الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
كتابات من روايه عمرها 25 سنة ، تنشر أول مرة
الأربعاء 31-12-1969
 
نبيل تومي
العـائـم
7
    قالوا دوماً بأن أغلب الحكام من المستخدمين هراوات الشرطة والعسكر في معالجة ما يهدد وجودهم المشرعن قسراً ومن الذين يتعاملون بالقسوة دون رادع قانوني أو ألتزام أخلاقي تجاة الـمعارضيـن لـهم ،
فـيطعـنونهـم في أعـماق أعماقهم وخاصة أولئك الحاملين أفكاراً تنويرية وتغيرية  أو ذات الصفة العمومية  والعالمية ،  ولكنهـم  يـعـّون يأن هـذة الـطريقة هي الوحيدة للخلاص من معارضيهم ، رغم إنها لن تكون مجدية بل هي التي تـوّلد دوماً أناساً أكثر أرتباطاً بالقيم الأنسانية والثورية ،  وأكثر ألتزاماً وأصراراً و حماسة وخبرة وتمرساً في السلوكية ، إنهم لا يدركون أبـداً أن تلك الوسائل لا تستطيع محو الأفكار ولا تبيد المبادئ ، فقط من الممكن تأخير زمن التغير والوصول لبر الأمان ، أو من الممكن قـتـل الأفراد  والـقضاء على الأجـساد ؛ وبتالي فهذا لا يعني سوى الموت فـقط ... وحيث أن الأيمان هو الأقوى وهو ليس نـقـيـضـاً للعقل  ولا يجب أن يكون كذلك ، إذاً بأستدراك واحـد واضح يعلم الذين لا يعلمون " إن الفكر الواحد الشمولي والمتعصب يـفـرقـنا ولكن الأيمان هو وحده  يوحدنا ....."  والهدف لا يعوض عن المبادئ .
  كان كل شيئ يجعلهم غير قادرين على التركيز والأمعان فـيما هـم علية ،  لقد سمعوا الكثير وعلـّموا الأكثر عـن الأناس الذين كانوا معهم بالأمس ... وقـضوا وهم الآن وبشكل دائم فـقـط في الـذاكرة، التعذيب والأعدام والشنق والتسقيط الفض ...
ذلك كان ملاذ السلطات ، كان هناك من يحرص على تقديم العديد من الرؤوس قرباناً كالذبائح كل صباح من أجل أن ترتاح نفس القائد . يـدّس كل مائة أو أكثر في أسطبل مجهول وزنزانة مظلمة رائحتها تزكم النفوس ، كبيت قـمامة عـفـن تعبث الجرذان والفئران فيه متلذذة بدمائهم ، ولا تدخل إليه سوى أيادي الجلادين وهي تسحب الأجساد إلى المسلخ اليومي ، وكل شيئ كان يجعلهم ينتظرون متوجسين الخطر المحدق بهم ، ينهكهم الجوع .... ويستذكرون أطفال الفقراء الجائعين ، آوليس
أكل لحم القتلة والجلادين والمستغلين حلال هنا . كل شيئ هناك كان يذكرهم ؛ بتلك المآسي والأحزان وبما هم عليه الأن وأين وصل أصحاب الأتفاقات المبرمة مع فرسان الأتفاق .
  فكر البعض في أن أتفاقاً جديداً يلوح في أفق الوجود !!! أو قد تطويه الأسرار عندما تسدل ستائر الحانات الليلية على أصحابها ليباشر الذبح الليلي لأبناء الشعب المخلصين ، .... الآن  ..... الآن تستطيعون أن تتوجعوا آلماً كما شئتم ... لا خوف عليكم ،  ولا تحزنوا فإن الكثير من الأتفاقات ساقطة وتسقط دوماً ... كل هذا كان يحصل لكم حتى وأنتم في ملتقى الطرق والمصالح مع القادميين بالقطارات المشبوهة .... لقد خرجوا من زمن الوهم ....
وأنتم .... أنتم ياسادتي بقيتم متمسكين بالوهم وتحلمون بآهات المستقبل وتتزعمون حسرات الماضي الذي لن يعود ، هـّم كانوا واهـّمون ... كما أنتم دوماً .... الأن .... الآن .... أفلحوا على الأقل في أنقاذ أجسادكم من الموت والفناء ، فهراوات الشرطة وبساطيل العسكر تسحقكم سحقا... كل ذلك ممكن  ولكنهم هيهات هيهات أن يستطيعوا تفريغ كل شحناتهم السلبية في وطنكم وقتل المحبة لديكم ، كونوا موجبي الشحنات ولو لمرة واحدة فقط ، أنتم الذين لم نركم وهماً .... كنتم فينا حقيقة  ذات يوم ...  ذاك الذي فيكم ، لم يره  الناس وتحول  وهما ً ...
 لقد آمنوا بروحكم دون هواجس و إلية رحل الكثيرون بإقدام ، ولأجله قدموا الحياة دون مقابل ....  أسميتموه ( مبادئ ) والبعض يطلق عليه حقاً ومساواة عدالة  وحقائق , آخرون أسموه ماشاءوا .... والقليل القليل أطلقوا عليه سموماً قاتلة ، والبعض أسموه حجر عثرة ، وغدا كذلك ...  وللجلادين كذلك تسميات آخّر تختلف عن السابقات ؛ سمعها من تـشّرف بضيافتهم ، حين نزلت عليه  وعلى أسلافه لعنة القدر الماحق .
  كانوا واهمين إذن ، ها هم الأن يخرجون من الأوهام ، ليؤكدوا واقعهم متشبثين ببقايا عواطف آلمت بهم وجرجرتهم للتمسك بها ، ولكنهم رغم ذلك لم يكونوا أقوياء كما هي القاعدة المعروفة  دون غبار ولا لبس ، ولكن لكل قاعدة شواذ !
عواطف آلمت بهم أستحوذتهم أيضاً .... بقايا صور لرفاق أغتيلوا أمامهم ... شنقاً .... اعداماً .... تعذيبـاً وتنكيلاً يصل إلى تمني الموت  !!!  
سنون طويلة مضت وهم يعزفون على نوتـة  وأحدة لا يسمعها أحد ، ولم يكن حتى اللحن مألوفاً ( وهم يحاكون أنفسهم ويحلمون باليوم الموعود في تقاسم الأرزاق والحب يعمر القلوب والنفوس ) ، بل كان الكل يعزف على الطريقة المهزوزة 
تلك الطريقة التي كانت تبعدهم من تلقي الطعنات التي تجيئ واحدة تلو الآخرى .... ولكن من هم أولئك الذين لهم دوماً تأريخ يشهد لهم بالنجومية  والأذرع الطويلة في فنون القتل والأرهاب ، إنهم بذاتهم الأن يحاولون تبيض الصفحات السود والأوجه الكالحة ،  ولكن الوصول الى جادة الصواب والعقل هو عبث ليس ألا ،  لماذا إذاً العودة إلى الطريق المستقيم الغير سالكة  . إنهم يحاولون هذة المرة ولكن بنفس أطول من ذي قبل .... دعهم يحاولون .... كيف ذلك و أنفاسهم تتقطع من شدة الركض . بانت عوراتهم للجميع ، غـرباء الأطوار والسلوك هل من طريق آخرى  للعودة سؤال يقلقهم ويحيرّهم ليل نهار .
أحدهم أصبح كالشبح  ... نحيل مدمى واقـف في ورع وخجل مرتعباً من ذاته وكارهاً لها، لائماً نفسه أكثر الأحيان ، مشبهاً نفسه ُ بالفتاة التي سلبت عذريتها عـنوة ،  فلم يبق منها سوى الدّنس .... تخالجه بعض الظنون عند ملاقاته  الآخرين ... خوفاً من المكاشفة  ووضوح الحقيقة ، حقيقة  وجوده  وموقفه للجميع ، يعرفون حقـيقـتي أم هم جاهلون ، يعيش في الوهم  و يرفض عقله الدخول في  مناقشة ذلك الأمر وحسمه ، ولكن الذاكرة أقوى منهُ فتتعداه وتلجمه’...  ويرى تلك التعهدات الكثيرة إلتي قطعوها لبعضهم البعض في اللعبة ، في البدء لم تكن لحياتهم نغـمة فـيها ولا إيقاع ؛ كانوا يجترون الذكريات بأمان وسلام ، مما غير أمـورا ً كثيرة وأحلاماً وأمالاً بنوهـا ، حيث جعلت لهم الدروب سالكة والحياة فـيها هانئة دافـئة كدفئ جسد أمراة في الأربعين . لم يدم الأمر طويلاً مع أولئك الذين لم يروا النور بمجرد دخولهم قذارات صرف الحكومية للأجساد الآدمية في فنادق السلطات المجانية ، حيث أمتصاص الدماء فيها علانية ... لهذا كانوا يشعرون بالأسى على  أنفسهم في كل حين ،  وبعد حين يعـودون إلى أنـفـسهـم تائهين تارة وآخرى متفحصين ، يروها عبر بعض النوافذ ذات الآمل اللامشروع  