الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
مكتبتي
الجمعة 13-12-2013
 
خيون التميمي

لقد كانت القراءة في نهاية الستينات من القرن العشرين وسبعينياته هاجس الشباب آنذاك حيث إزدهار المكتبات العامة بالكتب المختلفة ومن كل الثقافات والمشارب حتى قيل أن الكتاب يؤلف في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق ، طبعا من ضمنها الكتب المترجمة من الثقافات الغير عربية ، وكذلك كان للمراكز الثقافية للدول الأشتراكية الدور البارز في ترجمة الكتاب لمفكريهم وكتابهم العالمين أثر مهم في إنتشار الكتب في الشارع العراقي ومن أهم المراكز الثقافية المركز الصيني في الباب الشرقي على ما أتذكر والمركز الثقافي السوفيتي ، ولكن تبقى المكتبات العامة أي الأهلية وشارع المتنبي المغذي الرئيسي للمكتبة الخاصة ( مكتبة البيت ) لكونها هاجس القراء والمهتمين بالكتب وكنت كما أقراني من المثقفين والمهتمين في القراءة، تكونت لدي مكتبة تضم أكثر من الف وخمسمائة كتاب ، أنا قسمتها الى قسمين الأول الكتب السياسية والقسم الثاني الكتب العامة وتضم جميع الروايات ودواين الشعر والنقد والفن وغيرها ، تعرضت مكتبتي للسرقة مرتين وأنا في البصرة ، سرقات كبيرة لكتب مهمة وتتم السرقة نتيجة لتعرضي للأعتقال، وفي عام 1978 مع بداية الهجمة الشرسة على الحزب الشيوعي نقلت مكتبتي من البصرة الى الناصرية /ناحية الكرمة حيث مسقط رأسي حفاظا على ماتبقى من مكتبتي .

التنور والأرض لهم دور كبير بالقضاء الطوعي على أطنان من كتب العراقين ، فكانت أمهاتنا تسارع لحرقها أو دقنها بطرق لا تحافظ على بقائها سالمة فليس سلامة الكتب هي المهمة لديهن ، المهم بُعدها عن أعين الغزاة (السيئين) كما شخصتهم سلفا وأن هذه العائلة لا تمتلك أي دليل مادي يثبت إنتمائهم أو اي فردمنهم للحزب الشيوعي ’وهذه شكلت مشكلة كبيرة للعوائل العراقية اللتي لديها أبناء سياسين .

في عام 1978 عندما رسمنا خارطة بيتنا في الكرمة أنا والمرحوم الأستاذ كاظم الحاج وداعة ، إعتمدت تصميم مخزن لا يعرفه أي شخص يدخل البيت لغرض التفتيش ، لكون بيتنا منذ عام 1963 ولحين خروجنا من العراق في الأنتفاضة 1991 عرضة لغزوات الحرس القومي والأمن وبعدهم الجيش الشعبي وكلهم سيئي الصيت لكون والدي سياسي لذا أصبحت العائلة مسيسة ضد البعث ومرتزقته ، لذلك أخذت بحساباتي حاجتنا لمخزن سري .

وفعلا أصبحنا بحاجة لهذا المخزن عندما نقلت مكتبي  من البصرة وكما اسلفت الى بيتنا في الكرمة وضعت الكتب السياسية بأكياس نايلون لحمايتها من الرطوبة رغم ثقتي أنها ستكون بمنئى عن جميع الطوارئ ثم وضعتها في المخزن، وأغلقت المخزن وأصبح جزء يصعب معرفته من البناء العادي وسترون الصور المرفقة ، عند وضعي الكتب رآني طفل ليس من عائلتنا ولم يثر إهتمامي وجوده حيث كان بعمر سبع أو ثمان سنوات وذلك عام 1980 ويجهل أين سنضعها المهم شاهدنا عند المدخل الرئيسي للدار.

في عام 1986 فوجئ أهلي برجال الأمن ونقيبهم حميد وكانت والدتي وأخواتي وإخوتي الصغار فقط في البيت وكان الوالد رحمه الله  مسافرا ، طبعا والدتي لها الخبرة بغزواتهم الميمونه ، دخلوا الى البيت سائلا ،والدتي أين المكتبة؟ الجواب اي مكتبة يمه ، الموجودة في الحائط ، أي حائط البيت كله حيطان، لا !!حائط الدرج  ، أجابته هذا حائط الدرج ، طلب من والدتي فأس ليهدم الحائط ليخرج المكتبة منه ، طبعا هو ذهب الى حائط عرضه طابوقة واحدة ، أجابت الوالده ، ساحظر لك فاس ولكن بشرط عندما تهدم الحائط ولم تجد مكتبه عليك بنائه قبل أن تخرجون من الدار ، المفرزة الأمنية معهم رئيس عرفاء المفرزة المرحوم عبد الرضا لنا علاقة عائلية معهم وكان كل شيئ يصل الى الأمن ضد عائلتنا يخبر به والدي ليتوخى الحذر منهم ، وقتها كان أخي نجاح خارج العراق ولا يوجد في العائلة بعثي واحد ليحمينا في ذلك الوقت المشؤوم وأنا معروف لديهم ولي إخوة آخرون بنفس الأتجاه لذلك كنا عرضة لرجال الأمن والرفاق السيئين ،رئيس العرفاء عبد الرضا تكلم مع النقيب قائلا طبعا والدتي تنقل لي هذه المحاورة بعد ما جئت البيت ،سيدي انت شلون تعقل مكتبة تنبني بهذا الحائط ; كانت بينهم محاورة حول المخبر وكيف عرف بالمكتبة المهم إقتنع النقيب وهدد والدتي والدتي بانه إذا عثر على المكتبة في المستقبل سوف ترى العائلة ما لم تره من قبل، طبعا أخذ والدتي الخوف من تهديده وعودته ثانية للتفتيش على المكتبة والعثور عليها ، لذلك طلبت مني نقلها الى مكان أكثر امنا ، قلت لوالدتي إنهم لم يأتوا ثانية وإذا جائوا فلم يعثروا عليها لكون المكتبه لا يعلم مكانها غير أنا ووالدي ووالدتي فعليك أن لا تخافي، وفعلا لم يأتوا حول المكتبة لكنهم كما أسلفت زوار دائميون لبيتنا وجيراننا وأهالي الكرمة المركز يعرفون ذلك لكون مجيئم لدارنا الواقعة خلف سوق الكرمة والجلجلة التي يحدثونها لغرض إرعاب الآخرين تدع الناس تعلم وجهتهم الذاهبون اليها وعدائهم لنا غير مخفين عن المجتمع، وبقيت المكتبة في مكانها الأمين ،اما المكتبة العامة فكانت عرضة للتفتيش ، وهم يعرفون كتبها جيدا لذلك فقط يمرون عليها للتأكد بعدم وجود جديد من الكتب .

كانت عائلتنا من أول المشاركين في إنتفاضة آذار شعبان 1991 وعند الأجهاض عليها ودخول (الجيش العراقي الباسل) الى منطقتنا ( لم أتواجد وقتها في الكرمة حيث كنت في الحدود السعودية لمقابلة المعارضة العراقية ،هكذا كان يقيننا أنهم متواجدون هناك من خلال إذاعة المعارضة العراقية والتي تبث من جدة ولقرب الحدود السعودية من العراق وأنهم هناك ليقدموا المساعدة للأنتفاضة لأسقاط النظام ، لا أدري كيف ومن أين جائتنا هذه الفكرة)

وكنت من جانب الحزب الشيوعي وسيد كريم الحصونة من البعث اليساري حيث أعدناعمل الجبهة الوطنية إبان الأنتفاضة ولكن مع بعث اليسار الذي يتزعمه آنذاك السيد عبد الصمد جمال الدين ، ومعنا إبن عمتي موحان جاسم كمترجم والشاعر خليل الحسناوي الذي تبرع لنا بسيارته وأعتبرنا نحن الوفد المفاوض وبعد دخولنا السعودية إنكشف لنا أمر المعارضة العراقية وأن الأذاعة مجرد تسمية لذلك إنطلى علينا الأمر.

