الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الجائحة ...

قبل أيام ، أعلنت منظمة الصحة العالمية تحول الإصابات بڤايررس كورونا من متوطن Epidemic ,الى وباء (جائحة) Pandemic ...

ليس خافياً أثر هذه الانتكاسة العالمية التي باتت مدعاة للرثاء ، أن تقف البشرية عاجزة عن وقف انتشار هذه الجائحة ، في الوقت الذي تُسخّر ثرواتها وإمكاناتها العلمية لتطوير الاسلحة ، وهي مُصَمّمَة لقتل الانسان وليس غيره ، فيما هو المفروض من وظيفة كل العلوم والتجارب والاموال ، هو ما يصون الجنس البشري ويخفف معاناته ، وصيانة الحياة وليس فناءها ، ولا أن يكون نصيب كل فرد (وبعدالة مفرطة )وافرٌ من شظايا القنابل والذخيرة ونيران الاسلحة ، ونفحة من الأشعة الذرية ، بدل رغيف خبز، وحبّة دواء ، (وهو يبحث عنهما بشق الأنفس ) فيما تخوض الشعوب حروباً لإنعاش خزائن مصانع السلاح ومبررات الحروب ...

نصيب الأبحاث السلمية ، من الثروات الطبيعية ، وما يختزنه باطن الارض ، ليس إِلّا نقطة في بحر امام التسابق المحموم لإنتاج وسائل الفناء ...وها هي القوة الغير مرئية العابرة للقارات كورونا الشقية ،تتحدى كل الامكانات العالمية في زحفها السريع الى كل دول العالم ، تحصد الارواح ، وتدمر اقتصاديات امّم ، وتشل حركة الحياة ...

رافق هذا الوباء ، شكوك واتهامات ... خاصةً ان التاريخ القريب يشير الى استخدامات الأسلحة الجرثومية والبايولوجية ، عوضاً عن ايجاد العلاجات التي تحد من انتشارها وفتكها بالانسان ... كورونا ، لا تفرق بين انسان وآخر ...بين غني وفقير ، بين شرقي وغربي،وبين مختلف العقائد والأديان ، إِلَّا بمقدار الوقاية ...

مراجعة بسيطة لكلما تراكم في ذاكرة الامم من السباق في تصنيف الناس الى اصحاب قيم انسانية التي تتباهى بها ، وبإلحاح ، كل العقائد السياسية والدينية ، نستنتج ان ما يطفو على السطح ، هو الممارسة المشوّهة التي غالباً ما تخلق الاحباط ، وتتحول الى مقولات جاهزة

وجامدة ...

تتصحر العواطف الانسانية ، وتتراجع المحبة ، تزيحها الانانية وحب الذات ، ليكون الشعار اللامع والمعمول به ، انا ، ومن بعدي الطوفان ، لا نتعلم لما يدور في أدبياتنا وأحاديثنا بأن الحياة اقصر من ان نحتكر نسمة هواء نقية ،ولحظات سعادة ، والإيمان بأن القناعة تصنع الهدوء والسلام الروحي ...

السِمة المميزة لهذه الأزمنة ، أهوال ونكبات واقتلاع شعوب ، ومجاعات تتراقص على بعد مسافات منها الكؤوس المترعة ، والموائد المتخمة ... حاصل القسمة والطرح والضرب ، هو ثروات منهوبة ، ولقمة عيش مسروقة من عرق جباه الطبقات المسحوقة ...

هذا الوباء الوافد ، هل يمر مثل غيره من الأوبئة والكوارث ، دون أن تنعش مشاعر النبل الانساني ، يفتح نافذة مضيئة للأمل في أن تتظافر جهود الشعوب في وضع قوانين جديدة للحياة ، تسمو بها الأمم وتتباهى بعقول ابنائها في استنفار كل الطاقات والموارد لخير البشرية ...تنشر ثقافة الشعور بالمسؤولية والابتعاد عن الاستغلال في ازمنة الأزمات ، الالتزام بالأسس الصحية والنظافة ،وجعلها اولوية كل الأوليات ، وليس فقط ما نشاهده الآن من السباق في كل المرافق العامة ووسائل النقل وأماكن العبادة والتسوق ، تنعدم فيه الشعور بالاكتفاء ، وبالآخر ...فالاوبئة والأمراض تبدأ من بؤرة خلل صغيرة لتكتسح كل مساحات العالم ،وكل انشطة الحياة ...

متى يستفيق عامل الخير ، وانتصار المعرفة ، لينسجم مع العناوين الرئيسة للشعارات التي ملّت منها مسامعنا ، لتجد ، وعلى الأقل ، الحد الأدنى لتطبيقاتها على أرض الواقع ...

هذا الڤايروس الثقيل الظل والحجم ، ايكون درساً استثنائياً لإعادة كل المخططات ، وكل الاحتكارات ، وكل محاولات الاستحواذ على مقدرات الشعوب ؟؟؟ لتتعلم كل الانظمة بأن الحياة تستقيم بالتعاون وليس بالاحتكار ، بتبادل الثقة التي تلغي الحاجة الى التخندق ، وتفتح صفحة غير مسبوقة لإعادة تقييم كل النظم السياسية والاقتصادية التي تضع الانسانية في سكتها الصحيحة ، وتسلط الضوء على معاناة الشعوب وتحريرها من سلطة آلهتها الارضيّة ، والأوبئة والأمراض التي يكون للمجتمعات الفقيرة ، حصتها الوفِيرة ...

ليس اسهل من مد الايادي الطافحة بالخير وصفاء السريرة ...

البناء يبدأ من القاعدة ، وليس من السقوف العالية ، فهي تخلق الاسس المتينة التي لا تهزها رياح السوء والعدائية والاستغلال ، والبدأ بالنفس هي الخطوة الاولى الصحيحة التي تخلق الزخم في السباق الى القمم الشاهقة ...

  كتب بتأريخ :  السبت 14-03-2020     عدد القراء :  2241       عدد التعليقات : 0