكلفة للمواطن والمجتمع في العراق. يلاحظ، بينما لا يتجاوز عدد الأحزاب المتنافسة في بلدان مثل ألمانيا وفرنسا بضعة عشرات منها فقد شارك مرشحو ما لا يزيد على خمسة أحزاب وكتل منها في تشكيل الحكومة. بلغ عدد الأحزاب الرئيسية المتنافسة في ألمانيا على سبيل المثال، 12 حزباً فاز منها ستة أحزاب يتقدمها حزب الإتحاد الديموقراطي المسيحي والحزب الأشتراكي الديموقراطي. وبلغ عدد الأحزاب المتنافسة في فرنسا 34 حزباً فاز منها ستة أحزاب يتقدمها حزب جديد تزعمه الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون وأخذ اسم "الجمهورية إلى أمام". إلا إنّ الحالة في العراق تختلف اختلافاً كلياً. فقد بلغ عدد الكتل والأحزاب المتنافسة 307 أحزاب و19 إئتلافاً كبيراً وأكثر من 6500 مرشح في انتخابات 2005. فيما بلغ عددها 167 كتلة وحزباً إلى جانب 12 إئتلافاً كبيراً وأكثر من ستة آلاف مرشح في الإنتخابات النيابية لعام 2010. وبدلاً من أنْ يأخذ هذا العدد بالإنخفاض في الدورة الإنتخابية اللاحقة لعام 2014 فقد قفز إلى ما يقرب من تسعة آلاف مرشح و 277 حزباً وكتلة. وعاد إلى الإنخفاض إلى 205 كتل وأحزاب وما يقرب من سبعة آلاف مرشح في انتخابات عام 2018. هذه حالة تقرب إلى المستحيلة في أي بلد يروم مرتبة من المعقولية في تنظيم أوضاعه السياسية لإدارة شؤون البلاد والعباد مما يفسر حالة التشرذم في النتائج النهائية التي مكنت أربعة إئتلافات رئيسة من الوصول إلى الأولوية لتشكل ما أصطلح عليه بالكتل الكبيرة. وسرعان ما إنعكس هذا على هدف تشكيل الكابينة الحكومية وصعوبة الحسم فيها لتسيير شؤون المواطنين وتوفير الحد الأدنى من الإدارة والأداء الفعال.

من الطبيعي أنْ يتساءل الناخب العراقي عما حصل عليه من نخب صغيرة تدخل فرادى وسرعان ما تضيع أو تضطر للتحالف مع غيرها كما في التيار المدني وممثلوه الأربعة من مجموع 328 نائب بحسب نتائج الإنتخابات الأخيرة. تظهر أهمية هذه الملاحظة في ضوء حقيقة أنّ إقتراح القوانين وإقرارها يرتبط بعدد النواب المصوتين لصالحها. وعليه، تجد الكتل الصغيرة نفسها عاجزة عن تمرير أي مشروع يذكر خارج القدرة على الإنضمام لهذه الكتلة الكبيرة أو تلك. من جانب آخر، لم يقدم التيار المدني نفسه بصورة متماسكة وقوية مما أدى إلى موجة إنتقادات حادة على الصعيد الداخلي لعل أشهرها دخول الحزب الشيوعي العراقي بتحالف مع التيار الصدري ضمن إئتلاف سائرون والذي أثمر عن فوز إثنين من ممثليه فقط هما رائد فهمي وهيفاء الأمين. وظهر التيار المدني ككل موزعاً ومفككاً سواء أثناء الإنتخابات أو بعدها. فقد حدث أنْ أعلن عن الدخول في عدد من التحالفات البينية التي إنهار بعضها في ظرف أيام قليلة بعد الإعلان عنها في اجتماعات عامة دعي بعناية إلى حضورها ودعمها. بل إنّ أفراداً من دعاة التيار المدني أعلنوها صراحة أنّهم اختاروا الدخول في الإنتخابات تحت عباءة كتلة كبيرة لضمان الفوز. أختار أمثال هؤلاء الورقة الرابحة التي تبشرهم بالفوز ليس إلا. وهذا ما فعله البعض بعد الفوز فقط لضمان البقاء والتحرك بصورة معقولة كما في حالة النائب المستقل محمد علي زيني. أدت هذه التقلبات على مستوى التيار المدني بنيوياً وفردياً وإنهيار تحالفاته إلى خسارة شرائح واسعه من جمهوره فيما أظهرت الأحزاب والكتل الدينية والعرقية تماسكاً ساهم في شد جماهيرها إليها بل وكسبت أعداداً من المدنيين المحبطين.