والغير موثوق والمتذبذب في مسلكهـم ،  يشُعـّرهم ذاك الأمل بأنه لايعبر إلا عن إرادة واهـية وحيدة الجانب صالحة للسقـوط ، وهي العمل من أجل البقاء والمراوحة في مكانهم دون أن يتقدمـوا أية خطوة إلى الأمام ، أو قـد يمكنـّهم من عدم الخوض في أسرار الموت وينقذهم ،المهم أن يستطيعوا أبعاد ذلك الشبح عـنهم ، رغم كبر و فداحة الثمن المدفـوع ، إنهم حاولوا عمل وأضافة الكثير من أجل أبعاد شبح الموت عن أجسادهم . كان البعض منهم يندهش من أعتقاده أن الثمن كان باهضاً جداً ولا يستحق تلك النتائج ، أما الآخرون بدأت أفكارهم المشوشة إلتي صاغوها وأبدعـوا في أبتكارها مقنعين أنفسهم  بـها حيـنما كانوا يتشبثون بالحياة ويتوافـقـون مع من توافـقـوا معهم في البقاء على قيد الحياة .
  
          

الـعـائـم
8
  بدأت تتوالد الأفكار وتتكاثر ، بعد ان طال الحمل كثيراً .... وهم لا زالوا في إنتظار موعد الولادة  حتى بدت لهم عسيرة ثم وصلوا إلى درجة الشك في الحمل ، قـد يكـون كاذباً ؟ إن كان ذالك الحمل كاذباً إذاً ما جدوى الأستمرار في الحركة لديهم أخذت تلك الأفكار تتكالب عليهم وتؤرقهم ، إذ لم تفيدهم تلك البدع والأبتكارات إلتي ساقوها للناس وسّوقوا بها أنفسهم، كيف لهم أن يبّرئوا أنفسهم وذواتهم من دماء الشهداء .... دماء أصبحت تحاكمهم ليلاً ، وتجول بين أنامل وعروق أفـكارهـم نهاراً
دماء تطالـبهـم وبالضرورة ،  بالكـف عن المراوغة وجعل الحتوف على أكفـهم بخـسة ،  لدرجة أن يوضعوا في أقـفاص الأتهام يناقشونهم في ضمائرهم ،  حول الخطأ والـصواب حتى يصل الحال بهـم للأتهامهم بالخيانة جهاراً وكشعاع نور يمارس حقهُ في كشف ظلام الطرقات الدامس . عبـثاً يحاولون التهرب والخلاص من تلك الأشباح والأرواح والوجوه ، يحاولون الـهروب من الأجابة ومن المواجهة مع  أولئك القـضاة والمـجنى عليهم على الدوام ، ولكن هل من سبيل إلى   الخلاص والأفـلات من شباكـهم . لأن أصابع الأتهام أضحت كالحبل  تدور حول أعناقهم وإن الأمور آخذة في التعـقـيد أمام سـبلهم  حيـث لا طريـق للنـجاة فمراكبهم غارقـة لا محالة . إنهم ليسوا آمنين على حياتهم فهيأوا أكفانهم ، خشية ألا يحصـلوا عليها في مماتهم ... سؤال إعتادوا طرحه مفادة .....  ما العمل ؟
صوت أنطلق من داخلهم يقول :- دعوهم وشأنهم لقد قضى الأمر وولى زمن النضال .... وصرفت عن أذهانهم إدوار الفروسية وأخلاقـها ،  حيث لامبارزة في الأخـلاق ولا بطيخ ،  ولم تعد خصائص الوطنية وخصالها ومـبادئها تبرز ألا في  الكتب والأوراق العـتيـقة ، ويضيف السوط ...  دعـوهـم فالـتفـاني من أجلها قـد أضحى من الزمن الماضي ؛  دعـوهـم يتفانون من أجل العيش ، لأن القـضاة هـم الـمجنى علـيهـم ، لم يموتوا بعد ، إنهـم يلاحقونهـم على الدوام ، تراهـم في دواخلهـم وبين كراريسهـم ،  وأوراقهم القديمة وبين خلايا عـقـولهم ، وكالدماء تجري في شرايينهم ، أتعلمون إنهم أصبحوا طنيناً متـّسقاً ينصب متشعباً في روحهم يهزأ بهـم يغور عـميقاً في رؤوسهم بدون أنفكاك من أعلى قـمة جباهـهم إلى أخمص أقدامهم .
بدت جميع الدفاعات والمرافعات والمحاكمات خـديعـة ، وكأنهم كانوا قـد هيأوا لأنفسهم النتائج والأجابات لكل تلك الأسئلة إلتي  تنتظر التفسيرات ....  للسائرين في مواكب الشهادة أمام أعينهـم . كم أصبحوا صغاراً  و واطئين  ولاقـيمة لهـم ، حتى الخجل أحمر وجههُ منهـم ، دموعـهم راحت تنساب من شدة الـقـيئ  الذي تشعر به  نفـوسهم ، ومن  شـدة التخـمة في القـتـل  وسوء هـضم  الأفكار والمبادئ ....  ما أسفـلهم  آي طور هذا الذي هـم فـيه الآن !!!
ها هم قـد وصلوا إلى أستنتاج  بأنهم خونة كذلك ....  ينتابهـم شعور بالمذلة أمام صمود ووقـفة الرجال في سجون الأرهاب الدامي والتنكيل الحر ، والغريب إنهم كثيراً ما كانوا يعاودون النـظر في الأيام التي أنقـضت ، ويمنون أنفسهم فـيما لو دخلوا البحر مغامرين فاتحين بلداناً وتخوما وحضارات بمراكبهم التي لا تصلح لعبور نهر صغير فكيف بهم يمخرون عباب  محيط العالم السياسي المنحرف والغويط ، بجريدة ومنشور لا يصل باب الدار، كانوا واثقـين أن الطريق  ليست  بالورد والرياحين مفروشة ،  وهكذا طريق تحتاج  إلي رجال محترفـين وبصلابة الحديد يكون إيمانهم .

   جلسوا بعيدين عن الأنظار يتناقشون في ما يحصل وما يجري داخل السجون ذات الزنازين الضيقة والممتلئة أجساداً أدمية ، كما ناقشوا ما يجري خارج السجون ، وما تستخدمه ُ السلطات من طرق بشعة  في الترهيب  تارة  والترغيب آخرى و إجبار البعض على السقوط في شباكهـم عـنـوة ، وتصفـية الآخرين بمخـتـلف الأشكال . أما المهمة الأساسية في جلساتهـم فـهي حول أولئك الرجال من  أصحاب المبادئ  والألـتـزام ،  من الـمـتمرسين بها زمناً طويلاً ،  فـهـل يا ترى تسقـطهـم الأخـتـبارات ؟  إنها فـعلاً إختبارات صعبة ومفـروضة عليهم فـرضاً . من المفـروض أن يكونوا قـد أستعـدوا لها مسبـقاً ، وأن يتحلوا بالعزم والإرادة ؛ تلك الإرادة التي يفـتقـدها الآخرون ذوو التاريخ العريق والكبير في التحدي والمجابهة والنضال وكيفـية الصمـود إمام حبل المشـنـقـة بكل وعي ودراية .... ولكن أين لمثل هـذه الفاشية الجديدة المنفـلتة العـقـال والتي لم يحسبوا لها أن تكون بهـذه السطوة والعنف  والشراسة ، ما كانوا ليظنوا يوماً أن لمثـلهم سيقع في شراكها وأن يكونوا من ضحاياها . علهم  يتهـيـبون بعض الشيئ مـنها خجلاً ،  وهي تؤثر عليهم سلباً . إن ما يستخدم ضـد قـوى الخير و والتنويرية ، والثورية منها بالذات في هـذا البلد أو ذاك ، و الذي إن جمعته  يسمى  بالوطن الكبير الممتلئ بكل أشكال العبث والتسلط والقهر،  طرق ومسالك كثيرة دخلها الـموت مـنـذ  أزمان يعـيدة ، البعض مـنهـم  ما يزالون يعيدون نفـس الأساليب والدروس التي تلقـوها من أسلافـهـم النازيين والفـرانكويين ومختـلف أعـمدة القـتل والتعذيب والمجون ضد الشعوب والأنسانية ، إنهم  يعـيـدون الأساليب ذاتها في قهر الشعوب  و إذلالـها وترويضها، بل هم أكثر تشدداً في تطبيقهـا ويتفـننون فـي تنفيذها ببراعة وإتـقـان ....  
