الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
حكايات مكتومة منذ 1948
الإثنين 26-11-2012
 

تبادر «العالم» بنشر كتاب الباحثة الألمانية نادية صادق العلي، «عراقيات: حكايات مكتومة منذ 1948» الذي صدر بالانكليزية في العام 2007، وترجم في ثقافات اخرى.

جمعت نادية العلي حكايات عن الحياة العامة في العراق منذ 1948 حتى 2007 من شفاه عراقيات يعشن في خارج العراق. إنها حكايات تاريخ شفاهي على لسان عراقيات من خلفيات دينية وأثنية وتعليمية متنوعة.

الحلقة الخمسون

نادية صادق العلي

أعادها إلى العربية فالح حسن فزع

في وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم، انضمت الينا فوزية. كان الأسى باديا بوضوح على حمدية فبكت. وحدثتني عن بعض من ذكرياتها المرة بخصوص احمد، التي كانت ما تزال تحبه. حاولت فوزية تهدئتها، فعانقتها وقالت لها: "اختي الحبيبة، على الاقل انت تعرفين معنى الحب." وصارت فوزية تبكي ايضا، وترددت برهة في كتم مشاعرها، فراحت تتأكد من انشغال الاطفال بمشاهدة التلفزيون، قبل ان تخبرني همسا عن زواجها الذي لا حب فيه: "لم لم أر حسن أبدا قبل زواجي به. عمتي أرته صورتي عندما كان قادما الى العراق في زيارة. كان متزوجا لمدة خمس وعشرين سنة، لديه ثلاثة اطفال وكان يعيش بين عمان ولندن. كانت زوجته مريضة واراد زوجة شابة." فقاطعتها حمدية "زوجة حلوة!"

الزيجات المرتبة، وهي غالبا ما تكون متعددة الزوجات، برجال كبار في السن، وأحيانا من مغتربين، اصبح ظاهرة شائعة خلال التسعينيات. فقبل الحرب العراقية ـ الايرانية، كان تعدد الزوجات نادرا للغاية، ومحدد كثيرا ببعض المجتمعات العشائرية وزيجات لم تثمر عن ولد، وامر مستنكر كثيرا. واذكر نكات ومضايقات تحملها احد ابنا عمومتي لأنه الوحيد في عائلتي ومحيط الجيران والاصدقاء الذي تزوج بامرأتين. فعمي المرحوم علي التقى بزوجته الثانية، وهي لبنانية، عندما كان في اجازة ببيروت في صيف بأواخر الستينيات. وما كان يجعل عمي سببا للتندر والمزاح بخاصة حقيقة ان زوجتيه كن يعشن في بيتين، لا يفصل بينهما سوى حديقة وسقيفتها في الوسط. وكان عمي يلجأ عند السقيفة مع كل شجار بين الزوجتين. ومع ذلك، كان الجو العام هادئا نسبيا، على الاقل بسبب دأبه على اتباع وصفة تقسيم وقته بالتساوي، والمودة والاهتمام بين الزوجتين والعائلتين. ولا تنسى أمي ابدا منظر الزوجتين وهن يلعبان كرة الشاطئ معا في واحدة من زياراتنا.

يبدو ايضا ان العقوبات الاقتصادية خلفت اثرها لجهة العلاقات بين الزوج والزوجة. فحتى على الرغم من غياب وجود ارقام مؤكدة، يظهر ان معدلات الطلاق تزايدت بوضوح خلال التسعينيات. اذ ثمة عاملة في المجال الاجتماعي شاركت بشؤون اللاجئين العراقيين في لندن نقلت وجود معدلات طلاق مرتفعة بين الازواج الذين جاؤوا من العراق. فحوالي 25 بالمئة من اللاجئين العراقيين في المملكة المتحدة اما انفصلوا او تطلقوا. وقلة من النساء صرّحن ان ازواجهن اصبحوا اكثر عنفا وبذاءة بعد ان بدأ العراق يمر بازمة اقتصادية وارتفاع كبير بنسب البطالة. انتشار اليأس والاحباط، فضلا عن ما يفهم انه عار لعدم تمكنه من اعالة أسرة، وهذا ما لا يثير الاكتئاب حسب بل الغضب ايضا. وغالبا ما تكون المراة هي منتهى احباط الرجل. العنف العائلي، فضلا عن عنف الشارع الذي يستهدف المرأة تصاعد بنحو خاص في اثناء الحصار، مضاف اليه مخاطر جديدة على تواصل تهديد دولة العنف.

اصبح تنظيم الاسرة واحدا من مصادر التوتر الكثيرة والنزاع بين الازواج. وكما جاء في الفصل السابق، كانت كل انواع وسائل منع الحمل متاحة ومجاز قانونا قبل الحرب العراقية ـ الايرانية. على ان في اثناء الحرب صارت وسائل منع الحمل غير قانونية عندما كانت الحكومة تسعى الى تشجيع العراقيات على "انجاب" عدد كبير من مواطني المستقبل لتعويض خسائر الارواح في الحرب. اذ في حقبة العقوبات الاقتصادية، لم تكن وسائل منع الحمل متاحة بنحو مشروع، الا ان مواقف كثير من النساء إزاء الاطفال تغيرت بسبب ظروفهن الزوجية، والخوف من الامراض الوراثية بسبب تلوث البيئة، بخاصة اليورانيوم المنضب، وتدهور المناخ الاخلاقي. وعلى خلاف ما كان في حقب سابقة، صارت العراقية تتردد في تحمل اطفال كثيرين، على الرغم من ان بعض النساء كن يردن اكثر من ثلاثة اطفال كي يتمكن من التقديم على تقاعد مبكر، وهو ما كان يقصد به تشجيع الامهات على العودة الى البيت واتاحة المجال للرجال بتولي وظائفهن. ولأن الإجهاض كان ممنوعا، فقد كان كثير من النساء يخاطرن بصحتهن، بل وحياتهن، في اجراء إجهاض في الخفاء. اذ ان مدير دار ايتام ببغداد قال لي في العام 1997 انهم يواجهون ظاهرة جديدة في العراق: نساء يتخلين عن مواليدهن الجدد ويتركنهم في الشارع. وقد يكون هؤلاء الاطفال نتاج ما يسمى بعلاقات غير شرعية، لكن طبقا لما ذكر المدير، فان امهاتهم المتزوجات يتخلين عنهم لأنهن لا يقوين على مواجهة عجزهن عن تغذية اطفالهن.

على الرغم من الضغط العام على العلاقات الزوجية، تذكر بعض النساء ان علاقتهن بازواجهن تحسنت. نيفين، ربة بيت في اواخر ثلاثينياتها، تقول:

"لم يكن زوجي يفعل أي شيء في البيت قبل العقوبات الاقتصادية. فقد كان يشتغل بمعمل خارج النجف. والان توقف عن العمل، وهو يساعدني في الخبز والعناية بالاطفال. صرنا افضل بكثير من السابق، لانه بدأ يدرك انني اتعب كثيرا في البيت".

وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه انماط الزواج بالتغير، تأثرت العلاقات العائلية الواسعة وديناميكياتها ايضا. فتقليديا، أدت الأسرة الكبيرة دورا بالغ الأهمية في المجتمع العراقي، بتمثيلها شبكة دعم اجتماعية واقتصادية وعاطفية. اذ خلال مدة العقوبات، اصبحت الاسرة الزواجية [ابناء الاسرة واحفادها] اكثر اهمية في بيئة حيث الناس مضطرون لاعالة انفسهم لضمان بقائهم على قيد الحياة اليومية، وادامة الموارد المحدودة المتاحة. وبينما كان الانتقال من الأسرة الواسعة الى الأسرة الزواجية مقترنا غالبا بانتقال متصل بمنحى التصنيع والتحديث في المجتمعات الغربية، ففي سياق العراق المحدد في ظل العقوبات الاقتصادية كان غالبا ما يعني فقدان الامان وتزايد الضعف بالنسبة للمراة. وزادت "البطرياركية الزواجية" من اعتماد المرأة على معيل واحد ذكر، بخاصة في ضوء حقيقة سحب الدولة دعمها السابق.

بيد ان بالنسبة للكثير من النساء لم يكن الاعتماد على معيل ذكر هو القضية فعلا. فالتكاليف الديموغرافية التي تسببت بها الحروب، والقمع السياسي وهجرة الرجال الاقتصادية الاضطرارية التي اثارتها العقوبات الدولية المفروضة سوغت لعدد كبير من الارامل والاناث تولي مسؤولية الأسرة في العراق. ففي البصرة، كان هناك ما يزيد عن 60 بالمئة من معيلي الاسر نساء، طبقا لما يذكر تقرير اليونيسيف الصادر في تشرين الاول من العام 2003. وتقول تقديرات مؤسسة الاغاثة الانسانية ان هناك 250 الف ارملة على الاقل في العراق، على ان تقديراتها في العام 2006 ارتفعت الى مليون. لكن ليس الارامل من وجدن انفسهن بلا ازواج فقط، فالرجال المتزوجون سافروا الى الخارج هربا من ظروف قاتمة وايجاد سبل دعم عائلاتهم. ورجال آخرون تخلوا عن زوجاتهم واطفالهم، بعد فشلهم في الوصول الى مستوى ما يتوقع منهم اجتماعيا في اعالة عائلاتهم. وبينما لا تحصل اللواتي قتل ازواجهن في حروب الا على إعانة حكومية ضئيلة، فاللواتي قتل النظام ازواجهن لأسباب سياسية لا يحصلن على شيء يذكر وتركن يتولين مسؤولية إعالة أسرهن بانفسهن. فخلال التسعينيات، شهدت الأسر اللاتي تعيلها نساء، والمناطق الريفية والعائلات الفقيرة أعلى معدلات وفيات الرضع والاطفا

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
من العراق إلى غزة.. طبيب أمريكي يطلق نداءً من خان يونس: أوقفوا الحرب
في اربعينية كوكب 12 ايار/مايس هذا النص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
كفة رئيس البرلمان تنحرف داخل الإطار لصالح مرشح المالكي محمود المشهداني
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة