الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل من علاقة بين الابداع والابتكار، والبحث العلمي؟

كاستاذ ومشرف جامعي، غالبا ما كنت أحفز مجموعتي البحثية في اجتماعات جماعية او فردية من خلال طرح الأحداث المهمة والندوات وتذكيرات المختبر، وأي شيء يستحق المناقشة. في خلال احدى الاجتماعات في بداية حياتي العلمية كاستاذ جامعي طرحت سؤال على مجموعتي حول بعض المواد التي كنت اهتم بها: "هل لدى أي شخص أي اقتراحات مجنونة crazy suggestions وغير تقليدية لكيفية استخدام هذه المواد؟" وكنت اعني بها المواد التي تستخدم لنمو الخلايا في الاطباق المختبرية. لسوء الحظ، تمت الإجابة على سؤالي بنظرات فارغة، وبضع نظرات مشوشة، وجدار من الصمت. كان من الواضح أن التفكير "خارج الصندوق" لم يكن شيئا طبيعيا بالنسبة لنا. لكن هذا الموقف المؤسف جعلني أفكر في عمليات البحث التقليدية وكيف يتناسب الإبداع والابتكار مع عملية البحث نفسها.

 وفقا لمعظم التعريفات، فإن الإبداع والابتكار  creativity and innovation- بينما يتم استخدامهما بالتبادل في العديد من التخصصات - هما شيئان مختلفان. يتم تعريف الإبداع على أنه التوصل الى شيء أصيل أو غير عادي. بدافع الفضول على قاعدة معرفية واسعة، يتيح الإبداع للفرد تغيير طريقة التفكير العادية والتوصل إلى حلول جديدة لمشكلة ما. من ناحية أخرى، فإن الابتكار هو خلق شيء جديد له قيمة واضحة للآخرين. بينما قد يكون لدينا طريقتنا الخاصة في فصل الفكرتين في العالم من حولنا، فإنني أفترض أن هناك مساحة مهمة حيث يمكن أن يتعايش كلا المفهومين بل ويكمل كل منهما الآخر، وهذا قد يحدث في اي مختبر بحث علمي.

 قد يبدو مناقشة هذا الموضوع امرا سخيفا. أليست العملية الإبداعية وعملية البحث العلمي مختلفة تماما؟ ألا يقتصر الابتكار على الصناعة (بمفهومها الواسع)  وتطوير المنتجات؟ ربما هذا صحيح، ولكن في الواقع، يعتبر البحث العلمي مجالا لا توجد فيه قواعد ولا معايير ولا توقعات مباشرة لنتيجة، فالبحث الرصين يهدف إلى اكتشاف المجهول وحل المشكلات التي ليس لها حلول بعد، وغالبا لا تسير الأمور كما هو مخطط لها فقد تؤدي إلى حلول ومشكلات لم تكن جزءا من السؤال الأصلي.

 في العالم الحديث، تعتبر المشكلات التي يحاول العلم حلها معقدة للغاية، مما يؤدي إلى تقارب المزيد من المجالات والتعاون متعدد التخصصات. على سبيل المثال، علم الهندسة البيولوجية هو مجال متعدد التخصصات بشكل طبيعي ويتكون من البيولوجيا والكيمياء  وعلم المواد والعديد من المكونات الهندسية. إن طبيعة تخصص علم الهندسة البيولوجية إبداعية في حد ذاتها، مع الاعتراف بحقيقة أن بعض المواضيع والمشكلات مثل انتاج الطاقة من مواد بيولوجية لا يمكن حلها من خلال أي تخصص علمي واحد فقط. تتطلب هذه المشكلات المعقدة حلول معقدة من العلماء الذين يمكنهم الجمع بشكل خلاق بين مجالات معارفهم المتعددة.

 ولكن كيف يحدث الابتكار في مختبر الأبحاث؟ في العديد من المختبرات، لا يحدث ذلك، فليس من المرجح أن يبتكر العلماء الذين أجروا نفس الاختبارات وحللوا النتائج بنفس الطريقة لسنوات. في الواقع، يعمل العديد من الباحثين بنفس الاسلوب وبسرعة كبيرة من خلال ما يعرفونه دون التفكير في ما لا يعرفونه. لا يتراجعون خطوة إلى الوراء ليسألوا عما إذا كانت هناك طريقة أخرى للوصول إلى الحل. في حين أن الإبداع في المختبر يمكن أن ينتج طرقا جديدة للتفكير في المشكلة، يمكن للابتكار أن يخلق طرقا جديدة لحلها. في بعض الحالات، قد يؤدي ذلك إلى فكرة أو منتج قابل للحماية عبر براءة اختراع، على غرار الابتكارات التكنولوجية التي نعرفها اليوم. على سبيل المثال، يمكن اعتبار تجربة مادة جديدة في تطبيق مختلف تماما أمرا مبتكرا. لكن في معظم هذه الحالات، ستنتج طريقة جديدة للاختبار أو للتوليف، ويمكن أن يكون لبعض التغييرات الصغيرة تأثير كبير على البحث وفهمنا للعالم العلمي.

 الفساد في البحث العلمي اكبر قاتل للابداع والابتكار

 من الواضح أن البحث عنصر حيوي للغاية في مسار تطور المجتمع ، فالبحث عملية حل المشكلات الحالية والإجابة على الأسئلة الجديدة من خلال طرق قابلة للتطبيق وموثوق بها، بينما يعتبر البعض الإبداع والابتكارعوامل رئيسية في عملية البحث المعنية فهي تسهل التطورات الرئيسية في العلم والتكنولوجيا. بضمن أدبيات البحث الإبداعي هناك أربعة عوامل مؤثرة على الإبداع والابتكار. تتكون هذه العوامل من: الانسان والعملية والمنتج والمكان. يتم التركيز على المكان (البيئة) لان الطريقة التي يستخدم بها الأفراد المكان لانتاج البحوث الابداعية هي نتيجة لتأثير البيئة عليهم. البيئة تجعل بعض السلوكيات الفاسدة مقبولة في مكان ما فإذا لم تكن لدى البيئة القدرة على تشجيع سلوكيات معينة، فلن تحدث أبدًا. ونظرا لحقيقة أن السلوكيات البشرية تتأثر بالبيئة، يمكن أن يؤثر الفساد (او النزاهة) على إبداع الأفراد وابتكارهم.  ومن ثم، لزيادة الإبداع والابتكار في مجال البحث، من الضروري ان تكون البيئة نزيهة وان لا يكون للفساد مكان فيها بحيث تلبي الاحتياجات الحقيقية وتشجع الباحثين على أن يكونوا أكثر إبداعا وابتكارا.

خلاصة الامر انه اذا كانت البيئة فاسدة او المكان فاسدا فلن يكون هناك ابداعا او ابتكارا حقيقيا، ومثلهما مثل بيئة البحث العلمي. البيئة الاجتماعية تؤثر تأثيرا كبيرا على الابداع  فقد اثبتت الدراسات وجود علاقة سلبية بين الفساد والابتكار، ووجد في المؤسسات العلمية والشركات الصناعية انه كلما كثر الفساد وازدادت الرشاوي كلما قلت قدرة المؤسسة على الابتكار. لذلك يعتبرالفساد اكبر قاتل للابداع والابتكار! الفساد يشجع التقليد ويساعد على ديمومة التقاليد البائسة والروتين القاتل.

  كتب بتأريخ :  السبت 17-12-2022     عدد القراء :  1068       عدد التعليقات : 0