الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عقلية الحصار الذاتي

واحدة من الظواهر الاجتماعية والسياسية والنفسية المثيرة للاهتمام في المجتمع العراقي والتي نمت وترعرعت بعد غزو الكويت واثناء فترة الحصار الاقتصادي وهي الشعور بأن العالم الخارجي لديه نوايا سلبية وسيئة للغاية تجاه العراق. تم تغذية هذا الشعور وترسيخه في عقل الانسان العراقي من قبل النظام الدكتاتوري البائد بحيث بدى للعراقي بانه محاط بعالم كيدي معادي،

وله "نوايا سلبية" تشير إلى الرغبة والدافع من هذا العالم الخارجي لإلحاق الضرر والعدوان بما ينطوي على تهديد للمجتمع ورفاهيته. من هذا الشعور تولدت عند العراقي عقلية يطلق عليها "عقلية الحصار".

الجامعات العراقية تعيش اليوم في حصار فرضته على نفسها من حيث انها لا ترى في التغيير والاصلاح ضرورة لديمومتها وتحقيق لرسالتها، فرسالتها تكمن في تطوير الكم فقط، والنوايا الحسنة للقيادات الجامعية لا تجد مجالا او فرصا للتطبيق، اما اعضاء هيئاتها التدريسية فالغالبية منهم لا تملك المعرفة او القدرة او الرغبة في احداث التغيير، وتصطدم رغبتهم في امتلاك المعرفة لاحداث التغيير بمعيقات كثيرة اهمها ضعف كفاءاتهم وعدم وجود اموال كافية، او برنامج ملائم لتدريبهم، او رؤى واضحة لعملية التدريب وبناء القدرات، فيما عدا قبول الآلاف في الدراسات العليا المحلية للحصول على شهادة الدكتوراه، او النشر في المجلات العلمية وكأنهما الحلول السحرية التي ستنقذ الجامعات وتدخلها في القرن الواحد والعشرين.

عقلية الحصار تفرض الاعتماد على الذات والقدرات المحلية وتمنع الاستفادة من كفاءات الخارج او من العقول والخبرات المتوفرة في الدول المتقدمة وتعرقل حتى الاستفادة بما توفره الانترنت ووسائل الاتصال بالخارج باكتساب المعرفة حيث ان هذه العقلية لازالت تقف حجر عثرة امام التعليم الذاتي، والسياسات الحالية لا تأخذ بنظر الاعتبار ان كثيراً من معارف وبيداغوجيات التعليم والتعلم وتقنيات البحث العلمي يمكن اكتسابها عن بعد ولا تستحق الجلوس في الصفوف الدراسية. اننا نحتاج الى ثقافة تشجع كسب المعرفة تنشرالحريات الاكاديمية وتربط الدراسات الاكاديمية بسوق العمل وتشجع، لا بل تفترض، المضي في متابعة التطورات العلمية وعدم التوقف بمجرد الحصول على شهادة الدكتوراه، او الترقية لدرجة الاستاذية. فالشهادة والترقية في الجامعات المتطورة ليس غاية بحد ذاتها، بل وسيلة للوصول الى القمة عن طريق الابداع والابتكار. القراءة والتتبع والاطلاع والبحث ضرورية للاستاذ الجامعي كما هي ضرورية للطالب، والاستاذ الذي يتوقف عن مراجعة احدث التطورات في علمه كمن يضرب رأسه بطلق ناري.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 08-05-2023     عدد القراء :  837       عدد التعليقات : 0