الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
دويلة الحرس القومي جلبت لنا أنظمة غاشمة لعشرات السنين بعدها
الأحد 01-12-2013
 

الحلقة 4

الصحفي والموسوعي والناشط السياسي د. فائق بطي:

حوار وتحرير: توفيق التميمي

ثقتي بالزعيم

ببساطة شديدة وبعد أن نجحت ثورة تموز وبدا عهد جديد للعراق وجريدة البلاد المعروفة للقيادة الجديدة بوطنية مواقف الجريدة واصحابها آل بطي،تسجل تاريخيا نفسها كونها اول جريدة تصدر في بغداد بعد يوم واحد من الثورة وتوزع خلال ساعات معدودة آلاف النسخ منها،وفائق بطي يعيش مع رفاقه اليساريين والديمقراطيين نشوة انتصار الحلم التموزي.

* في اية لحظة تيقن بطي ان حلمه بالثورة قد تبدد وانتهى......في اية لحـــظة تيقن بان نوازع العسكر وشهواتهم أقوى من كل أحـــــلام الشــباب واندفاعاتهم وحماساتهم ونواياهم الطيبة؟

- في الحقيقة، لم يتبدد حلمي بالثورة  التموزية وبانجازاتها، لاسيما تلك المتعلقة بالمكاسب السياسية والاقتصادية، لسببين: الاول، ثقتي بوطنية الزعيم عبد الكريم قاسم رغم اخطائه وفرديته كعسكري وطني، وليس كدكتاتور كما يصوره البعض من اصدقاء وأعداء الثورة، وبمعرفتي الشخصية به، ومن خلال الاحاديث الصادقة التي كنت استمع لها وبحضور الصديقين لطفي بكر صدقي، صاحب جريدة صوت الاحرار، والجواهري الكبير. والسبب الثاني، يعود الى معلوماتي واطلاعي على ما كان يحاك من مؤامرات وتحركات من قبل اعداء الثورة الكثر، ومخططات الدوائر الغربية بقيادة الادارة الاميركية للاطاحة بالنظام الوطني الذي أرسى أسسه الشهيد قاسم والضباط الاحرار المخلصون للوطن والشعب. وبعبارة اخرى: اذا لم يكن النظام وطنيا متحررا، وعبد الكريم قاسم،راعي الفقراء والمظلومين، حاكما مخلصا وثائرا من طراز خاص، فعلام يتآمر عليه الكائدون للثورة الوطنية؟

نعم.. كنت متشائما وخائفا على ضياع الثورة، وكما دونتها وصورتها في كتاباتي في جريدة (البلاد)، او في مؤلفاتي اللاحقة. فالثورة، اي ثورة وطنية، هي بالفعل حلم شبابي، ولكنه حلم وطني سعيد، وهو ما كنت اشعر به خلال سني الثورة، هو الحلم والواقع، وكشاهد على التاريخ الذي شاركت فيه كاتبا وصحفيا في جريدة اعتبرها قاسم واخوانه الضباط الاحرار، جريدتهم ولسان حالهم، وهو ما اعتز به وافخر، بالامس واليوم.

توازن ظالم

* على اثر المحاولة الفاشلة لاغتيال زعيم قاسم في تشرين الثاني 1959 .. انتابتك مشاعر متذبذبة ما بين الرغبة في تصديق موت الزعيم ومابين ان يبقى حيا كرمز لمقاومة المد القومي والهياج العروبي الذي تعارضه،وتؤكد ان ثمة اصطفافا جديدا للقوى السياسية بدا يظهر على خلفيات واقعة اغتيال الزعيم وتداعياتها ؟ماهي ملامح هذه القوى والاصطفاف وعلى اي الخنادق تخندقت ؟وماالذي دفعه العراق جراء هذه الاصطفافات السياسية ؟

- كانت من اخطاءعبد الكريم قاسم "القاتلة"، محاولته اتباع سياسة الموازنة بين قوى الشعب، بين اليمين واليسار، بين المخلصين للثورة واعدائها، بين الطبقة الكادحة الفقيرة المحرومة من ابسط مقومات الحياة واصحاب المصالح من إقطاعيين وعبيد للمال، بين التقدمية والرجعية، بين الحق والباطل. وبرزت هذه الاخطاء بعد فترة قصيرة من محاولة الاغتيال في منطقة رأس القرية بشارع الرشيد من قبل عناصر من حزب البعث العربي الاشتراكي الذين حاولوا التمويه بما اشاعوه من ان الاغتيال كان من تدبير حزب تودة الشيوعي في ايران وبالتعاون مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي سرعان ما تبدد عن طريق تشخيص البعض من معارف القتيل (عبد الوهاب الغريري) بصفته الشاعر والصحفي البعثي المعروف.

وكانت من بواكير ملامح التبدل في سياسة عبدالكريم قاسم، فسح المجال امام القوى والعناصر التي كانت منزوية ومختبئة في خنادق العداء للثورة، برفع شعارات مناوئة، او "متعادلة" مع شعارات القوى الديمقراطية التي التزمت بها الجماهير وهي تهتف: (عيني كرّيم للامام ديمقراطية وسلام)، بطرح شعار: (عيني كرّيم للامام دين وعروبة واسلام) . ومن ثم انتقال العديد من الضباط المحسوبين على قاسم ومن الضباط الاحرار، الى جانب سياسته الجديدة، وهم السباقون الى رفع علم الرجعية ولسان حالهم يقول: اذا الزعيم بّدل "كير السيارة"، نحن من ورائه!

ومن ملامح الاصطفاف الجديد الاخرى، اجراءاته المتعلقة بمحاكمة زمرة الاغتيال، والعفو عن المحكومين بالاعدام تحت باب "عفا الله عما سلف" وهم العناصر نفسها التي شاركت في انقلاب شباط الاسود العام 1963 الذين قاموا باعدامه من دون محاكمة في مقر اذاعة بغداد بمنطقة الصالحية. ثم انصياعه لتقارير ملفقة في مكاتب مدير الاستخبارات العسكرية ومساعده في مقر وزارة الدفاع وبالتعاون مع البعثيين والقوميين في الجيش من أبناء الموصل والمنطقة الغربية، التي أدت بدورها الى عمليات نقل مخطط لها في القطعات العسكرية، شملت مراكز الضباط المخلصين للثورة، واستبدالهم بالعناصر التي كانت تعد وتخطط للثورة المضادة (الردة)، لإبعادهم عن العاصمة بغداد والمناطق القريبة منها، وهو ما تم وهيأ عمليا لإنقلاب شباط المذكور.أما بخصوص ما دفعه العراق من (خسائر وتداعيات) جراء تلك الأحداث والاصطفافات، فيكفي أن أقول، بأن الشعب خسر كل مكاسبه، وخسر العراق سيادته الوطنية، وعاد اليوم، عشرات السنين الى الوراء، ليبدأ من جديد تعويض ما خسره طيلة الخمسين السنة المنصرمة، ان توفرت له القيادة الحكيمة والمخلصة لوطن استباحته قوى الردة والاحتلال، وتكريم مئات الالاف من الشهداء الذين سقطوا في الشوارع والزنزانات وفي الانقلابات الدامية والحروب الخارجية العبثية، والاستباحات البربرية، ومنذ الاحتلال البغيض وافرازاته، حتى يومنا هذا.

فتية القطار الاميركي

* ما هي  ملامح تلك الصورة المصغرة التي شهدتها في  معتقل رقم 1  بعد نجاح انقلاب الحرس القومي التي اعتبرتها مثالا لما جرى في سائر المعتقلات ؟ من المسؤول عن تلك النكسة العراقية والعربية  أحزابا وأقدارا وأفرادا ؟ هل يكفي اعتراف غير مثبت بالدليل التاريخي والوثيقة على تورط الانقلابيين بمؤامرة اميركية للاجهاض على حكومة قاسم وتصفية اليسار والديمقراطيين  بهذا الشكل السافر؟ هل ثمة خفايا في امر هذا الانقلاب  لم يدونها التاريخ وسرديات الذاكرة الحزبية العراقية المعارضة له الذي فتح شهوة الدماء على مصراعيها لثلة من الشباب الذي ارتبطوا بالجهل والوضاعة الاجتماعية ؟  وان نفهم انخراط عصابات وقطاع طرق في ميليشيا الحرس القومي ولجان التعذيب،فكيف نفهم تورط بعثيين مدنيين جامعيين ومثقفين في حمامات الدم التي جرت تلك الايام من طراز  المهندس محسن الشيخ راضي وسعد قاسم حمودي و جعفر حمودي وسواهم ؟

