الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التعليم العالي في العالم العربي

يتحلى العالم العربي بتاريخه القديم الثري في الإنجازات العلمية. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي للتعليم العالي في العالم العربي يثير مخاوف بشأن جودة وفعالية البرامج والمؤسسات الأكاديمية. على هذا النحو، من الضروري إجراء تحليل منهجي لمشهد التعليم والبحث العلمي في الجامعات العربية من أجل معالجة أوجه القصور وتعزيز التحسينات. ومن المعقول افتراض ان الأكاديميين يجب أن يستفيدوا من نقد وتحليل منهجي لمشاهد الجامعات العربية بكل مزاياها.

أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأكاديميين يستفيدون من التحليل المنهجي للجامعات العربية هو الحاجة إلى التغيير. لقد واجهت الدول العربية تحديات كبيرة مثل هجرة الأدمغة، وتراجع نوعية الإنتاج البحثي، ونقص جودة التعليم. تتطلب معالجة هذه التحديات إجراء تحليل شامل للوضع الحالي للتعليم العالي في العالم العربي، بما في ذلك فحص نقاط القوة والضعف. باستخدام هذه المعلومات، يمكن للأكاديميين العمل على تحسين النظام التعليمي من خلال تنفيذ إصلاحات مبتكرة تعالج نقاط الضعف في النظام التعليمي.

سبب آخر لاستفادة الأكاديميين من التحليل المنهجي للجامعات العربية هو الحاجة إلى القدرة التنافسية العالمية. أصبح العالم أكثر ترابطًا وعولمة، وتحتاج الجامعات في العالم العربي إلى التكيف مع المتطلبات المتغيرة للاقتصاد العالمي. من خلال تحليل حالة الجامعات العربية، يمكن للأكاديميين مقارنة مؤسساتهم بأفضل الجامعات في العالم، وتحديد الفجوات، واعتماد أفضل الممارسات لتعزيز قدرتها التنافسية.

ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن النقد والتحليل قد لا يكونان دائما بناءين أو منتجين. في بعض الحالات، يمكن استخدام النقد لتقويض جهود أولئك الذين يعملون من أجل تحسين النظام التعليمي. على هذا النحو، يمكن أن يوفر التحليل نهجا قائما على الأدلة لعملية صنع السياسات، ورؤى ثاقبة يمكنها أن تساعد في تطوير سياسات فعالة في مواجهة التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي.

وبرأي ان النقد والتحليل الأكاديمي مهماً لتحسين جودة وأهمية التعليم العالي في الجامعات العربية لعدة أسباب، لابد ان تؤدي نتائجها الى:

1. تحسين جودة التعليم

2. زيادة الشفافية والحوكمة وتحسين معايير الجودة والمساءلة

3.تحسين التواصل بين الجامعات العربية والمؤسسات الأكاديمية في العالم

4. تحديد اوضح للأهداف والأولويات اللازمة لتحسين جودة وأهمية التعليم العالي في الجامعات العربية ولضمان تلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل.

يُعد التعليم العالي والبحث العلمي من أهم عوامل التطور والتقدم في أيّ مجتمع، ويتأثر بها من حيث الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافة والعلوم والصحة. وانا كاكاديمي مغترب، اعتبر أن الوطن العربي يواجه كثير من التحديات فيما يتعلق بالتعليم والبحث العلمي، وبالرغم من التقدم المحرز في بعض الدول العربية او بعض الجامعات، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتحسين جودة التعليم والعلوم في المنطقة العربية.

انطلاقاً من هذا المبدأ، فقد بدأ اهتمامي بدراسة واقع مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي مباشرة بعد ان بدأت بالاهتمام بالتعليم في بلدي العراق وبالتحديد منذ 2003، حيث بدأت رحلتي بدراسة أصل الأمور والمشاكل الموجودة في مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي. قبل ذلك كان اهتمامي بالتعليم العالي في الدول العربية يعود الى ارتباطاتي العلمية في مواضيع الهندسة البيولوجية والخلوية والطبية بالعالم العربي وزياراتي العلمية المتكررة فكان الاهتمام بالاختصاص العلمي بأكثر من الاهتمام بالمشاكل التربوية والتعليمية.

