الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الأولى ان يتبع مصالح الناس ويرفع الضرر

وليس من الحكمة ان ينشغل  عقل المسلم  عن الموضوعات الهامة والجادة ويدور ويلف حول موضوعات هزلية لاهية، ويبتعد  بإرادته عن متغيرات الحداثة، ويعزل نفسه  ويحبسها عن مستجدات الحياة  وعما تفرضه الحضارة الإنسانية من مفردات عصرية  وعلمية تسير به  الى  حياة  أفضل ، فينعم بها  ويسعد ، وليس من الكياسة ان يستنزف وقته وجهده  فى أمور تجور وتميل على وقت وجهد ليس من نصيبها ان تجور او تميل عليه  ، فليس له من الراحة والدعة والوقت ماكان فى القدم، حين كانت مشاغل الناس  محدودة ولم تتسع ، ووقت الناس ممدودا رحبا دون أن ينكمش ، أما وقد اصبح الوقت يضيق على الناس ولم يعد كافيا فى نهاره للعمل وفى ليله للنوم ، فلا حيلة ان تتزحزح هذه المسافة وتتراجع لصالح الفكر العملى والعلمى حتى يستكفى الناس ويلبون مطالب حياتهم ، ويعلمون ويشبعون ويملأون عقول وبطون أولادهم ،  فليس من سبيل امام الناس سوى العمل والجهد والعلم .

ولا اتصور أن عقولا تقف على ابواب المشايخ تطلب المشورة فى امور حياتها ومشاغلها واعمالها وزواجها وطلاقها وتعليمها  وادق أسرارها  ويلبون النداء دون تدقيق أو بحث ليخرج سالما إذا تركها فى رقبة عالم "شيخ" كما يزعمون ويدعون ،حتى تتفاخر وتتباهى دور الإفتاء الرسمية والإفتاءات  الخاصة  بملايين الفتاوى فى العام الواحد شملت مناحى الحياة من غرف النوم حتى بيوت الراحة وبيوت العلم والمال ، ولم تترك للناس فسحة او مساحة للعقل  او البحث العلمى ودراسة الاسباب ،  ثم يتساءلون عن سبب هذا التاخر والتقهقر والتردى والجهل الذى نعيش فيه  وهذا الخلاف والصدام الدائم مع الغير.    

ولانطالب بتجديد الدين او تغييره لكننا نطالب بتغيير الفكر الدينى ، وفهم المقاصد والغايات من النص والحكم ، وهما فى الاصل لمصلحة الامة ، وماجاء حكم إلا وكان يسير مع الاحداث ويستجيب لنفع الناس ، وما ورد الحكم وأتى   إلا إذا واجهت الناس معضلة  أومشكلة أو خلاف أو شقاق فيعرضون المسألة على النبى فينزل بها حكما ،  فيسد فجوة  او يفتح بابا للخير او يغلق بابا للأذى والضرر ، وهو اصل التشريع  ، وماجلب النبى  حكما إلا وكان مرضيا عنه ومقبولا ،ومانسخ حكما إلا وكان شاقا على الناس أوإنتفى وأنعدم الغرض منه وكان نسخه امرا حتميا ، وإلا فإن تعطيل  العمل بحد السرقة ، وحظر  زواج المتعة،  والكف عن منح الارض للمحاربين  فى البلاد الموطوءة ،ووقف توزيع الخمس فى عهد الخليفة عمر ، وكذلك الثورات التحررية وإلغاء الرق والتسرى بالجوارى ومنع الإعتداء على أراضى الغير بحكم القوانين الدولية ،  كل هذا يعتبر إعتداء على ثوابت الدين واصوله الرئيسية ، وجب على المسلمين محاربة العالم صغيره وكبيره لإعادة العمل بهذه الاحكام والتى تمثل نسبة معتبرة من الدين ، وليس الامر إلا إستجابة لمصلحة الناس كافة  ، ومانقص من الدين شئ ، بل كلما إستجاب الفكر الدينى  لرغبات الناس وساير مصالحهم وإحتياجاتهم ومنافعهم كان اكثر ثباتا وإستقرارا وقبولا ، وكلما بعد الدين عن كل هذا اصبح غريبا  وانفصل الناس عنه وتحايلوا  عليه وتهربوا منه  ،  وزادت الحجج الواهية ودعمتها الخرافات الساقطة والفتاوى الغريبة والعجيبة حتى يكون الفراق والعزل أمرا مقضيا  ، حتى لو كانت الطقوس والشعائر والنسك والعبادات  قائمة ليل نهار.

واول مراحل تجديد الفكر الدينى ، أن يتم  الفصل بين الاحكام القرآنية (وحيا  وتبليغا عن الله) وماورد عن  الرسول بحكم الولاية والريادة والقيادة والزعامة ، وماتوافق  الرسول عليه من أعراف وعادات   بحكم العادة والحاجة ، ولابد من التعامل مع كل هذه المفردات كل على حده  ، ورد الامر الى السبب فى وجود هذا الحكم  وترتيبه ودرجة الإلتزام به ووقته وزمانه ومكانه  ، ولنأخذ مثالا بسيطا عن الرسول بحكم الريادة  والزعامة وذلك عن حديثه "خالفوا المشركين،  وفروا اللحى ، وحفوا الشوارب " فهو ليس حكما إلهيا حتى تحملها الملائكة عن اصحابها يوم القيامة عزة وفخرا الى ابواب الجنة  كما يزعم السلفيون ، وليس حكما عاما او قاعدة عامة للمسلمين كافة وجب الإلتزام بها  كما يظنون ، فهو حكم "وقتى"  مرهون فى  فترة معينة للتمييز بين  المسلمين والمجوس ،  وكان لضرورة حال امره وليس الآن ، وليس لمن تركه عقوبة وليس لمن إلتزم  أجر وهذا مانعتقده .

وأهم نقطة فى  تجديد الفكر الدينى هى إبعاد الدين عن  السياسة والحكم ، فما تقاتل المسلمون وكفروا بعضهم بعضا وتشتتوا فرقا وجماعات  إلا بهذا الإرتباط  بينهما ، وماأنحرف الفكر الدينى عن جادة الصواب إلا بهذا الترابط ، ومازيفت الحقائق ودلست المواقف وكذبوا عن الله ورسوله إلا لخدمة الحكام والولاة ، وماروى حديث قتل المرتد وماكذبوا عن النبى إلا فى الفتنة الكبرى ليكون سيفا مسلطا على رقاب المعارضين من كل فريق ، ونشأة هذا الحد كانت حين أضفى الحكام العصمة على احكامهم وقراراتهم وافعالهم واتهموا من عارضوهم بالخروج والمروق عن منهج الله يستوجب محاكمة المارقين بعقوبة الردة المفتعلة والمكذوبة ، فلادين فى السياسة ولاسياسة فى الدين ، وما لله لله وما لقيصر لقيصر.

"الدولة المدنية هى الحل"  

  كتب بتأريخ :  الجمعة 21-04-2023     عدد القراء :  600       عدد التعليقات : 0