   في هذا الوطن المسمى الكبير؛  يتقـن الحرفـيون  صناعة السلاسل والأغلال ؛ وتوابيت الموتى ... في هذا الوطن !!!! وفي هذا الوطن بالذات يتفـننون في صب قوالب الممنوعات على رقاب الحريات ومفاتيح الديمقـراطيات ،  تلك التي تحتاج إلى أنواع كثيرة من الغواصين والغواصات للبحت والتنقـيب عن أسرار عـقـول مبتكريها . طالت أحاديثهـم لساعات وأيام ولمرات عديدة وتفاخر الكثيرون وتباروا في طرح الأمثلة الحية والمـيتة على تجاربـهم وتجارب الآخريين ؛ كل ذلك من أجل أستخلاص العبر والحكمة وتعلم التجربة علها تفـيدهم في قادم الأيام والمستقـبل إن وجـد هناك مستقـبل .
 - أتعتقدون أن ما يجري الآن للبعض من الوطنيين والمثقـفـين من أهـتزازات  وتذبذبات في المواقـف أمر غير طبيعي بينما هو نتيجة طبيعيه للإرهاب وللتعذيب الوحشي الواقع عليهم ؟ ورغم ان هذا يلعب  دوراً سلبياً كبيراً في غالب الأحيان .
سأل أحدهم وكان جلساً في ركن قريب من كوة صغيرة  في غرفتهم الحقيرة ، وهـو متكـئ على نصف منضدة  ، ماسك فـكهُ بين راحة  يديه وعلامات الحيرة والتعجب ظاهرة على وجهه  ..... !!!
  - ماذا تقول أيها العزيز ... أين تكمن الإرادة والتصمـيم ؟  أين أضحى الكلام الذي كان دوماً يتردد في كل المحافـل والتنظيمات ؟  أيعقـل أن يشفي طبيب مرضاه  إن كان هو عليلُ ؟  أسمحوا لي ببعض الكلمات ... وأريد أن أفصح عن رأي
بأعتقادي أنهُ ما يجري لبعض المهزوزين ومن عـديمي الإرادة و قـلة الخـبرة ؛ هـو نتيجة فـعـلية وطبيعية لعدم تمرسهم في هكذا أفعال ، ولضعف صلابتهـم ، ولشناعة الضغوط المختلفة التي تمارس عليهم ، وعلى الرغم من ذلك يوجد أشياء آخرى كثيرة أتخوف منها وأتوجس منها الشر ولكنني لا أفـهـمها ،  راجياً ألا تكون هي سمة السياسيين لهذا العصر ......  
 

     

العـائـم
9
  في بلدان كثيرة قد تحصل فيها إخفاقات ، نتيجة قصر النظر في مدى فهم البعد الأجتماعي والأيد يولوجي ، وأيضاً في عدم إمكانية بعض القيادات من إتخاذ المواقف الأيجابية الواضحة والصائبة ....  سهلة تفـهـمها الجـماهـير وعـموم الشعب  تجاه السلطات في بلـدانهـم .... إن هذا العصر متـقـدم  ومتطور جداً في نواحي عـدة ، والتكنلوجيا الحديثة دخلت الى أغلب ميادين الحياة والنشاطات البشرية وفي أغلب الأقاليم ومختلف البلدان ، وبعد كل هذا هل لي أن أطلق سمة جديدة  لممارسي السياسة من قادة هذا الزمان في عالمنا المسمى بالعالم الثالث أسميهم بـ ( القـوارض ) .
  إنهم سوف ينعـمـون بالحياة على حساب جسد المبادئ  ويسجلون على هوامش التأريخ في الأدعائات الفارغة على
 الحساب الشهداء منا شهداء تاريخ النضال الطويل ؛ اولئك الذين وهـبوا حياتهـم بكل شرف وعزة وبـمـنـتـهى الأمـانة والأخلاص مـن أجل أن يجعـلوا قـضـية  شعـوبهـم المـستـَغـلة  قـضـية حـياتهـم .
  أود أن أسوق ألـيكم مـثلاً عـن أحد اولائك السياسيين الـمهـزوزين والذي سقط آخيراً، إنه شخصية معـروفة جداً لدى الكثير مـنا؛ على أنهُ الشخـص الـذي يمكن الأعتـماد عـلـيه .... ذو  وعي رفـيع ومدارك واسعة ، وله إمكانات  في تحـلـيل الأمور وأستنتاجـها، ومـتمـكن في أتخاذ ما يـلـزم من الحـلـول لأمـتلاكه الحـزم والحذاقـة في التصرف والحكمه في التعامل مع الحدث، ومن صفاته الآخرى أمكانات في إرشاد الكـثيريين وتنظـيمهـم وتسليحهم بالثقافة والمعـرفة في الكثير من المسائل السياسية والأجتماعية والأيديولوجية وحتى الأقتصادية منها ، ولكن في التجربة الأولى والحـقـيـقـية له مع ازلام السلطة وقع فريسة سهلة ....  بحيث جرد نفـسه من كل القـيم والأخلا ق بسبـب كثرة الرعـب الذي أدخل في قلبه وشدة التعذيب الجسدي والنفـسي الذي مـورس ضده ، حتى أصبح أكثر سقـوطاً ونزولاً إلى الحضيض من الجلادين أنفـسهـم ؛ والسؤال هو كيف وقع هذا ؟ لا جواب لي .
-  المعروف ان المهزوز كما نعته’ رفاقه في الزنزانة وهـم في أحلك الظروف وأقساها، كان هو الشخصية الثالثة  من حيث الأهمية في المسؤولية ،  ويحكي الصديق الذي كان مسجوناً مع المهزوز، عن موقـف أحد المناضلين الحـقـيقـيـين والذي عكس وبقـوة شديده الإرادة الصلـبة والعزيمة القـوية والتفـاني اللامحدود بأصراره على عـدم الخضوع  أو الخنوع ورفض الـتـنازل أو التـخاذل بالمطلق ....  ولكن بالـنـتـيـجة  فـقـد حياته أمام أنظار الجـمـيع . هـذا مـما جعلهم لا يستطيعون نسيانهُ  ونسيان مـوقـفه’ البطولي ، حينما تـقـدم بخطوات ثابته ، وبعـلم وحكمة نحـو الـمـوت المـحـتـم؛ أضف الى ذلك بأنه’ تمثل لهـم كأسطورة عـظيمة ناصعة البياض ليس فيها شائبة ، ولا تمـحى من الذاكرة أبداً ....
-  دعـوني أروي لكم عن كيـفـية ألـقاء القـبـض عـليه ِ  وبالضبط كما رواها لي صديق كان نزيل معهُ في زنزانة وأحدة  ...
 في أحد الأيام أقـتيد سجين جديد الى العنبر، وهذه العمليه كانت طبيعية بالنسبة  لنا حـيث تتكرر بأستمرار ،  وهي زيادة أعـداد الوافدين إلى الزنازين وبشكل دائم ، ... هـذه المرة فـتح  باب الزنزانة  بغضب وعنف شديدين ، ثم ألقي بسجين مدمى نحو الداخل ، وهـو في حالة يرثى لها كان مغماً عليه . وخلفه  ألقـوا بسترته  عـند قـدميه ، ثم رحلوا بعـد قـفـل الباب بإحكام وهـم يتوعـدوننا جـميعاً بالمـصير المـحتـوم ذاته .  كان بملابس رثة ممزقة تيبست الدماء عليه وظهرت كبقع سوداء داكنة  كانت حول عـنقـة بقايا شيئ من ربطة عـنق ما زالت معـلقة ، أحساسنا كان ينبؤنا بأنه قـد يكون مـوظـفاً في الدولة أو  أنهُ  أستاذا جامعياً ...  ليس مهـم ؟ لم يتحرك أحدا منا نحـوه ، إلا بعد التيقـن من أن الجلادين قد غادروا وأبتعدوا عن المكان تـماماً ؛  مرت العـديد من الدقـائق الـثقـيلة ، وكان الـقـلـق والحـذر يلازم الجـميع  تحرك إثنان من المعـتـقـلـيـن ببطء  نحو المـغـمى عـليه  وسحـبـوه  إلى الداخل لمـده بالـعـون  والمساعـدة الازمة ... مرّ الوقـت الضائع ... استيقـظ  الرجل ودار بوجه يـمـيـناً ثم  شمالاً ،  وألقى من خلال فـتحة صغـيرة مـتبـقـية من عـينيه  نظرة يرثى لها، رغـم ذلك ابتسم أبتسامة  صغـيرة  تـنـم عـن الأمـتـنان والشـكـر لمـن حـوله .... قـام أحـدهـم بمساعـدته لكي يتكئ على الحائط  لينال قـسطاً من الـراحة ، قـَدم  سجين ثالـث قـلـيلاً من الماء  له  وأكـرمه  بسيجارة  وطنية .... تـزايدت آلامه ولـم يستطع الأستمرار في الجلوس أو التحدث والمـجاملة ، رأودته  نوبة  الآلام  ورغـبة  في الـنوم ،  ودون وعـي مـنه دخل في  سبات عميق أستـمـر على ذاك الحال إلى ما بعـد ظهـر الـيـوم الـتالي أيقـظه السجـناء من أجل أن يشاركهـم العـشاء ......  جلس طاوياً قـدميه  واضعـا رأسه المـتـصدع  بـين يديه وهو يتأوه  من آلامه والحاله التي كان فـيـها، ومـن ثم فـتح عـينيه على صرخات الحرس الذين أمـطروهم بـوابل من الـشتائـم .
  أبتسم السجناء وسألوه عن حاله وإن كان بمستطاعـة مـشاركتهـم في تناول الأكل المـقـرر لهـم من كبير السجانيين ....!! نظر نحوهم وطلب الماء ، شرب الكثير منهُ وتمنى لو أنهُ يستطيع أن يشرب أكثر، و كان يملك شعوراً بالعطش المزمن منذ  زمن بعيد حيث  بوده الوصول إلى الماء لكنه توقف وخانتهُ قواه .... أسنده رفاقهُ ووصل إلى الماء ... ثم غسل وجههُ  و وضع رأسه تحت الماء الذي تغير لونهُ الى الأحمر نتيجة ذوبان الدم المتخثر من أثار الجراح التي آلمت به من رحلة الأمس وقسوته ، استطاع الوقوف على قدميه دون أن تخونهُ قدماه ، نظر إلى من آلتف حوله ورفع نظره إلى الجدران حدق كثيرا في  المكان كأن هذا المكان  مألوفاً لديه ، و هذا ليس بغريب  فقد زاره  في السابق . ثم أن لا فرق بين هذه الزنزانة والزنازين الاخرى في السجون المخنلفة الأماكن متشابه في الخصال  حول نظره إلى رفاقه بعينيين متسائلتين وكأنهُ يريد القول .... ( أنني أعرفكم فهل تتذكرونني ) . أبتسم مع نفسه آخيراً ثم وجه أليهم كلامهُ  متهكماً....
-     لقاء جيد وجميل ، وأستقبال أجود في مكان ما كنا نتوقعه وفي ظروف أخطأتها حساباتنا  .
+    لا عليك نحن جميعاً معك ومثلك .... !!
     كان يحاول التماسك والنهوض ولكن بصعوبة ، أستند على أحد رفاقه بعد أستراحة قصيرة ... طالباً منه قيادته إلى أحدى الزوايا المنسية من تلك الزنزانة . عـند الطرف الآخر منها كان عـدد من السجناء يغسلون أرضية الزنزانة  من الأتربة والغبار بالأضافة إلى  حرارة الجو الملتهبة ، حيث أعتادوا على القيام بهذا العمل يومياً من أجل ترطيب أرضية الزنزانة . جلسا... في تلك الزاوية ليتبادلا الحديث ...
-    أحك ِ لي أيها الغالي عن قصة أعتقالك كيف تمت ... أجابهُ السجين الجديد بعد تنهيدة طويله وتمعن قائلاً
يا عزيزي أنها لمهزلة حقيقية هذه إلتي عملها معي الجبناء ، وعلى أثرها أقتادوني إلى هذا المكان المنسّي ؛ قبل كل شيئ كانت أجازتي السنويه على وشك البدء ، ومن المفترض المباشرة بها بعد يوم أعتقالي ، وهذا كله ُ من حظيّ العاثر ، لأنني كنت قد رتبت الأمور من كل النواحي لأجازة طويلة جداً (أعني الهرب ) إلى آي مكان آمن ... وربما يكون خارج الوطن إن تعذر في الداخل ، وكل شيئ كانت تحدده  الظروف . أقترب منهم السجين الثالث وجلس بالقرب منهم مشكلاً نصف دائرة وهمس لهم محذراً، بأن خفض صوتهم لكي لا يسمعهم الاوباش . شكروه على ذلك وأستمروا في الحديث ....
كنت في عملي المعتاد ؛ متفقداُ سير الأعمال في المشروع الذي أنتدبتُ عليه ِ كمهندس ، وإذا بساعي المدير العام يبلغني بالحضور إلى مكتبه فوراً ..... فاجبته بأنني قادم حال ما أنهي بعض الأستشارات ، كانت حينها الساعة تشير إلى التاسعة صباحـاً .... كان نهاراً مشمساً وضاء ؛ أمتلأت فيه حيوية ونشـاط معززاً تواجدي وحضوري بالعمل الجاد ملتزماً به ، رغم أن أبنتي الصغيرة كان قد آلم بها مرض ، مما حدا  بوالدتها أن تذهب بها إلى المستشفى لأجل علاجها .... وما كنتُ أعرف النتائج وكان مصيرها مجهولا بالنسبة لي كمصير الوطن المريض .
