مؤخرا انسحب رئيس الاساقفة دزموند توتو الحائز على جائزة نوبل من احد المؤتمرات بسبب حضور رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي تسلم اجورا طائلة عن حضوره بعكس توتو. حينها استشهد توتو بالمعاناة التي سببتها حرب العراق الثانية و دعا الى مقاضاة بلير والرئيس الاميركي السابق جورج بوش
و غيرهما من القادة كمجرمي حرب ..." المسؤولون عن هذه المعاناة و عن ازهاق الارواح في العراق يجب ان يعاملوا بمثل ما عومل به بعض الزعماء الافارقة و الاسيويين الذين حوكموا عن افعالهم في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي" .
لقد قارن توتو بوش و بلير بوحوش مثل الجنرال الصربي راتكو ملاديك، و الرئيس السوداني عمر البشير، و سيف الاسلام ابن معمر القذافي .
توتو محق في ان حرب العراق الثانية كانت مأساة الا انها مسألة تتعلق بالنوايا، و مع اني معجب بحق برئيس الاساقفة توتو كواحد من اعظم زعماء القيم الاخلاقية في عصرنا الا اني لا اتفق معه – مع احترامي الشديد – بخصوص بوش و بلير و لا اعتبرهما مجرمين. المأساة الناجمة عن تصرفات فردية تستدعي الأسف لكنها ليست جريمة بحد ذاتها. النوايا و ليست الافعال هي التي تصم الفرد بالمذنب " الفعل لا يجعل الفرد مذنبا ما لم يكن الفكر مذنبا ايضا ". بوش و بلير كانت لهما اسباب شرعية في القلق بشأن العراق، اذ كان صدام حسين مجرما جماعيا حيث هاجم ثلاثة بلدان مجاورة، و حاول مرارا اكتساب اسلحة دمار شامل، كما انه ممقوت من شعبه بسبب قساوته، و فشل في التعاون مع مفتشي الاسلحة المفوضين من الامم المتحدة. قرارات عديدة للامم المتحدة دانت قيادة صدام، بالاضافة الى ان جميع الدول المحاددة للعراق لم تدعم صدام او تتفق معه . ثم عندما دخلت قوات التحالف العراق اول مرة تم الترحيب بهم كمحررين .
مع ذلك فقد فشلت حرب العراق الثانية فشلا ذريعا، فقوات التحالف اغضبت الشعب العراقي و شعوب الشرق الاوسط، و اساءت ادارة الاحتلال ، و قتلت – الى جانب الحرب الاهلية التي تأججت – اكثر من مئة الف من المدنيين و 4500 من قوات التحالف، و كلفت اكثر من تريليون دولار . كانت نتيجة تلك المعاناة التي لا يمكن تصديقها هي استبدال الحكومة الشمولية المعادية لإيران بحكومة استبدادية موالية لإيران و معادية للغرب . استطلاعات الرأي الاخيرة تبين ان 65 % من العراقيين يعتقدون بانهم افضل حالا اليوم او بأقل تقدير كما كانوا في عهد صدام. اتحدى اي شخص ان يذكر لي نتيجة ايجابية واحدة لحرب العراق الثانية سواء للولايات المتحدة او للمملكة المتحدة او للعراق . السياسة التي كلفت كل هذه الاموال و تسببت في هذا العدد من الضحايا و لم يستفد منها غير ايران، لم تدرها عقول اجرامية – و انما سوء ادارة مهرجين غير كفوئين. رغم هذا الفشل المذهل فقد تم تعيين بلير عضوا في هيئة التدريس المرموقة في جامعة ييل ، و يتلقى مبلغ 500 الف دولار عن كل حديث يشارك فيه . غالبا ما يواجه القادة مشكلة اتخاذ القرارات الصعبة في ظل عدم توفر الكثير من المعلومات و بوقت محدود. يجب ان نقوم بتجريم الاخطاء و الفشل، الا ان ذلك لا يعني ان نكافأ عدم الكفاءة . اني معجب برئيس الاساقفة توتو لانسحابه من المؤتمر من اجل تسليط الضوء علنا على جنون مكافأة بلير .
بلير ليس مجرما، لكن من أجل الحشمة و احترام النفس فعليه ان يتبرع بأجور الحديث للجمعيات الخيرية و لمساعدة الذين تضرروا من سياساته. أخلاقيا تعود تلك الاموال للاشخاص الذين دمرت حياتهم في العراق .