الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أهمية التفكير النقدي في التعليم والثقافة والبحث العلمي

التفكير النقدي هو "التقييم الصحيح للمعلومات". ويوصف أيضا على أنه "التفكير في التفكير". أحد التعريفات الشائعة هو "التفكير التأملي المعقول الذي يهدف إلى تقرير ما يجب تصديقه وما هي الاستجابة الصحيحة".

التعريف الأكثر تفصيلاً هو "التحليل النشط والفعال ووضع المفاهيم والتطبيق والتوليف، و/أو تقييم المعلومات التي تم الحصول عليها أو المتولدة من خلال الملاحظة والخبرة والتفكير أو الاتصال كدليل للإقناع والعمل" ويتميز التفكير النقدي بإجراء استنتاجات منطقية وتشكيل نماذج منطقية تتسق مع نفسها واتخاذ قرارات مستنيرة حول رفض أو الموافقة أو تأجيل النظر في أي حكم مؤقتا.

ويعّرف التفكير النقدي ايضا بأنه القدرة على تحليل المعلومات بموضوعية وإصدار حكم منطقي. ويتضمن تقييم المصادر، مثل البيانات والحقائق والظواهر التي يمكن ملاحظتها ونتائج البحث. وتساعد مهارات التفكير النقدي على تحديد المصادر الموثوقة وتقييم الحجج والرد عليها وتقييم وجهات النظر البديلة واختبار الفرضيات مقابل المعايير ذات الصلة.

يمثل التفكير النقدي اشكالا اخرى من المهارات والقابليات منها التفكير الذاتي التوجيهي والانضباط الذاتي والمراقبة الذاتية والتفكير التصحيحي الذاتي. ويتطلب منك أن تكون على دراية بالتحيزات والافتراضات الخاصة بك عند مصادفة المعلومات، وتطبيق معايير متسقة عند تقييم المصادر. انه مهم لإصدار الأحكام حول مصادر المعلومات وتشكيل حججك الخاصة في السياقات الأكاديمية والمهنية والشخصية.

والتفكير النقدي ضروري لنمو المجتمعات ثقافيا وعلميا فهو غذاء العقل. إنه عامل بناء مهم لأي مجتمع. ويمكّن الناس من تنمية قدراتهم ونموهم الذهني، ويبرز الإمكانات الخفية للأفراد ويطورها.

بعض الأمثلة على التفكير النقدي

- مقارنة نتائج إحدى الدراسات بأبحاث أخرى جارية وتحديد ما إذا كانت النتائج معقولة أم منحازة.

- تحليل منطق الحجة ودليلها وتحديد نقاط قوتها وضعفها.

- النظر في التفسيرات أو المنظورات البديلة لظاهرة أو قضية ما وموازنة إيجابياتها وسلبياتها.

- تطوير فرضية بناءً على المعرفة الموجودة واختبارها مقابل المعايير أو البيانات ذات الصلة.

نظرية التفكير النقدي وتاريخها

يُعتقد أن مصطلح "التفكير النقدي" تمت صياغته لأول مرة من قبل جون ديوي في كتابه الصادر في 1910: كيف نفكر. قبل ذلك لم يتم استخدامه في مجال العلوم، والمفهوم المماثل كان هو التفكير التأملي. ويعتبر جون ديوي من أوائل الفلاسفة والتربويين الذين استخدموا التفكير النقدي في التعليم، وهو الذي رسم أوجه تشابه بين ظروف التعلم والتواصل والتفكير التأملي، واقترح تطوير التفكير الانعكاسي (النقدي) كأحد أهم أهداف التعلم في التعليم.

يجب اعتبار الشرط الأساسي لظهور نظرية التفكير النقدي في الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين هو التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار المرتبط بالكساد الكبير والأزمة الاقتصادية العالمية. ودفعت هذه الميزات الرئيسية بعض الفلاسفة وعلماء الاجتماع للبحث عن أفكار تحول الفلسفة إلى عملية نشطة وعملية تساعد الناس على البقاء في عالم سريع التغير.

من أهم أسباب ظهور نظرية التفكير النقدي أزمة التعليم وإصلاحاته. وهكذا، لم تعد أسئلة التفكير النقدي مسألة ذات أهمية حصرية للفلسفة.

تعتبر الفلسفة التحليلية للتعليم مهمة للغاية في صياغة وتطوير نظرية التفكير النقدي.

اشار عالم الاجتماع والفيلسوف وليام سومنر إلى الحاجة العميقة للتفكير النقدي في الحياة والتعليم وضرورة تعليم التفكير النقدي، والى إن تطوير الجوانب المنهجية الهامة لنظام تكوين مهارات التفكير النقدي مكرس لعمل المعلمين الأمريكيين، الذين بدأوا، تحت تأثير التفكير ما بعد الحداثي، في الحديث عن الحاجة إلى إجراء تغييرات في النظام التعليمي بأكمله، ولكن في عملية إنشاء وتطبيق نظريات وأساليب تدريس جديدة. ويشددون على أن مثل هذه الأساليب تهم الطلاب في عملية التعلم، وتكثف عملهم لتحقيق أهداف التعلم الخاصة بهم، ومراقبة وتقييم مستوى المعرفة لدى بعضهم البعض بشكل مستقل، وتوفر فرصة لتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي.

لذلك، في أوائل الستينيات من القرن الماضي وفي الولايات المتحدة وإنكلترا، ظهرت فلسفة تحليلية للتعليم، أصلها أنظمة المثالية الألمانية التي تعود الى بداية القرن التاسع عشر.

بعد سقراط، كان كانط هو ثاني أهم شخصية في تاريخ الفلسفة، الذي يدين له جميع الفلاسفة الرئيسيين للعقلانية النقدية، على الرغم من نهجهم النقدي في التدريس. ويتضمن التفكير النقدي لكانط أسئلة حول نظرية المعرفة في مجالات التعليم ونظرية المعرفة والدين. في تعاليمه حول المكان والزمان، اكتشف كانط أن المعرفة تتضمن أحكاما تحليلية (وصفية) وتركيبية (تفصيلية) كما هي التجريبية.

بدءا من الشك البشري في ما يتعلق باستحالة إثبات صحة المبدأ الاستقرائي، يعمم المذهب النقدي الكانطي "المشكلة الإنسانية" على الأسئلة: كيف يمكن العلم باستخدام الأحكام التركيبية "بداهة"؟ كيف يمكن تأكيد الأحكام المصطنعة من النوع "المسبق"؟

لعب كارل بوبر - عالم اجتماع نمساوي وبريطاني، أحد أكثر فلاسفة العلم تأثيرا في القرن العشرين، من أتباع فلسفة كانط، دورا مهما في تاريخ تطور التفكير النقدي. ويمكن اعتباره بحق مؤسس المفهوم الفلسفي للعقلانية النقدية. ووصف موقفه كالاتي: "قد أكون مخطئا، قد تكون على صواب. .. لنحاول، قد نقترب أكثر من الحقيقة".

اشتهر بوبر بأعماله في العلوم والاجتماع والفلسفة السياسية، حيث انتقد الفكر الكلاسيكي. بطريقة علمية دافع عن مبادئ الديمقراطية والنقد الاجتماع،ي ودعا إلى التمسك بها لجعل ازدهار مجتمع مفتوح ممكنا.

يشكل التواضع الفكري الأساس الأخلاقي لما يسميه بوبر "العقل السقراطي"، وهو مفهوم يصف العقل النقدي الذي يدرك حدوده وضعفه. لا يؤمن العقل النقدي بالعقل أو العلم كمصادر مطلقة للحقيقة، ولا يتبع "الإرهاب العقلاني" أو التشبث بالمعتقدات دون تحليلها. بدلاً من ذلك، يتسم العقل السقراطي بالتشكيك والتحقيق والتجريب في كل ما يدعي أنه معرفة، ولا يقبل أي سلطة نهائية في الفكر.

وفقا لبوبر، العقلاني هو الشخص الذي يرغب في التعلم من الآخرين من خلال السماح لهم بانتقاد أفكارهم الخاصة وبانتقاد أفكار الآخرين أنفسهم.

علم نفس التفكير النقدي

كنشاط معرفي وفكري، يعتمد التفكير النقدي على قواعد وتقنيات المنطق الرسمي وعلم النفس المعرفي وعلم نفس الإبداع ونظرية صنع القرار والممارسة الجدلية والبلاغة. ويتجلى هذا النوع من التفكير في القدرة على التنبؤ بالمسار المحتمل للأحداث المستقبلية ومعرفة من خلال التحليل والمنطق وتعزيز الإيجابية ومنع النتائج السلبية للقرارات والإجراءات المتخذة. الشك المنهجي (ما هو معقول للشك) والعمل بالأفكار والأسئلة، والتعبير الواضح والعادل عن الفكر والبحث عن الأخطاء وتحديد درجة المخاطرة في المواقف المختلفة - هذه كلها أسس التفكير النقدي، والآلية الرئيسية هنا هي العلاقة بين الفكر والمعرفة.