طرقت ُ باب المدير طرقات غريبة وكأنني أعرف ماذا سيكون ... آذن لي بالدخول فوراً .... ما زال الشرود يراودني على أبنتي ومصيرها ، معتقداً أن زوجتي قـد أتصلت به ليأذن لي بمرافقتها أو لتعلمني عن حالة أبنتي الصحية .
+  صباح الخير .... كيف حالك ...؟
-  صباح النور ياأستاذ الحمد لله .... شكراً لك 
قطع شكي باليقين حين أردف قائلاً
+ آ ... آ ...  هـا هـا هنالك ثمة شخص في الأستعلامات يسأل عنك ، وأظن أنهُ صديق شخصي لك ... حسب ما قيل لي  وأعتقد أنهُ على عجل من آمره وقد جاءك لأمر هام وخاص بك ....
   نظرت أليه محدقاً وكان على غير عادته ، أختفت بشاشتهُ ومرحهُ وأبتسامته المعتاده والجميلة الماكرة حين نلتقي وكانت تظهر علية إمارات الأنزعاج والجدّية .... أحسـستُ حينـها بأنهُ وقع لا سمح الله شيئ لأبنتي ....
-  صديـق ... وتـحت ياأستاذ هذا أمرغريب أنا لا يزورني أصدقاء أثناء الدوام ... إذاً لا بد أن يكون قـد وقع شيئ مكروه . قاطعني المدير ملوحاً لي بإصبعه قائلاً ...
+  المهم هذا الذي حصل ، أذهب وتقصّ  الآمر بنفسك ، ثم عـدّ لي لتطمئنني عـن حال أبنتك
- نعم ... نعم ... قلتها بأقـتضاب ، أني ذاهب فوراً ....  ولن ينال التأخير مني ، شكراً لك .
خرجت مسرع الخطى بأتجاه غرفة الأستعلامات ، وتنتابني الهواجس ، وفي الذات توجسـاً غطته أفكار مقلقة ...
أضطربت منها لكثرة تشابك مختلف التكهنات ... إجتمعت كـّـلها في رأسي وفي محصلة واحدة ذات سرعة  متناهية دفعتني إلى الجدار والأمساك به لكي لا أسقط على الأرض ، وفي الثانيه شددت بها على رأسي الذي كاد أن ينفجر من القلق ، وحينها شعرت أن قدميّ  ما لا تستطيعان تحمل جسدي المرتعش الذي أنضمت إليه قدماي . كان أحساسـاً غـريبـاً ورغبة جامحة في الوصول الفوري الى تلك الغرفة اللعينة . وفي ذات اللحظة كان بودي أن أحلق فوراً وأصل إلى حيث أبنتي لأمتع ناظري بها ، كان عليّ التماسك بقدر المستطاع والوصول برباطة جأش متحملاً أعباء تخيلاتي الكثيرة والسوداوية . آخيراً وصلت الطابق الأرضي وتوجهت مهرولا ً ا لغرفة ذات اليافطة المكتوبة ( الأستعلانات ) . 

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
الحكم بالسجن 15 سنة لعميد كلية الحاسوب في جامعة البصرة
سكان قرية كوردية يتحدون للتخلص من كهرباء المولدات نحو الطاقة البديلة
حدث غير مسبوق في السعودية.. عرض أزياء بملابس البحر في فعاليات "أسبوع الموضة في البحر الأحمر"
بعد إخفاقه بانتخاب رئيسه.. الكتل البرلمانية تناقش تأجيل الجلسة والاستعانة بالمحكمة الاتحادية
الهجرة "عمود فقري" للاقتصاد الأميركي رغم الخطاب المناهض لها
قتال عنيف في رفح بعد دخول أول شحنة مساعدات عبر الميناء العائم
من العراق إلى غزة.. طبيب أمريكي يطلق نداءً من خان يونس: أوقفوا الحرب
في اربعينية كوكب 12 ايار/مايس هذا النص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
كفة رئيس البرلمان تنحرف داخل الإطار لصالح مرشح المالكي محمود المشهداني
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة