في هذا الربيع الذي يستذكر فيها العراقيون مناسبات ضاربة في القدم ،واولى الحضارات في التاريخ ، تزهو بها الايام وتتزامن معاً ، راس السنة الكلدانية ، والاشورية ، امتد صداها من ربوع الشمال والوسط والجنوب ، والى اميركا (التي بادرت حاكمة ولاية مشيغان الى اعتبار نيسان شهر كلداني )وصولاً الى اوربا واستراليا ، وتواصلاً مع اعياد الربيع ( نوروز) ، وذكرى تأسيس ربيع الحركة الوطنية ، ومهرجانات وتذكارات دينية قادمة ، وقبل أيام عيد راس السنة لاخوتنا الايزيدية ( سري صال ) وعيد الخليفة لاخوتنا الصابئة ، وتصادف صيام رمضان مع صوم الفصح …
انه حقاً الزمن العراقي الذي تتشابك فيه ليس المناسبات التاريخية فقط ، بل الروحية والقيم الانسانية المشتركة ، وسواعد الشباب وتصميمهم ، لتضع للامل اعمدته الراسخة ، مهما حاول الظلاميون من مصادرة فرحهم القادم ، وامانيهم المؤجلة دوماً ..
من الاوجه الحضارية والعلمية هي تلك التي تعتمد على العقول والطاقات الشابة التي تزرع الفرح ولا تعرف اليأس …
وليس ببعيد ، لا زالت اصوات وصرخات الشباب في سوح النضال ترن في آذاننا ،ينشدون ويلتقون في الساحات لتتواصل مع اخوانهم من كل بقاع الوطن ، لاعادة مجدهم الغابر ، كما هم اليوم يعبرون عن الاعتزاز بتاريخهم ، يرسمون للحياة وللوطن هالات بكل الالوان الجميلة ،لا تفصلهم او تعيقهم انتماءاتهم القومية او السياسية والدينية ، بل يستثمرون الاختلاف في اثراء معانيها الانسانية واعتمادها ورقة لمشروع الحلم القادم ، وأساطير مكررة لتلك التي سطرت قصص بلاد ما بين النهرين ، فكتبوا التاريخ على الواح الطين ، وتركوا أثراً واعجوبة وشواهد في كل شبر فيه ،مسلة حمورابي التي كتبت اولى القوانين ،والعجلة واسرار الكون والعجائب الاخرى ، هي رسائل ملهمة الى الحاضر ، تستنهض همم الشباب والاجيال القادمة ،ليطرقوا ابواب المعرفة والعلم والابداع ، لتستعيد ما حرمته الانظمة الدكتاتورية والزمر الضاربة في الجهل والعمالة والتنكر لحقوق المواطن ، التي زرعت التفرقة والطائفية ، واستنزفت وسرقت ثروات باطن الارض وما فوقها ، والغت كل القدرات الشبابية…
عندما نسمع او ننظر الى اي تجمع شبابي في العراق او الدول المبتلية باطواق الدكتاتورية او الطائفية ، نلاحظ ان ما يطرحه كل واحد منهم ، خلاصة تجربة حياة ، وإرادة ممزوجة بالكفاح , تستطيع الاعتماد على تلك القدرات لفتح آفاق مستقبل يزهو بالعيش الرغيد واستقلالية لا يمكن لاي كان أن يتجرأ لالغاء قرارها الوطني ، وهويتهم التاريخية ، وخلفيات ليست سوى حقول زاهية ، وزهور متنوعة الالوان …
أمثلة حاضرة لشعوب عديدة ليست بعيدة ،ودليل على ان مشاركة الشعب واطلاق طاقاته الشبابية الكامنة ، تصنع قيادات مؤهلة لاستثمار العقول لادارة الاقتصاد ، أسوة بما حققته شعوب اخرى معتمدة ليس على ثروات النفط والغاز كسنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية ، بل على التخطيط واستغلال طاقات الشباب وخلق آفاق واعدة اثبتت انها غيرت مستقبل بلدان لم تمتلك غير تلك القدرات الفكرية … وقبلهما ، سويسرا، التي اعتمدت على صناعة الساعات والابداعات الفكرية ، وليس لها ثروات طبيعية ، بل باتت خزينة المال والمودوعات للعالم ، ابعدتها عن اتون الحرب العالمية الثانية …
هذه الامم تزخر بالعقول وارادة وتصميم على رسم الحياة بريشة فنان ، لا يختلفون عن شبابنا الا بشيئ واحد ، انهم حصلوا على الحرية والدعم والمساواة التي حرم منها اقرانهم في بلدنا والبلدان المجاورة ، وبدلاً من تبني التقنيات الحديثة وآخر ما توصلت اليه الاختراعات ، ادخلوها في نفق استنساخ الماضي الذي يفصلنا عنه فراسخ بعيدة وقرون منسية …
لنعزز تجربة الشباب الذين يحفرون في الذاكرة ، ويتطلعون الى المستقبل بعيون ترى الجميع مشروع اسرة متعددة المواهب والافكار ، تستمتع بقدراتها على الابداع ، اكثر مما هو في باطن الارض الذي هو ثروة مشتركة لا يمكن لاحد ان ينفرد بها …وبلاد تتميز بهذا التنوع وهذا الزخم المعرفي ، وهذه الموروثات التاريخية …انه ربيع العراق القادم رغم كل القيود ، وهي مسؤولية جماعية ، لانقاذ البلاد من هذه الصورة التي لا تليق بماضيها ، ولا بمواسم الفرح ، ولا بطاقاتها الشبابية ، ولا بعلمائها الذين يتصدرون مواكب الفكر العلم والابتكار التي تعج بها الموسوعات العالمية …