على سبيل المثال، تشير عالمة النفس ديان هالبرن في كتابها علم النفس للتفكير النقدي: "نحن نتحدث عن نوع من التفكير يسمح لنا باستخدام المعرفة المكتسبة سابقا لإنشاء معارف جديدة. لا توجد معرفة موجودة بشكل مستقل - بل هي نتاج إبداع البشر. التفكير النقدي - الذي يتطلب استخدام المعايير التقييمية بشكل منطقي - تم بناؤه على أساس التفكير الناقد للمفكرين السابقين. ماذا لو؟. .. هو السؤال الأساسي للتفكير النقدي ويشير إلى القدرة على تكوين وجهة نظر حول قضية معينة والدفاع عن وجهة النظر هذه بالحجج المنطقية. يتطلب هذا النوع من التفكير الانتباه إلى حجج الخصم وفهمها المنطقي.

أنماط ومهارات التفكير الأخرى

بالرغم من وجود اشكال عديدة للتفكير من حيث التعريفات والأهداف والمهارات والمجالات الا اننا يمكن إجمالها بالإضافة الى التفكير النقدي في الأنماط او المهارات الاتية:

التفكير العلمي هو التفكير في محتوى العلم ومجموعة العمليات المنطقية التي تتخلله. يتطلب القدرة على استخدام المنهج العلمي والتجربة والملاحظة والاستنتاج. هدفه هو اكتشاف القوانين والنظريات التي تحكم الظواهر الطبيعية والاجتماعية. يحتاج إلى مهارات مثل التحقيق والابتكار والتخطيط والتوثيق والتعاون. يستخدم في مجالات مثل العلوم الطبيعية والرياضيات والهندسة وغيرها.

التفكير الخلاق هو التفكير في إنشاء أو ابتكار شيء جديد أو مفيد أو جذاب. يتطلب القدرة على استخدام الخيال والابداع والانحراف عن المألوف. هدفه هو حل المشكلات بطرق غير تقليدية أو توليد فرص جديدة أو تحسين المنتجات أو الخدمات. يحتاج إلى مهارات مثل التخيل والابتكار والانسجام والانشاء. يستخدم في مجالات مثل الفنون والإعلام والإعلانات وغيرها.

التفكير المجرد هو نوع من التفكير الذي يتعامل مع المفاهيم والأفكار التي ليست مرتبطة بالواقع الملموس. يتطلب هذا النوع من التفكير القدرة على استخدام الخيال والمنطق والتحليل لفهم وحل المشكلات المعقدة. بعض الأمثلة على المفاهيم المجردة هي الحب، والحرية، والخيال، والنجاح، والسعادة، وغيرها. وهو مهارة أساسية للتفكير النقدي وحل المشكلات. يستخدم هذا النوع من التفكير في مجالات مختلفة مثل الرياضيات، والفلسفة، والعلوم، والفن، وغيرها.

التفكير الملموس هو أحد أنواع التفكير الذي يتناول الواقع بعين الحواس دون أي إضافات أو اعتبار لكون مفاهيم هذا الواقع قد تكون جزء من مفاهيم أكبر أو تأخذ معان متعددة بل يفهمها في إطار التفسيرات الدقيقة للمعطيات المادية الملموسة الموجودة ودون الحاجة إلى الرموز والمفاهيم المطلقة.

التفكير التقاربي هو عملية إيجاد أكثر خيار سليم أو منفرد لمشكلة أو سؤال معين، مثل الحصول على إجابة سؤال الاختيار من متعدد أو معرفة كيفية تقويم وتعديل سلوكيات غير سليمة الخاصة بالفرد. ويشير إلى القدرة على وضع عدد من القطع أو وجهات النظر المختلفة لموضوع ما معا بطريقة منظمة ومنطقية للعثور على إجابة واحدة.

إذا، يمكننا رؤية أن أنواع التفكير تتشابه في بعض الجوانب، فجميعها تستند إلى المنطق، وتسعى إلى تحقيق أهداف محددة، وتستخدم في مجالات مختلفة من المعرفة. كما أن لها بعض الاختلافات، فكل منها يركز على جانب معين من التفكير، سواء كان تحليليا أو استقصائيا أو خياليا، ويتطلب مهارات وأساليب مختلفة. كما أن هناك بعض التداخلات بينها، فالتفكير العلمي يحتاج إلى التفكير النقدي لفحص النظريات والتفكير الخلاق لابتكار الحلول، والتفكير الخلاق يحتاج إلى التفكير النقدي لتقييم الأفكار والتفكير العلمي لتطبيقها.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 22-01-2024     عدد القراء :  498       عدد التعليقات : 0