- قبل الاجابة على السؤال، اود ان اسأل كل من شارك في صنع انقلاب 8 شباط الاسود العام 1963: هل كان انقلاب شباط (عربيا) من أجل الوحدة الاندماجية مع دول عربية، ام كان انقلابا من اجل ابادة الشيوعيين والديمقراطيين ورجال ثورة 14 تموز، كما جاء في البيان (رقم 13 ) الاسود والداعي الى ابادتهم في الشوارع، الذي اذيع من محطة الاذاعة مئات المرات؟

ان ما شهدته في السجن رقم (واحد) كان بالفعل، أنموذجا سيئا ودمويا لما جرى في مسالخ بغداد الاخرى على يد جستابو ما سمي بالحرس القومي.

وهذا ما وثقته احدى الصحف الصادرة ببغداد بعد سقوط حكومة البعث الاولى، بالصور والوقائع، باصدارها الكتب عن تلك الجرائم بعد سقوط دولة العنف والقتل" التي شيدت للمرة الاولى في تاريخ اوطان الامة العربية الواحدة بجماجم الابرياء ! لقد كانت بالفعل تلك الدويلة، بداية النكسة العربية، حين شهد العرب موجة من الانقلابات في سوريا وليبيا واليمن والجزائر والسودان، جلبت لنا انظمة دكتاتورية غاشمة لعشرات السنين، وتسببت في ضياع سيناء والجولان وارض فلسطين في حرب حزيران 1967، كما اضاعت الكرامة العربية في مجازرها ضد الشعوب العربية، وفي اجتياحاتها ضد الكرد، وغيرها من الانتكاسات، وصولا الى حروب ايران والكويت ومن ثم الاحتلال السيئ للعراق في العام 2003.

لقد عرفت سجون الدول العربية، انواعا من التعذيب البشع الذي تسبب في استشهاد مئات المناضلين من اجل الحريات الديمقراطية والعيش الكريم، والتنعم بخيرات بلادهم في وطن حر، لا ان يموت مئات الالاف في اوطانهم، جوعا وقتلا وفتكا دمويا منذ مطلع القرن العشرين حتى يومنا هذا. اليست هذه انتكاسة، ام انها سلسلة من الانتكاسات المتوالية؟

وللحقيقة والتاريخ اقول: ان المسؤولية الكبرى التي جلبت لنا الويلات والمآسي الكارثية، الى جانب قوى الاستعمار القديم والجديد، هي كل الاحزاب والقوى والحركات والافراد الذين انساقوا ونفذوا تلك المؤامرات والمجازر بحق شعوبهم واوطانهم، وهم معروفون في سجل التاريخ العربي الحزين.

اما كيف حدث ذلك، ومن اين جاء اولئك الذين نفذوا الانقلاب الدموي  الاسود الاول في تاريخ العراق الحديث، اقول، بانهم قدموا (بقطار اميركي) كما اعترف بذلك المرحوم علي صالح السعدي، امين سرحزب البعث، قائد الانقلاب آنذاك،  حسب ما ورد في مذكرات القيادي البعثي السابق هاني الفكيكي، وما جاء في كتاب المثقف الشيوعي الدكتور علي  احمد كريم، خصوصا الحديث الذي جرى مع السعدي ونشر في جريدة (النهار) البيروتية قبل وفاته بفترة قصيرة، وكما ظهرت جليا في تقارير وزارة الخارجية البريطانية التي تنشر بعد مرور 25 عاما عليها، والدوائر الاميركية بقيادة وكالة المخابرات المركزية الاميركية المنشورة في اكثر من وثيقة.  وللدلالة على هذه الحقيقة، لنعود الى انقلاب بينوشت الدموي ضد حكومة الائتلاف الوطني وقائدها المغدور اللندي في تشيلي العام 1973 من حيث  تشابه الخطة والتنفيذ وادوات التنفيذ، و استنساخ صور القتل والاغتيال والاعتقالات، وتحويل الساحات العامة والنوادي الرياضية ومراكز الشرطة والمدارس الى مراكز اعتقال وتعذيب وتصفيات جسدية بشعة، تماما كما حدث في انقلاب شباط الاسود بالعراق المنكوب قبل عشر سنوات، ومن بعدها ما حدث في نيكارغوا وغيرها من دول اميركا اللاتينية، كلها تشير الى تخطيط موحد في دوائر استخباراتية عالمية واحدة .

بعثيون أبرياء

لم يشترك في مذابح شباط الدموي، كثيرون من الطلاب والاكاديميين او الجامعيين والعمال البعثيين والقوميين، فقد استنكر العشرات من اولئك الاشخاص تلك المجازر والسياسة البعثية، وتركوا صفوف حزبهم، والتحق البعض منهم في سوريا بما عرف بالبعث اليساري، وانا شخصيا اعرف اصدقاء منهم، كنت قد اختلفت معهم عندما عقد الحزب الشيوعي العراقي ما سمي، بالجبهة الوطنية والقومية "التقدمية" العام 1973 مؤكدين لي الخطأ التاريخي الذي سيرتكبه الحزب الشيوعي العراقي في مسيرته الطويلة، وهو ما ثبت صحته لاحقا بعد فترة قصيرة من ميلاد تلك "المصيدة".

ليست بدعة ولا شعارا

* تقول في توصيف عام 1970 انه عام عصيب على حركة التحرر العربية لاسيما في الاردن والسودان، انا اتساءل هل ان مفهوم حركة التحرر العربي التي كنت تؤمن بها وتسعى لتجسيد ايمانك عمليا واخلاقيا بها من خلال مواقف مرت بسيرتك منها التطوع في حرب العدوان الثلاثي وايقاع  مقالاتك المنشورة  في البلاد وغيرها واعجابك بالنموذج الناصري؟ هل ان هذا المفهوم هو مفهوم واقعي ام شعاراتي سوقته اذاعات العروبة وهتافات احمد سعيد من صوت العرب من القاهرة ؟هل حركة التحرر العربي اكذوبة خدعت الابرياء المؤمنين بها قولا وفعلا من امثالك ؟

- لا اتفق معك، لان حركة التحرر العربي هي جزء من حركة تحرير شعوب العالم في القارات المبتلية بالاستعمار، سواء كان الاقتصادي منه او العسكري على شكل قواعد واتفاقات واحلاف عسكرية اومعاهدات استرقاقية. وافتتح جمال عبد الناصر هذه المرحلة في ثورته العام 1952 بطرده الاستعمار البريطاني وتأميم قناة السويس، ومنذ قيام ثورة 14 تموز في العراق العام 1958 وقبر حلف بغداد العسكري وانهاء الوجود العسكري البريطاني في قاعدتي الشعيبة والحبانية، واخراج العراق من هيمنة منطقة الاسترليني، واندلاع حركات تحرر في ظفار وعمان واليمن وفلسطين، وهي كلها تجسد حركة التحررالعربي كجزء من حركات التحرر في العالم، وظهور حركة عدم الانحياز ومؤتمره الشهير في باندونغ. انها في الواقع والتاريخ،حركات وطنية تحررية. افلا تسمي هذه بمجموعها، حركة تحرر ام ماذا؟انها ليست بدعة، وليست شعارت، وان كان وراء كل شعار، مطلب وجبهة عمل واهداف، بل هي واقع وتاريخ، حققت فيه شعوبنا العربية الكثير من تطلعاتها واهدافها عبر معارك شرسة، وضحايا وشهداء وخسائر في كل الميادين التي شملتها تلك المعارك.

01/12/2013

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
يعملون في عيدهم.. 1 أيار "يوم بلا فرحة" لعمال العراق
التغير المناخي "يُهجّر" 100 ألف عراقي من مناطقهم
مداهمات واعتقالات في جامعة كولومبيا.. والسبب غزة!
كيف أصبح الأول من مايو عيداً لعمال العالم؟
بعد سنوات من التعثر، هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية؟
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
في عيد امنا الأرض، أطفالنا في خطر
مقتل نجمة التيك توك العراقية "أم فهد" بالرصاص في بغداد
انتفاض الطلاب الجامعيين ينتقل من جامعات أميركا إلى باريس، رفضاً للسياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين وقطاع غزة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة