الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
دخلت مفرداتها التاريخ الاجتماعي العراقي صرائف العاصمة أيام زمان
السبت 06-10-2012
 
فاخر الداغري

الصرائف مفردها صريفة وهي ابنية سكنية مادتها من القصب مستطيلة الشكل طولها من (5-6) امتار مسقوفة بحزم من القصب تسمى (الضلوع)، وهي تشبه القفص الصدري من حيث الهيئة وتوضع على جذع نخل يسمى (الهردي) وبالانحدار نحو الاسفل على شكل رقم (8) توضع فوقها البواري بطبقتين على الاقل لكيلا يخترقها المطر.

والبواري جمع بارية وهي حصيرة سفت من القصب بعد ان ينقع في الماء لفترة معينة ثم يهشم على شكل شرائح تسمى الواحدة منها سفيفة ثم تحاك وتنسج.

يبطن داخل الصريفة بالبواري بعد ان توضع عليها مسانيد من القصب المقشر بمعدل قصبتين او ثلاث لكل مسند.

اما اللجوء الى السكن في بيوت القصب في جنوب العراق فهو بسبب الفقر المدقع والايغال في الفاقة والحرمان من نعم الحياة ،وهي المادة المتوفرة في اهوار الجنوب والتي تنبت تلقائياً.

وكانت دوائر النفوس تمنح هوية احوال مدنية تسمى (جنسية) شكلها مستطيل ومن فقراتها المتعددة (نوع المسكن) ، وحين يكون صاحب الطلب فلاحاً يكتب في هذه الفقرة (صريفة) وبذا تكون الصريفة قد دخلت في جزء من التاريخ الاجتماعي للعراق.

وقد تعرض العراق الى حصار اقتصادي بسبب الحرب العالمية الثانية فصار منح هذه (الجناسي) الزامياً لمن يريد الحصول على السكر والشاي والقماش الرديء ، واكثره كان من نوع (خام الشام) ، ويسمى في الجنوب (السواحل) في ايماءة لرداءته.

وكانت بعض العوائل تصبغه باللون الذي ترغبه وتلبسه الى نسائها كمعالجة لحالة الفقر التي تعانيها.

وقد ارخ الشاعر الشعبي حالة طلب منح (الجنسية) يوم غنى حضيري ابو عزيز

عمي يا بو التموين دمضي العريضة

والحلوه على الجاي طاحت مريضة

اما السبب لوجود الصرائف في اطراف بغداد في حينه من الكرخ والرصافة فله علاقة مباشرة بظهور الاقطاع بعد الاحتلال الانكليزي للعراق عام 1917 ، ويفيد الاديب بكر مصطفى سالم في كراسه (الصرائف في بغداد) الصادر عن مطبعة الراحل الشطري في المتنبي عام 2005 ما نصه :

 (وكان النظام العشائري في العراق قبل ذلك نظاماً ابوياً ، حيث يعتبر شيخ العشيرة حاميها كما هو رئيسها المطاع لكن اغراءات الترف والاستمتاع بمباهج الحياة هو الذي هيأه الانكليز اولاً من خلال عزل الشيخ عن عشيرته حيث سكن القصور في المدن ، وصار نائباً وعيناً في مجلسي النواب والاعيان ، وجلس في جلسات انس خاصة مع الغانيات والمطربات واشرقت شمس الحميا بين اعماقه. الامر الذي حول سلطته الابوية الى سلطة رئاسية متعسفة حيث ملّكته الحكومة بموجب قانوني (الارض المفوظة بالطابو والاراضي الممنوحة باللزمة ، وهي اصلاً اراضي زراعية اميرية عائدة للدولة.

هذه الاراضي الزراعية الاميرية كانت مساحاتها شاسعة في لوائي الكوت والعمارة اذ جاء في الاحصاءات ان (272) ملاّكاً يمتلكون (6) ملايين دونم ، وكانت الاراضي الزراعية المؤجرة الى الاقطاعيين والشيوخ في لواء العمارة وحده يتصرف بها (171) ملاّكاً ، وتبلغ مساحتها (3.500.000) ملايين دونم وسبعة اقطاعيين من اصل (171) ملاّكاً يمتلكون مساحات تتراوح بين (110) الف دونم الى (400) الف دونم.

