الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الاستحقاق الانتخابي كما تراه أحزاب السلطة وما يقضي به الدستور - الجزء الاول والثاني
بقلم : د. علي الرفيعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الاستحقاق الانتخابي كما تراه أحزاب السلطة وما يقضي به الدستور (2-1)

اولا: دأبت الاحزاب المتحكمة بالقرار السياسي في العراق (احزاب السلطة) منذ تشريع دستور عام 2005 وتشكيل اول حكومة وحتى اليوم عل تبرير تحكمها بالقرار السياسي في البلاد وما نتج وينتج عنه من منافع مادية ومعنوية جمة لها على مختلف المستويات في اجهزة الدولة الى ادعاء اختلقته لمصالحها النفعية غير المبررة قانونا وهو (الاستحقاق الانتخابي)

اي ان فوزها باغلبية مقاعد مجلس النواب من خلال قوانين انتخابية سنتها لمصلحتها، وكذلك التوافق المصلحي بينها يبرر لها الاستحواذ عل المواقع القيادية في هيكل الدولة بدأ من الرئاسات الثلاث (رئيس مجلس النواب، رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء) نزولا الى المواقع الادارية في الوزارات ومؤسسات الدولة كافة. اذ تم توزيع (هيئة رئاسة الدولة) في الدورة الانتخابية الاولى (2006 – 2008) على اساس المحاصصة المذهبية والقومية (كردي، سني، شيعي)، وبعد انتهاء الدورة الانتخابية الاولى والعودة الى منصب رئيس الجمهورية كما يقضي بذلك الدستور اصبح التوزيع بنفس المنهج فرئيس الجمهورية (كردي) ونائبيه (سني، شيعي) وكذلك الحال بالنسبة لمجلس النواب رئيس المجلس سني ونائبيه شيعي وكردي والتشكيل نفسه بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء ونائبيه فالرئيس شيعي ونائبيه ان وجدا سني وكردي. وكان تبرير احزاب الاسلام السياسي والاحزاب الاخر المشاركة لها في السلطة ان التقسيم يمثل مكونات الشعب العراقي.

هذا الادعاء لا يجد له سندا في الدستور على الاطلاق ولغرض استمرارها على هذا النهج المحاصصي ومحاولة تثبيته مع مرور الزمن وايهام الرأي العام بقبوله اخذت تردد على السنة قادتها واشخاص سياسيين واعلاميين بان هذا التوزيع هو (عرف سياسي) محاولة منهم لاسباغ المشروعية القانونية على هذا الادعاء ومتجاهلة ان تكرار تطبيق نهج او اسلوب معين لا يرتقي الى مستوى العرف لوحده.

لابد لنشوء القاعدة العرفية لترتقي الى مستوى القانون من تحقق ركنين هما الركن المادي (الزمني) الذي يتمثل بأعتياد نهج معين (عادة) وتكرارها وهذا يتطلب فترة زمنية طويلة يتكرر فيها هذا النهج بشكل مستمر دون انقطاع ولايتحقق ذلك بفترة قصيرة كثمانية عشرة سنة وبشكل متقطع , اما الركن الاخر فهو الركن المعنوي وهو الاهم الذي يتطلب حصول قناعة لدى الرأي العام في المكان او البلد بضرورة هذا النهج والسياق بمختلف صوره (السياسي او التجاري) وهذا غير حاصل اطلاقا، لتترسخ في الاعتياد فثمانية عشرة اوعشرون سنة لا تعني فترة طويلة في العرف الزمني، وهذا غير حاصل اطلاقا لغرض اسباغ وصف العرف السياسي على هذا التقسيم التحاصصي فالعراقيون – عدا قلة منهم – رافضون لهذا النهج المحاصصي غير العادل.

هذه المواقع القيادية ينبغي ان تكون متاحة لكل العراقيين وعلى قدم المساواة كما يقضي بذلك دستور العراق في المادة (14) التي جاء فيها ((العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي)).

الا انها تجاهلت هذا النص رغم ان قادتها ساهموا بصورة فعالة ومؤثرة في كتابة الدستور.