يتوقع أنْ تضع هذه الصيغة المعدلة من القانون على ما تنطوي عليه من مرامي استبدادية التيار المدني والمشتغلين فيه من قادة وقواعد أمام مسؤولياتهم التاريخية. فإما أنْ يتضامنوا ويتحدوا ويشاركوا في الإنتخابات بقوة ليظهروا حجمهم ويصنعوا النتيجة التي يدعون أنّهم يمثلونها ويطمحون بالتالي إلى تحقيقها وإما أنْ ينقسموا ويتباعدوا ويظهر فيهم من يدعو إلى المقاطعة ليتخلصوا من عبء مواجهة الواقع. هذا الواقع الذي تشكل عبر تجارب سياسية مخيبة للآمال جعلت المواطن ينفر تسمية حزب والإنتماء إليه من خلال ما رشح إلى وعيه من الماضي القريب والحاضر الملوث بالمصلحة الشخصية والقرابية والمذهبية والعرقية وألا يزيد على أنْ يلعب دور الأداة الصماء البكماء فيه. لم يعد الطريق أمام التغيير سالكاً خارج السياقات الإنتخابية التي تستطيع زحزحة الوضع عندما تملك ما يكفي من الزخم الشعبي والاجتماعي اللازم لها. المشكلة ليس في الجماعات الكبيرة وإنّما في برامجها ونظرتها السياسية. أما الجماعات الصغيرة فقد ظهر واضحاً أنّها مستعدة للذوبان في الجماعات الكبيرة أو مضطرة ببساطة إلى التحالف معها مما يحتم عليها القبول بهذه الصيغ القسرية لتفادي العزل والإقصاء. فما الجدوى من العمل على دفعها للمشاركة إذا كانت عاجزة حتى اللحظة من تعبئة ما تتطلبه من حشد جماهيري يمكنها من أخذ عدد مؤثر ومهم من المقاعد. يبقى أنْ تواجه القوى الصغيرة من كتل وأحزاب واقع الحال لتعيد النظر بآليات عملها وليس النضال من أجل مقعد اضافي لن يساهم في زحزحة الوضع من حيث أنّ كل القرارات ومشروعات القوانين تتخذ على أساس عدد النواب المصوتين. وهذا ما يجعل الثلاثة أو أربعة مقاعد اضافية إذا ما تمّ الحصول عليها شبه ميتة من حيث القدرة على التأثير.

سيكون التحدي أنْ تهيئ الكتل التي أصبحت في عداد الصغيرة والمنفردة نفسها لخوض انتخابات من خلال كسب مؤيدين متحمسين ومريدين لها بحق لها وليس هذا ببعيد. استطاع النائب محمد علي زيني خوض الإنتخابات بمفرده والفوز بمقعد بمجرد أنّه أقنع عدداً من الناخبين بنواياه السليمة. تغير الحال بعد دخوله مجلس النواب لأسباب معروفة ولكن العبرة تبقى ماثلة في هذا النموذج. وهذا ما فعله قبله النائب مثال الآلوسي الذي كسب ثقة أعداد كبيرة من الناخبين في دورات انتخابية سابقة. العراقيون مستعدون لإيداع ثقتهم بطرف يشعرهم بجدية التزامه وفق برنامج جرئ وواضح يستقطب الناخبين ويحثهم على الإلتفاف حوله شريطة أنْ يمتلك ما يكفي من الشجاعة لتبني قضاياهم والتي يقف في مقدمتها حماية العراق من الأطماع والتدخلات الخارجية التي لم تعد تخفى على أحد.

  كتب بتأريخ :  الأحد 01-09-2019     عدد القراء :  1515       عدد التعليقات : 0