وخلال هذا الاهتمام بالوضع التربوي العراقي، وجدت العديد من المشكلات، ومن بينها انعدام البنيات التحتية اللازمة، وضعف الموارد المادية والبشرية، بالإضافة إلى استخدام تقنيات التدريس القديمة والتلقين وعدم الاهتمام بالتفكير النقدي والتحليلي وبتطبيق التقنيات الحديثة في مجال التدريس والبحث العلمي.

بالإضافة إلى ذلك، فإني اؤمن بمدى أهمية البحث العلمي والابتكار والتطور التكنولوجي في المجتمعات العربية، حيث يأتي ذلك من خلال الزيادة في المعرفة والثقافة، والارتقاء بمستوى التعليم العالي والشامل في المنطقة. وبالتالي، فإن اهتمامي بهذا المجال يأتي بناءً على الإيمان بأن تطوير البحث العلمي في الوطن العربي سيساعد على الارتقاء بمستويات التعليم والتحصيل العلمي في المنطقة.

يتسم العالم العربي بتنوعه الواسع، حيث يضم دول الخليج العربي ذات الثراء المادي وبلدان من منطقة الساحل الأفريقي الشرقي ذات الفقر. ويعطي هذا التنوع الفرصة المثالية لإجراء تحليلات شاملة لمجموعة واسعة من الموضوعات والقضايا، ولتبادل الخبرات عبر الحدود من أجل تحقيق التقدم المستدام في المجتمعات العربية. وعلى الرغم من ذلك، تتقارب الظروف الاجتماعية والبيئية في هذه الدول، ويرتبط سكانها بالعديد من العوامل المشتركة، بما في ذلك الاهتمام بالتعليم العالي وما يتضمنه من اهتمام بالكم أكثر من الكيف وهذا ما انعكس سلبا على الاستقلالية العلمية والتكنولوجية، وتأخر الدول العربية في مجالات الابتكار والتطوير والاكتشاف مقارنة بالدول المتقدمة. اصبح موضوع الكمية مقابل النوعية في صدارة المواضيع التي تهم التعليم العالي والجامعات وبدأ الكثير من التربويين والتدريسيين من التذمر من استحداث جامعات جديدة وقبول طلبة بأعلى من درجة استيعاب الجامعات في الوقت الذي لازالت فيه كثير من الجامعات تعاني من ضعف مزمن في مناهجها واساليب تدريسها، وشحة التدريسيين الأكفاء فيها، والنقص الرهيب في تجهيز مختبراتها وأبنيتها، وتوفير المساكن اللائقة لطلبتها. ولم تعد مسألة عدم توفر معلومات وإحصائيات موثقة بشأن جودة التعليم ومستوى الخريجين مهمة لان هذه المعالم اصبحت واضحة من خلال تفشي البطالة، والبطالة المقنعة بين صفوف الخريجين، وضعف مهاراتهم الاحترافية والمهنية، وهجرة الخريجين للدول الصناعية المتطورة خصوصا من مصر والمغرب العربي والعراق.

يتسبب الاهتمام الزائد بالكمية إلى حد كبير في تردي الجودة في التعليم العالي، حيث يتم إدخال طلاب يفتقرون إلى المهارات اللازمة للتأقلم مع بيئة التعليم العالي والبحث العلمي، مما يؤدي إلى تخرج طلاب يفتقرون إلى المؤهلات اللازمة للانضمام إلى سوق العمل. كما أن الاهتمام بالكمية يعرض المؤسسات التعليمية للمزيد من الضغط وانخفاض المستوى الاكاديمي، حيث يشعر المدرسون بالتوتر والإرهاق بسبب الأعداد الكبيرة من الطلبة التي يجب عليهم تلبية احتياجاتها.

من الواضح ان التحديات التي تواجه الجامعات العربية لتحقيق الجودة في التعليم العالي هائلة، وتحتاج إلى التصدي لها ومجابهتها لتلبية احتياجات التنمية، ولكنها تحديات ليست مستعصية على الحل. إذ يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال الشراكة والتعاون على جميع المستويات، في العالم العربي وخارجه على حد سواء، فليس من الضروري أن نضحي بالجودة لمجرد تحقيق زيادة في عدد طلبة الجامعات.

اما بالنسبة للبحث العلمي، فإن مستوى الإنفاق على البحث والتطوير في الدول العربية لا يتناسب مع الحجم السكاني واحتياجات التطور العلمي والتكنولوجي. وبالتالي، يفتقر البحث العلمي في العالم العربي إلى التمويل الكافي والتخصيص للمهام الأساسية والمشاريع ذات الأولوية العالية.

الدول العربية تواجه تحديا كبيرا لعدم وجود تناسب بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. هذا التحدي يؤدي إلى استفحال ظاهرة البطالة وسط الشباب الخريجين، ويقلل من فرصهم في المشاركة الفاعلة في التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي. وفقا لتقارير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، فإن معدلات البطالة بين خريجي التعليم العالي في المنطقة العربية تصل إلى 25%، مقارنة بـ 8% على المستوى العالمي. كما أن نسبة كبيرة من الخريجين يشغلون وظائف غير متناسبة مع تخصصاتهم أو مستوى مؤهلاتهم، ما يؤثر سلبا على جودة أدائهم وإنتاجيتهم. أسباب هذا التحدي تكمن في عدة جوانب، منها:

- عدم توافق المناهج والبرامج التعليمية مع احتياجات سوق العمل المحلية والإقليمية والدولية، وانحصارها في المجالات التقليدية والنظرية دون التركيز على المهارات العملية والابتكارية والرقمية.

- عدم توفير فرص كافية للتدريب المهني والتطبيقي لطلاب التعليم العالي، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها، بالتعاون مع القطاعات المختلفة.

- عدم اشتراك القطاع الخاص في تجويد التعليم وتحديثه، وضعف دوره في توظيف الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل.

- عدم تشجيع روح المبادرة والإبداع والريادة لدى طلاب التعليم العالي، وضغطهم نحو اختيار التخصصات ذات الطلب المرتفع دون مراعاة اهتماماتهم وقدراتهم.

- عدم توفير بيانات وإحصاءات دقيقة ومحدثة عن سوق العمل واحتياجاته وتوقعاته، وعدم تبادلها بين الجهات المعنية بالتعليم والتوظيف.

لمواجهة هذا التحدي، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية بالتعليم والتوظيف، ووضع استراتيجيات وسياسات وبرامج تهدف إلى:

- تحديث المناهج والبرامج التعليمية لتتوافق مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، وتنويعها لتشمل المجالات الحديثة والمطلوبة، مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، وغيرها.

- تعزيز التدريب المهني والتطبيقي لطلاب التعليم العالي، من خلال إنشاء مراكز تدريبية متخصصة داخل المؤسسات التعليمية، أو توفير فرص التدريب في الشركات والمؤسسات ذات الصلة بالتخصصات المختارة.

- تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تجويد التعليم وتحديثه، من خلال دعم المشاريع التعليمية المبتكرة، أو تقديم منح دراسية أو فرص عمل للخريجين المتميزين، أو تقديم استشارات أو تقارير عن احتياجات سوق العمل.

- دعم روح المبادرة والإبداع والريادة لدى طلاب التعليم العالي، من خلال تنظيم مسابقات أو مهرجانات أو مؤتمرات تبرز مشاريعهم وأفكارهم، أو تقديم تسهيلات أو حوافز لإنشاء مشاريع صغيرة أو متوسطة.

- إنشاء نظام معلومات شامل عن سوق العمل، يضم بيانات وإحصاءات دقيقة ومحدثة عن الفرص والتحديات والتوقعات في كافة المجالات، وإتاحته لجميع الجهات المعنية بالتعليم والتوظيف.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 24-07-2023     عدد القراء :  873       عدد التعليقات : 0