ثانيا: (الاستحقاق الانتخابي) الذي تردده احزاب السلطة لتبرير استحواذها على المراكز القيادية في اجهزة الدولة من وزارء ووكلاء وزارء ورؤساء الهيئات المستقلة او تلك التي ترتبط بالسلطتين التشريعية والتنفيذية والدرجات الخاصة (السفراء ومن بحكمهم في الدرجة الوظيفية) هذا الادعاء لا وجود له في القانون الاساسي (الدستور) سوى حالة واحدة نصت عليها الفقرة (اولا) من المادة (76) من الدستور وهي تكليف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية – وليست الكتلة او القائمة الانتخابية – الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء اي الكتلة التي تتشكل في مجلس النواب بعد انعقاده وليس قبله وليس بالضرورة ان تمثل هذه الكتلة مذهب او قومية معينة. وهذا ما ورد في قرار المحكمة الاتحادية العليا بقرارها 25/اتحادية / 2010 في 25 /3 / 2010 الذي تضمنت تفسير نص المادة (76) من الدستور الخاصة بالكتلة النيابية الاكثر عددا التي لها حق تشكيل الحكومة وهي ((الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة واحدة دخلت الانتخابات بأسم ورقم معينين وحازت على العدد الاكثر من المقاعد او الكتلة التي تجمعت من قائمتين او اكثر ثم تكتلت بكتلة واحدة ذات كيان واحد ايهما اكثر عددا)).

في ضوء هذا التفسير تشكلت الحكومة في الاعوام 2006 و 2010 و 2014 ولكن بعد انتخابات عام 2018 تم تشكيل حكومة السيد عادل عبد المهدي بتوافق سياسي بين الكتل السياسية الممثلة في البرلمان ودون الاعلان في البرلمان عن تشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا.

ثالثا: لا يوجد في مواد الدستور الواردة في الباب الاول (المبادئ الاساسية) والباب الثاني (الحقوق والحريات) وهي نصوص تضمنت المبادئ الاساسية التي اعتمدها المشرع العراقي والتي راعى فيها مبادئ الشرعة الدولية للحقوق والحريات التي وردت في الاتفاقيات والوثائق الدولية واصبحت جزءا من التشريع العراقي ولا يجوز مخالفتها، لا يوجد في هذه النصوص الدستورية ما يبيح مخالفتها او تقييدها او تبني تفسيرات او نهج سياسي يخالف ذلك وهذا ما اكدته المادة (46) من الدستور التي جاء فيها:

((لا يكون تقييد ممارسة اي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية)).

رغم وضوح كل هذه النصوص الا ان الاحزاب المتحكمة بالقرار السياسي في البلاد (احزاب الاسلام السياسي وحلفائها) منذ اعلان الدستور عام 2005 وحتى اليوم لم تحترم النصوص الدستورية التي شاركت هي ذاتها في صياغتها واقرارها اذ قامت بالاستحواذ على المواقع القيادية في هيكل الدولة من وزارات ومؤسسات على اسس طائفية واثنية السياسية (مذهبين دينين وقومية واحدة) وتجاهلت حقوق اصحاب الديانات الاخرى المسيحية والصابئة والاثنية كالتركمان تحت ذريعة الاستحقاق الانتخابي واطلقت عل سلوكها هذا وصف العرف السياسي كما ذكرنا ذلك في اولا.

لا نريد ان نكرر ما اوضحناه حول مفهوم (العرف) القانوني او السياسي والاركان الواجب توفرها كي يكتسب هذا الوصف.

الأستحقاق الانتخابي كما تراه أحزاب السلطة وما يقضي به الدستور 2 - 2

لقد اكدت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها ذي العدد (81/اتحادية/2019 في 28 /10/2010) على عدم دستورية الفقرة (6) من القرار التشريعي رقم (44) لسنة 2008 الذي اتخذه مجلس النواب في حينه ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4102) الصادر يوم 24/12/2008 .

الفقرة (6) المشار اليها انفا والتي اتخذها المجلس بذريعة الاستحقاق الانتخابي تضمنت الاتي :

((تنفيذ المتفق عليه من مطاليب القوائم والكتل السياسية وفق استحقاقها في اجهزة الدولة لمناصب وكلاء الوزارات و رؤساء الهيئات والمؤسسات والدرجات الخاصة ، وعلى مجلس النواب الاسراع في المصادقة على الدرجات الخاصة )) .

