الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في عشية ذكرى تأسيس حزب الجريمة، كيف افسدنا نشوة البعثيين بإحتفالهم

   كنا طلبة في ثانوية الشعب للبنين في الكاظمية، وهي تعتبر أكبر مدارس المدينة في حينها، حيث بها ساحة كرة قدم نظامية وساحة لكرة السلة والطائرة، وتضم المدرسة مراحل دراسية من الاول متوسط حتى السادس إعدادي، وبدوام مزدوج يفصل طلبة المتوسطة عن الاعدادية. المدرسة تقع على شارع المحيط القديم والمسمى آنذاك بشارع موسكو، وعلى جدارها الخارجي تم إغتيال الشهيد سعيد متروك عام 1963 برصاصات البعثيين السفلة والتي بقيت أثارها سنينا طويلة.

   حينما إستولى البعثيون على السلطة في منتصف عام 1968، كانت مناسبة تأسيس حزبهم في 1969 هي الاولى لهم وهم في الحكم، لكنهم لم يستطيعوا الاحتفال بصخب في ذلك العام بثانوية الشعب، وأكتفوا بأن ألقى أحد المدرسين البعثيين كلمة في الطلبة المتجمعين في ساحة المدرسة والذين عادوا بعدها الى صفوفهم لإكمال الدوام الرسمي بذلك اليوم. وفي نفس العام أقاموا إنتخابات طلابية صورية أعلنوا فيها فوزهم رغما عن الكل، وقد يكونوا شعروا بشيئٍ من الاطمئنان كي يقيموا إحتفالا كبيرا في ذكرى تأسيس حزبهم عام 1970.. فقرروا إقامة مهرجان رياضي ــ فني كبير في نفس يوم المناسبة المشؤومة وعلى ساحة كرة القدم في المدرسة، وأستعدوا للإحتفال قبل أيامٍ عدة ومنها إنهم قاموا بخط شعاراتهم على الأضلاع الثلاثة لساحة كرة القدم من الجهة الداخلية وكانت بحدود العشرين شعارا، وإنتهوا من كل التحضيرات عصر يوم 6/ نيسان .

   في نفس هذا اليوم وكنت مع صديقي معن أبو العيس (وهو شقيق الشهيد منذر وإبن أخ الشهيد محمد حسين أبو العيس) عندما إلتقينا بصديق لنا إسمه علي عبد الامير (وكان يلقب أيضا بـ علي إبن أموري أبو الباكَله حيث إن أباه لديه مطعم صغير لبيع الباقلاء بالدهن) كان علي أكبر منا سنا وطالب في ثانوية بيوت الامة المسائية أي ليس في ثانوية الشعب لكن دارهم كانت في أحد فروع شارع موسكو بمقابلة ثانوية الشعب وكان هو كأي واحد من أهالي المنطقة يعرفون بتحضيرات البعثيين لإحتفالهم في المدرسة، وعلي كان معروفا بشراسته وصداميته ويجهر بكرهه للبعثيين وحبه للشيوعيين ولا أدري إن كان ملتزما بتنظيم ما أم لا. إقترح علينا علي أن نقوم بتخريب فرحة البعثيين وإحتفالهم عن طريق تشويه شعاراتهم التي خطوها على جدار المدرسة يتلطيخها بالصبغ الاحمر وهو نفس اللون الذي خط به البعثيون شعاراتهم، وافقنا على الفور وجمعنا ما لدينا من مبالغ وكان علي أكثر من دفع ثمنا لعلبة صبغ أحمر مع زوجين من كفوف البلاستك إشتريناها من محل الحاج سفاح حبه في الكاظمية وجلبنا من بيوتنا قطع قماش لملابس بالية ... وما أن حلَّ الظلام بالكامل قفزنا الى المدرسة وتناوبنا على تلطيخ الشعارات كلها، حيث يقف أحدنا على السياج لمراقبة الموقف ويقوم الاخران بمهمة تشويه الشعارات، حتى أتممنا كل شيئ بأقل من ساعة وذهب كل منا الى بيته وكأن شيئا لم يكن.

   في اليوم التالي، يوم الاحتفال الموعود، أتينا الى المدرسة أنا ومعن كل على إنفراد كما هي العادة في كل يوم، لنجد الهرج والمرج وصيحات غير مفهومة وغضب عارم عند البعثيين من مدرسين وطلاب منتمين الى المنظمة البعثية الامنية المسماة الاتحاد الوطني، وقاموا بطلاء بعض الاماكن باللون الابيض وجلب خطاط ليقوم بإعادة خط الشعارات لكنهم لم يتمكنوا سوى من خط ثلاثة شعارات فقط لعدم جفاف الصبغ على الحيطان، ومضى يومهم هذا دون أن تكتمل نشوتهم بالاحتفال وكانت ملامح الارتباك والقلق والغضب بادية على البعثيين والذين كان يتطاير الشرر من أعينهم برؤوسهم المتلفتة بمختلف الاتجاهات، حتى إنقضى ذلك اليوم . لكن الامر لم ينته، ففي اليوم التالي عند إنتظام الدوام أرسل في طلبي معاون مدير المدرسة المدعو سعيد النداف وملامح وجهه يعتيرها غضب واضح، وعند مثولي أمامه طلب مني أن أضع كفيَّ مفتوحتي الاصابع على الطاولة أمامه، وقام بتفتيشها وبتركيز على الاظافر وحافاتها، ولأكثر من مرة، دون أن يعثر على شيئ، وبنفس ذلك الانزعاج أمرني أن أعود الى صفي، ولاحقا عرفت إنه إستدعى طلبة أخرين، وكان من بينهم معن أبو العيس، وقام بنفس الشيئ معهم، لكن دون جدوى. كما علمت من الزميل لطيف ماجد إن البعثيين إستفسروا منه عما حدث لأنه كان ممثل القائمة الديمقراطية في الانتخابات التي كانت قد حصلت في نفس ذلك العام الدراسي، فأنكر معرفته بشيئ ، هو كذلك، وأخبرهم بإحتمالية أن يكون بعض من سكان المنطقة ـ شارع موسكو ـ من أستفزتهم الاحتفالية فقاموا بذلك العمل. بالنسبة لنا نحن الثلاثة لم نخبر أحدا بما فعلنا وبقي الامر سرا بيننا. وكانت تلك تجربة مرة للبعثيين فقد صاروا لاحقا ومع كل مناسبة لهم يبيتون في المدرسة كخفراء لمراقبة الموقف.

   هكذا كنا مشاكسين، أشواكا نبز عيون البعثيين، حتى جاءت ما سميت بالجبهة ويمسي البعثيون حلفاءً لا ينبغي إستفزازهم، مع الاسف الشديد.

  كتب بتأريخ :  السبت 06-04-2024     عدد القراء :  396       عدد التعليقات : 0