الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جَلسة عمل ساخنة في الحرم الجامعي

“المفروض أن يبحثوا عن نِقَاط القوة في زملائهم، كي يجدوا سبباً حقيقياً

لتسليم دفة العمل لرُبان يُقدم ما لا يستطيع أن يُقدمه الآخرون”

المكان: الجامعة المستنصرية، كلية الإدارة والاقتصاد، قسم الإدارة، مكتب رئيس قسم الإدارة.

الزمن: العام الدراسي 1978/1977.

الحضور: رئيس قسم الإدارة، دكتور فُلان، أستاذ نجيب، الدكتور الآخر، وكاتب هذه السطور.

سبب الاجتماع: لجنة المناهج الدراسية.

بدأت الجلسة:

بدأ رئيس القسم بالتحدث عن مهمة لجنة المناهج الدراسية، وما يجب ان تقوم به، وعدم الاعتماد الكلي على المناهج المنقولة من جامعة بغداد. حيث ان الجامعة المستنصرية يجب أن يكون لها أستقلاليتها وهويتها المتميزة، خاصة بعد تكونها لكادرها التدريسي الدائم المستقل عن جامعة بغداد. وبناء على هذه المقدمة القيمة، بدأ الحديث يتداول فيما بيننا. وقبل الولوج الى صُلْب الموضوع لابد من الذكر من ان هيئة التدريس هذه كانت متباينة في العمر والخبرة والتحصيل العلمي والألقاب الأكاديمية. والمفروض ان يكون ذلك عنصر حيوية لخلق نهضة منهجية في المواد التدريسية، إلا ان الموضوع أنقلب بسرعة ليكون حواراً بدائياً وعدائياًاً.

حينما حاولت تقديم اقتراح تشكيل لجان فرعية متخصصة لكل مادة من المواد التدريسية، أعترض الدكتور المخضرم فُلان، وقال بطريقة تنمرية متعجرفة وبالحرف الواحد: “بحضور  الكبار، الزعاطيط (الأطفال) تسكتْ”، فوجئت وصُدمت وألتفتُ الى رئيس القسم كي يقول شيئً، إلا انه حاول تجاهل الموقف، وإن بدى الامتعاض والحرج عليه. بعد ذلك تكلم أستاذ نجيب مؤيداً لما ذكرته، وإذا بدكتور فلان يقول بطريقة تسلطية ساخرة له: “هالمرة التلكيف يريدون يعلمونا”.  ويستخدم الجهلة الشوفينيون كلمة “تلكيف” وهي أسم مدينة عراقية عريقة في سهل نينوى شمال العراق، بهذه الطريقة على كل مسيحي، ليس لأنتسابهم لتلك المدينة، وإنما تنكيلاً وتصغيراً لأبناء تلكيف وألقوش وبطناية وغيرها من مدن سهل نينوى الجميلة وأهلها الطيبين. وما هم إلا من السكان الأصلين للعراق الذين يعملون بكدهم وعرق جبينهم، فما كان مني إلا ان أقف على قدميّ هذه المرة، مخاطباً رئيس القسم: نحن هنا في اجتماع رسمي، وأنا أُطالب بأن يُدوّن كل ما ذكره دكتور فلان، حول الزعاطيط والتلكيف في محضر الجَلسة. حاول رئيس القسم، أن يسايرني لأنه يعلم أن الحق معي، وان دكتور فُلان لم يكن عليه ان يذكر ذلك. إلا انني هددته بأني سأذهب فوراً الى عميد الكلية الذي كان في حينها “سليم ذياب السعدي” الذي اعرفه من انه سوف لن يتقبل مثل هذا النوع من التجاوزات اللاأخلاقية في الحرم الجامعي. أما الدكتور الآخر في الجَلسة، فإنه فضلّ ان يكون جالساً على التل، متفرجاً ومستفيداً من تناقضات الآخرين.

بعد ذلك تحرك أستاذ نجيب، وهو محاسب قانوني، خريج إنكلترا، وإنسان في منتهى الأدب والأخلاق، في الدفاع عن نفسه، وشارك في الملاسنة التي بدأت فيها أصواتنا تعلو ويسمعها من هم خارج المكتب. وحينما رأى دكتور فُلان المُتزمت والمُتحكم الذي كان يتبجح بصلته بحزب السلطة، أن موقفه تافه لأبعد الحدود، بدأ بالتراجع ألاستراتيجي، للإدعاء بأنها كانت ممازحة وميانة بين الأحباب والزملاء، وإننا بالنسبة إليه مثل أبنائه، لذلك أستخدم معنا كلمات دارجة ومتعارف عليها! أعلمته أننا هنا في لجنة عمل، وإننا هنا متساوون في الحقوق والواجبات، وإن افضلنا هو اكثرنا عملاً وليس أكبرنا سناً أو أعلانا شهادةً، وأن أكثرنا عملاً هو أكثرنا وطنية، وأن الوطنية والإخلاص للوطن لا دخل لها بالألقاب الأكاديمية أو الانتماءات الحزبية.

أجابني وهو يبتسم أبتسامة مصطنعة: “هوب، هوب، عمي راح تاكلنه وتشربنه،…….”. هنا تدخل رئيس القسم وهو إنسان محترم جداً، وقال إن الحق مع أستاذ محمد وطلب من دكتور فلان ان يعتذر بشكل أصولي وجدي ودون مُزاح وعلى ان لا يتكرر مثل هذا التصرف في الاجتماعات القادمة، وقد تم ذلك فعلاً، وقعد عُدّ ذلك الاجتماع مُلغى، على ان تؤخذ مقترحات أستاذ محمد بجدية. وفعلاً تشكلت لجان فرعية لكل مادة علمية، وكنت أشارك في أدارة معظم هذه اللجان. وبطبيعة الحال فإن النفس الأمارة بالسوء لا يمكن ان تغير من مسيرتها. وتكرر ذلك مرات ومرات مع دكتور فلان ومن هم على شاكلته. وفي الصورة أدناه توثيق لأحدى جلسات اللجان الفرعية مع الزملاء الأستاذ عبد الستار فاضل وسكرتيرة القسم هاسميك (لاحقاً زوجتي) والأستاذ عبد المنعم الربيعي وكاتب هذه السطور، كان عملاً جماعياً جاداً مع من أراد ان يقدم شيئ لوطنه.

إجتماع لجنة مادة المحاسبة مع الأستاذ عبد الستار فاضل وهاسميك سكرتيرة

قسم الأدارة والأستاذ عبد المنعم الربيعي وكاتب السطور بتاريخ 9/1/1978

وللأسف الشديد نتعرض في الحياة لأناس يبذلون جُل جهدهم لإيجاد نقاط ضعف عند الآخرين من أجل أظفاء القوة لمصلحتهم ولكي يجندون ذلك في محاجاتهم وسباقهم نحو المناصب او المراكز او الجاه او المال او كل ما سلف. بينما المفروض ان يبحثوا عن نِقَاط القوة في زملائهم وأصدقائهم وأقاربهم وأبناء وطنهم، كي يجدوا سبباً حقيقياً للتقدير، وتوجيباً لصفات إنسانية راقية، لتسليم دفة العمل لرُبانٍ يستطيع أن يقدم ما لا يستطيع أن يقدمه الآخرون.

محمد حسين النجفي

26 أيار 2021

www.mhalnajafi.org

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-05-2021     عدد القراء :  1926       عدد التعليقات : 0