الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العراق: نظرة حول المشاركة في الإنتخابات..!
بقلم : باقر الفضلي
العودة الى صفحة المقالات

يبدو أن النتائج الأولية للإنتخابات البرلمانية /2010 ، التي جرت في العراق في السابع من آذارالماضي، لها الأولوية الآن، في كل ما يكتب وما يقال، وما يترتب عليه من إستنتاجات سياسية، وتعليقات تقيمية لأداء الأشخاص والقوى والأحزاب السياسية التي شاركت فيها، ناهيك عن كل ما يتعلق برسم اللوحة السياسية الجديدة القادمة في البلاد، ودور التأثيرات والتدخلات الإقليمية والدولية، وموقع المواطن العراقي من كل ذلك..!
وليس بعيداً عن كل هذا، التوقعات المسبقة عن حصيلة هذه الإنتخابات حتى قبل ظهور نتائجها النهائية، ومنها بعض ما أشرت اليه في مقالتي الموسومة (إضاءة على إنتخابات/ 2010)، المنشورة في العديد من المواقع الإلكترونية، العراقية منها والعربية. ومع قرب الإعلان عن النتائج النهائية للإنتخابات من قبل المفوظية العليا المستقلة للإنتخابات، والتي بات يشوبها بعض الغموض والضبابية في الأيام الأخيرة، فإن الحصيلة شبه النهائية لهذه النتائج والمعلن عنها رسمياً من قبل تلك المفوظية، جاءت معززة لكل ما ورد من حقائق وإستنتاجات وتوقعات في المقالة المذكورة، وهذا لا يخرج عن كونه تقدير نسبي وإستقراء لواقع هيكلية العملية السياسية، وإصطفافات القوى والأحزاب السياسية المشاركة في تلك الإنتخابات وطبيعة الظروف المحيطة داخلياً وإقليميا ودولياً، وتأثيرها في مناخ الإنتخابات وتوقعات المستقبل..!
فالواقع السياسي العراقي القائم، سواء ما قبل الإنتخابات أو ما بعدها، له من الخصوصية والتعقيد، ما يحتم التعارض هنا أو التطابق هناك، وذلك في رسم المقدمات الأساسية لهذا الواقع، وإعادتها لجذورها التأريخية، وإستشراف طبيعة الظروف المحيطة بكل ذلك؛ ومن هنا وطبقاً لما يقال على الصعيد العام والنظري : بإن المقدمات الصحيحة  تؤدي الى نتائج صحيحة؛ إلا أن ما كان صحيحاً بالأمس، قد يكون عكسه اليوم، وكل شيء يعتمد في التحليل على خصوصية ظروفه الخاصة والعوامل المؤثرة في كينونته وتطوره. ومن هنا قد تختلف الإستنتاجات والحلول المفترضة إعتماداً لنسبية تقدير المرء، فرداً كان أم حزباً لتلك الحالة، والأمر قد يكون أكثر تعقيداً في السياسة، التي يطلق عليها في الغالب الأعم بأنها فن أو بصورة أدق؛ علم الممكن..!
ومن هنا يأتي التعقيد في التحليل، وإتخاذ الموقف الذي يمكن أن يكتسب حالة الإجماع السياسي من الواقع السياسي العراقي، وعلى الخصوص في الفترة التي أعقبت الإحتلال الأمريكي للعراق عام/2003؛ ونفسه ينسحب الأمر على الحلول ومجمل السياسة والخطاب السياسي لجميع القوى والأحزاب، ناهيك عن الأشخاص والمواطن العراقي بالذات..!
ولعل من أقرب الأمثلة على ما تقدم من قول، الموقف من المشاركة في العملية الإنتخابية ، التي جرت في السابع من آذار الجاري؛ فمن المسلم به أن يكون لتلك القوى السياسية أو الأشخاص من الذين تتسم مواقفها  بالمعارضة والرفض لمجمل العملية السياسية، أن يكون موقفها من العملية الإنتخابية متسماً بالدعوة الى عدم المشاركة بها ومطالبة المواطن العراقي بمقاطعتها، وذلك إنسجاماً مع موقفها من العملية السياسية إبتداء. وبالتالي وإنطلاقاً من المفهوم النظري للبدايات والنهايات، وطبقاً لحدوده النظرية وقناعات أصحابها، يجري التشبث بمثل ذلك الموقف، أما على صعيد الواقع، فهناك الكثير من المتغيرات ومن الفرضيات التي تستحق التأمل، مما قد تدفع بالإتجاه المغاير لما يفرضه المفهوم النظري في النتيجة.
على العكس من ذلك، هناك مواقف لقوى وأحزابٍ سياسية وأشخاص، ممن ترى بأن المشاركة في العملية الإنتخابية، هي نتيجة منطقية لمسار العملية السياسية، وأحد أهم مشترطاتها للتغيير وخاصة بعد العام/2003، وهو موقف مبني في الأساس على دعم وتأييد هذا الفريق للعملية السياسية منذ البداية، وبعضها من كان مشاركاً في التأسيس لمقدماتها قبل الإحتلال. وهنا يبدو مثل هذا الموقف أكثر براغماتيةً، قياساً للمواقف الأخرى التي وقفت مع العملية السياسية كمرحلة جديدة في التغيير، مع ما لها من أسبابها الأخرى.
وهناك من القوى السياسية والأحزاب والأشخاص، من يرى في تلك المقدمات، وبالذات منها، موقفها من الإحتلال، ما قد لا ينسجم ومنطلقاتها السياسية والفكرية، ولكنها في عين الوقت، وكأمر واقع  ومن خلال قراءة موضوعية لطبيعة ظروف العراق "الجديدة" وعلى كافة الأصعدة بعد/2003، فإنها ترى في المشاركة في هذه الإنتخابات، أحد الطرق السليمة في ظل ظروف العراق الراهنة، للإنتقال بالوطن الى حالة من الإستقرار والسلم السياسي والإجتماعي، إقتراناً بالعمل لإنهاء حالة الإحتلال، والتمهيد لإرساء مقدمات النهج الديمقراطي في الحياة السياسية والإجتماعية، ولتجنيب الوطن والشعب العراقي ويلات أكبر وأعظم مما هي عليه الآن، وهو موقف يبدو أكثر إنسجاماً مع الواقع القائم، والمزاج العام بعد إنهيار الديكتاتورية، وعلى المدى المنظور..!
وبإختصار، فإنه من نافل القول، التأكيد على ضرورة التفريق بين أمرين رئيسين بالنسبة للعملية الإنتخابية التي جرت في العراق في آذار/2010 وهما:
·      الإشتراك بالعملية الإنتخابية
·      حصيلة النتيجة التي تسفر عنها العملية الإنتخابية
ولهذين العاملين أو المعيارين في تقدير الموقف من المشاركة أو عدمها في العملية الإنتخابية التي تم إجرائها قبل أيام، أهمية إستثنائية في العمل السياسي، وفي ظل ظروف العراق اليوم، وكما أشرت فيما تقدم، تكتسب هذه الأهمية خصوصيتها الموضوعية، حيث يصبح للمعيار الأول ، إستقلاليته الهادفة الى تحديد المسار القادم للعملية السياسية، وتصبح له الأولوية النسبية من حيث الأهمية على المعيارالثاني، إرتباطاً بتلك الظروف، ومن أجل تحقيق الأهداف المتوخاة من هذه المشاركة ذاتياً وموضوعياً وبالطرق السلمية المتاحة، ومنها التبادل السلمي للسلطة؛ أما ما يتعلق بالمعيار الثاني، فإنه وإستطراداً لما تقدم، فلا يمكن في تقديري، إعتباره العامل الحاسم في تحديد الموقف من العامل الأول، وبالتالي فليس منطقياً أن تتوقف عملية الإشتراك في العملية الإنتخابية إعتماداً على توقعات إفتراضية بالفشل أو النجاح لما سوف تأت به نتائج الإنتخابات، حيث أن توقعات النتائج لها مقاييسها الخاصة، وهي أساساً تعتمد معايير إخرى غير تلك التي تعتمدها مسالة الإشتراك في العملية الإنتخابية..!

  كتب بتأريخ :  السبت 08-05-2010     عدد القراء :  3035       عدد التعليقات : 0