اعتبرت المحكمة الاتحادية هذا القرار التشريعي لمجلس النواب مخالفا للدستور ، اذ جاء في حيثيات قرارها انف الذكر الاتي :

(( تجد المحكمة الاتحادية العليا ان قيام القوائم والكتل السياسية بالمطالبة بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في اجهزة الدولة وفق استحقاقها هو الاخر لا سند له من الدستور لان هذه العناوين ما هي الا عناوين وظيفية حدد الدستور في المادة (61/خامسا) من هي الجهات التي تتولى ترشيح من تراهم لاشغالها وفق الاختصاص والكفاءة وهذه الجهات ورد ذكرها حصرا في المادة (61/خامسا) من الدستور التي مر ذكرها ، ليس من بينها (القوائم والكتل السياسية) ، وان السير في خلاف ما نص عليه الدستور قد خلق ما يدعى بـ (المحاصصة السياسية) في توزيع المناصب التي ورد ذكرها وما نجم عن ذلك من سلبيات اثرت في مسارات الدولة وفي غير الصالح العام اضافة الى مخالفتها لمبدأ المساواة بين العراقيين امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ، وخالفت الفقرة موضوع الطعن كذلك مبدأ تكافؤ الفرص الذي نصت عليه المادة (16) من الدستور والتي كفلت لجميع العراقيين ان ينالوا فرصهم في تولي المناصب وغيرها في الدولة على اساس الكفاءة والتخصص وغيرها من متطلبات اشغال الوظائف العامة والزمت المادة الدستورية المذكورة الدولة بكفالة تطبيق هذا المبدأ)).

رغم وضوح نصوص الدستور وتفسير المحكمة الاتحادية العليا الا ان الكتل السياسية المتحكمة في زمام الامور والتي تستحوذ على اغلبية المقاعد في مجلس النواب والسلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء والتي من خلالها تصدر القرارات التنفيذية لم تلتزم بنصوص الدستور ولم تقم بكفالة تطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين اذ استمرت بنفس نهج المحاصصة في اشغال الوظائف العامة في اجهزة الدولة متبعة صيغة (الوكالة) او (التكليف) في اشغال درجات وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمدراء العامين بناء على ترشيحات رؤساء الاحزاب والكتل السياسية وهذه الترشيحات مبنية وكما يعلم الجميع عل الاعتبارات المذهبية والقومية والعلاقات الشخصية .

واتباعا لنفس النهج في اشغال الوظائف المهمة في الدولة قدمت الحكومة (مجلس الوزراء) الى مجلس النواب في دورته السابقة وقبل حله قائمة تتضمن ترشيح ما يزيد على (50) شخصا لاشغال درجة سفير (درجة خاصة) في وزارة الخارجية البعض منهم في مقتبل العمر وليست لديهم خبرة في العمل المهني في اجهزة الدولة وبسبب رد الفعل الذي حصل في اوساط الرأي العام والذي انعكس في وسائل التواصل الاجتماعي وانشغال الاحزاب والكتل السياسية في فترة الانتخابات العامة في تشرين ثاني / 2021 لم يبت في الموضوع وبقي الامر معلقا في مجلس النواب .

رابعا : كما اوضحنا ان (الاستحقاق الانتخابي ) هو الحالة الوحيدة التي يمكن للاحزاب والكتل السياسية ان تستند اليه في ادعاءاتها بحقها في الاستحواذ على موقع مهم في قيادة الدولة هو (منصب رئيس مجلس الوزراء) وهو ما نصت عليه المادة (76/اولا) من الدستور الذي رسم آلية تشكيل مجلس الوزراء ، ولكن يبقى المبدأ العام الذي جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي اشرنا اليه انفا هو الاساس في اختيار رئيس مجلس الوزراء ، ونعني بذلك ان يتم الترشيح على اساس الكفاءة والمهنية والنزاهة لا على اساس المحاصصة وهو النهج الذي اعتمدته الاحزاب الماسكة للسلطة منذ تشكيل اول وزارة عام 2006 وحتى اليوم اذ قسمت الوزارات على اسس مذهبية وقومية ، (12) وزارة لاشخاص من مذهب ديني محدد (شيعي) و (6) وزارات او (4) اربعة لمذهب اخر (سني) ومثلها على اساس قومي (كردي) . وحددت الوزارات عل نفس الاساس واصبح معروفا في الوزارات المتعاقبة بان حصة وزارة الداخلية للطائفة الفلانية والخارجية للاخرى وهكذا .

ان هذا التوزيع يخالف روح الدستور . الحقوق التي نص عليها الدستور لم تبنى على اسس مذهبية اوقومية ، الحقوق في دستور العراق كما هو في اغلب دساتير الدول الديمقراطية بنيت على المفاهيم الاساسية لحقوق الانسان وحقوق المواطنة .

ما يتم تداوله في الاعلام وكذلك التصريحات التي ادلى بها قادة الاطار التنسيقي تنصب على اختيار رئيس وزراء قوي ونزيه وهذه مواصفات لا يختلف فيها اثنان . لكن من حق الجميع ان يتساءل كيف يمكن لرئيس مجلس الوزراء ان يكون قويا اذا كانت الكتلة او الحزب السياسي تشترط عليه مقدما توزيع الوزارات وتحديدها وفق ما اسلفنا ذكره واكثر من ذلك تحدد له اسماء قيادات الخط الثاني لكل وزارة ، من اين تتأتى له القوة اذا كانت البداية في اختياره هي وضع قيود محددة ليس له الخيار في رفضها !!

منذ اول وزارة تشكلت بعد نفاذ دستور عام 2005 لم يحصل ان قام احد من رؤوساء الوزارات باعفاء وزير من منصبه رغم قناعته بعدم اهليته لهذه المهمة او وجود ادلة مقتنع بها رئيس الوزراء بعدم نزاهته ، كما لم يحصل ان قدم وزير ما استقالته من موقعه والسبب في كل ذلك حماية الاحزاب والكتل السياسية لمرشحيها في الوزارات . ينبغي ان يرتبط اختيار رئيس الوزراء والوزراء بالمنهج الوزاري الذي يعتمده هو شخصيا ووزراؤه .

اذا كانت الاحزاب والتحالفات التي ستتولى اختيار رئيس الوزراء ونعني بها الاحزاب المنضوية في الاطار التنسيقي – بعد انسحاب التيار الصدري – صادقة في ادعاءتها بضرورة التغيير في العملية السياسية عليها اختيار رئيس وزراء قوي ونزيه وعدم التدخل في عمل الكابينة الوزارية . بامكانها اتباع الطرق الدستورية من خلال ممثليها بمجلس النواب من توجيه اسئلة والاستجواب وفي حالة عدم قناعتها بالاداء هناك طريق ثالث واحد رسمه الدستور وهو سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء او احد وزرائه .

لكي يكون رئيس الوزراء قويا ويندفع بثقة عالية بنفسه في تنفيذ برنامج وزارته الذي تقره الاحزاب والكتل السياسية في مجلس النواب ، عليها ان لا تتدخل في عمله وممارسة الضغوط السياسية عليه وعلى وزراءه او تهديدهم بصورة مباشرة اوغير مباشرة من خلال تنظيمات مسلحة لها علاقة بها .

الوضع الداخلي في العراق لا يحتمل المماطلة والتسويف وبقاء حكومة تصريف الامور اليومية وتجاوزها للمدة المقررة دستوريا لعملها وكذلك عدم اقرار موازنة الدولة لعام 2022 كل هذه الامور تزيد الوضع تعقيدا وتؤخر الاجراءات السريعة المطلوبة لمعالجة الفقر والبطالة ومكافحة الفساد المعضلة الدائمة ونقصد بها موضوع الكهرباء وكذلك الاثار السريعة الناتجة عن قلة المياه ومشكلة التصحر وما سيعانيه المواطنون بسبب هجرتهم من القرى والمدن وفقدان فرص العمل في الزراعة والصناعة .

  كتب بتأريخ :  الأحد 24-07-2022     عدد القراء :  1113       عدد التعليقات : 0