اما في لواء الكوت وعن الاستاذ محمد حسن الصوري في كتابه (عن الاقطاع في لواءالكوت) ان الشيخ محمد الحبيب يمتلك (211.316) الف دونم ممنوحة باللزمة عدا المفوظة بالطابو والمملوكة ملكاً صرفاً.

ازاء هذه الملكيات الشاسعة كانت الحصيلة غنى فاحشاً وفقراً مدقعاً ظل الفلاح من خلاله يدور في فلك الاقطاعي وهو يشبعه ذلاً وقهراً طبقياً واستغلالاً وتراكم الديون وتأجيلها للسنة القادمة وكان بيتا المقدمة ابلغ تعبير عن هذه الحالة التي هي اكثر من مزرية واكثر تراجيدية في حياة الفلاح.

وللراحل احمد الصافي النجفي قول بليغ في هذا الصدد.

رفقاً بنفسك ايها الفلاح

تسعى وسعيك ليس فيه فلاح

وللراحل حافظ ابراهيم ترجمة وجدانية بهذا المعنى.

ايشتكي الفقرَ غادينا ورائحنا

ونحن نمشي على ارض من الذهب

هذا الواقع التراجيدي دفع الفلاح للاستدانة ثانية وثالثة الامر الذي كان يضطره الى بيع حصته سلفاً (البيع على الاخضر) لقاء تزويده بالشاي والسكر وبعض الاقمشة.

وحين يبلغ السيل الزبى تسقط كل الامال في صحاري اليأس فيزمع على الهجرة الى بغداد اعتقاداً مسبقاً منه ان بغداد هي العاصمة وفرص العمل متوفرة فيها، وهذا ما كان حيث هاجرت مجاميع كثيرة من ريف العمارة الى بغداد وتوفرت لهم اعمال خدمية في الفنادق والمطاعم والمقاهي ومساطر البناء بانتظار المقاول محسن ليحسن عليه في شموله بوجبة العمال التي يختارها.

وقد نجم عن هذه الهجرة القسرية امتداد الصرائف كبيوت للسكن في اماكن عديدة من بغداد الكرخ والرصافة حيث هرب ساكنوها من ظلم الشيوخ والاقطاعيين والسراكيل الذين تعاملوا بالعنف والتجرد من القيم الانسانية  فغطت صرائف العاصمة) مساحات كبيرة من الاراضي المنخفضة حيث المياه الاسنة والحشرات والمستنقعات وتجمع المهاجرون خلف السدة الشرقية التي اقيمت لدرء خطر فيضان (دجلة الخير).

وفي الكرخ كانت اطراف كرادة مريم (الشاكرية) هي (المنتجع السياحي!) الذي اوت اليه الاعداد الفقيرة وهي تتضور جوعاً وتعاني حرماناً وتعاني ضمئاً الى تناول ما يسد الرمق ويعوضها عن حالات الالتياع والارهاب وسلاسل الحديد التي كانت في مؤخرة مضايف الشيوخ للتهديد والوعيد والتكبيل بها حين يكون الفلاح مخطئاً في نظر الاقطاعي.

سكنت هذه الجموع خلف السدة الشرقية (العاصمة) وفي الشاكرية ولسان حالها

ويكدح الف الى – واحد –

يمص الدماء – ولم يشبع

ويجري له (التريث والرفدان)

حياة – البلاد – فلم تضع

الصباح

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
صراع الممرات: طريق التنمية من منظور تاريخي وباب التعاون بين بغداد وانقرة
"النجباء" توعدت بالانتقام وفصائل عراقية تقصف إيلات
اللجنة الثقافية في الاتحاد الديمقراطي في كاليفورنيا تضيّف الدكتور سلام يوسف في (قراءات في ملحمة كلكامش)
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة