الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
كيف تحول الرعيع الى ثائر بطل لايهاب الموت

تعرفت على سائق تكسي في بغداد فاصبح صديقا لي في الفيس بوك

اتصل بي خلال ثورة اكتوبر وهو يبكي شارحا وشاكيا حال ولده ابن السابعة عشر ربيعا :ولدي سلام ذهب الى ساحة التحرير ولم يعد للبيت فلحقت به انا وامه وبعد جهد جهيد عثرنا عليه وجلسنا معه محاولين اقناعه بالعودة للبيت لكنه رفض رفضا قاطعا واستاذن منا ليذهب مع اصحابه الى الجسر فجن جنوننا وتوسلنا به ان يبقى في ساحة التحرير لكنه افلت نفسه منا وهرول مع صحبه نحو الجسر وغاب بين الجموع وبعد اقل من ساعة جاءت مجموعة من مركبات التكتك تحمل عددا من القتلى والجحى والمختنقين فهرعت انا وزوجتي نفتش عنه فوجدناه يضع في حضنه صديقا له قد اصيب براسه وهو يبكي فحاولنا ان نكلمه فاشاح بوجهه عنا وظل منشغلا بصديقه المضرج بدمائه

ولما تم افراغ عربات التكتك ونقل حمولتها البشرية الى خيام الاسعاف حاولنا الامساك بولدنا سلام لكنه افلت نفسه مرة اخرى وهرول مع جموع الشباب الى الجسر بثياب ملطخة بدماء صديقه فركضت وراءه بما اوتيت من قوه تتبعني زوجتي وهي تسقط وتقوم فامسكت به وقبلت يده متوسلا به ان يرجع ويبقى في ساحة التحرير :(وليدي سلام اشعندك بالجسر شتصخم بالجسر …ولك ابقه وي هاي الالاف بساحة التحرير) اجابني وهو يصرخ :(جنت نازل اخذ حقي هسه نازل اخذ ثاري ) قالها وركض مسرعا نحو جسر الجمهورية…لليوم الرابع مرابض انا وزوجتي في ساحة التحرير وبالقرب من الطريق المؤدي الى الجسر ومشهد ابني وهو يهرول نحو الجسر ويعود في تكتك يحمل جريحا او شهيدا مشهدا يتكرر عدة مرات في اليوم الواحد

لم اعد اعرف ولدي سلام الذي اشرفت على رعايته سبعة عشر عاما فلقد تغير فيه كل شيء وكانه كبر عشرين عاما واصبح ابن ثلاثين

سلام الذي اعرفه كان يتشاجر مع اخوته على قطعة حلوى وكان خجولا جدا بل في احيان كثيرة يتصرف كجبان يخاف ان يذهب وحده في الليل الى الدكان القريب منا ولم اجده يوما يتابع نشرة اخبار او يهتم بامر سياسي فكيف تحول ولدي سلام من طفل مدلل ناعم (رعيع ) الى بطل مغوارا لايهاب الموت ويتكلم مثل مايتكلم الفلاسفه والحكماء ويبدي اراء سياسية ناضجة وكانه قد تمرس في عالم السياسة…

ثم ختم اتصاله متوسلا بي ان ادله على حل يرجع ولده سلام الى البيت واردف : انني اصبحت انتظر استشهاده في اية لحظة

قلت له ان ولدك لن يعود الى البيت الا بعد انتهاء الاحتجاجات وهذه الثورة غيرت كل شيء واعادت صنع شخصيات الشباب وانضجتهم بما تعجز عنه قرونا من الركود الاجتماعي …ولدك لم يعد ولدك فلقد اصبح قضية وطن وبدلا من التفكير باعادته الى البيت رابط معه في ساحة التحرير لتنال احترامه وحبه فمقاييس الحب والاحترام التي افرزتها ثورة اوكتوبر ترتبط بمفاهيم الوطنية قبل كل شيء

  كتب بتأريخ :  السبت 23-11-2019     عدد القراء :  1809       عدد التعليقات : 0