لكننا للأسف لم نستطع عمل أي شيئ كون القوات الأمريكية قررت الأنسحاب من المدن الى الصحراء وعند عودتنا الى الكرمة وجدت أهلي في منطقة تل اللحم ، فوجئت بوجودهم جميعا عدا والدي الذي إلتحق معنا بعد فترة قصيرة لكنها كانت في أشد خطورتها ، حيث أخبرني أهلي أن الجيش دخل الى منطقتنا من محورين الأول عن طريق سوق الشيوخ والثاني عن طريق قضاء الفهود ، وبذلك أصبح خروجهم ملزما لسلامة العائلة والأطفال وكذلك فرار أهالي الكرمة الى الأهوار أو العشائر خوفا من القصف العشوائي او من بطش (الجيش العراقي الباسل )، بعد سقوط النظام وسفري الى العراق عام 2007 ولهذا قصة أخرى أخبرني كثير من أصدقائي، أن ملثما راكب سطح دبابة ويسألون عن بيت خيون ، ذهبوا الى بيتي اللذي أسكنه وهو مستأجر من السيد قصي سيد خميس ( كان عضو فرقة وقتها )، دخلوه ونادوا على المتواجدين حولهم من الناس أن يأخذوا كل ما موجود في الدار وأراد حرق البيت إلا أن أهل سيد قصي أخبروا الجيش أنهم أصحاب البيت وليس خيون لذلك كسروا الزجاج فقط أملا في عودتي لأتحمل تكاليف التصليح.

الضابط الذي مع الدبابة أو ضابط آخر إستولى على ملابسي والمكتبة العامة كما أسميتها سابقا وبذلك ذهبت المكتبة الأكبر ولا زلت عندما أتذكرها يصيبني الحزن لفقدانها أما المكتبة السياسية لا زالت مختبئة في المخزن السري .

بعد أن نهبوا كل ما موجود في البيت جاءوا الى بيت العائلة أيضا عملوا الفرهود لكل شيئ ثم ضربوه بقذائف مدفع الدبابة ثم أنزلوا من سطح الدارأكثرمن عشر صناديق رمان يدوي وأعتدة متنوعة كثيرة كنا أنا وإخوتي أعددناها لقتال الجيش الذي توقعنا دخوله الى الكرمة لكوننا كنا نقاتلهم في حدود الناصرية ، المهم أشعلوا النار في البيت وبدأ إنفجارالأعتدة والرمان اليدوي وبقي بيتنا مولعا ويتصاعد منه الدخان لمدة سبع أيام ، لي أختان بيقيتا في العراق إحداهن جاءت البيت وحاولت تعمير ماتستطيع تعميره لتتخذه مسكنا لها ، نفسها أختي خرجت الى سورية وعند أول إتصال معها سألتها ، هل تم تهديم أو حرق مقدمة البيت ؟ قالت إحترق كل شيئ وبمستويات مختلفة ، المقدمة فارغة من اي مواد قابلة للأحتراق عدا الباب لذلك لم يصبها ضرر كبير، وعند زيارتي الى العراق عام 2007 وبعد أن إنتهت مراسيم فاتحة إبن أخي سلام قررت أن أفتح المخزن السري ، وكان معي اولاد عمنا وإخوتنا مشاركين إجراءات الفتح لتلهفهم لمشاهدة المخزن السري الذي حير الجميع بما فيهم صعاليك الأمن الصدامي ، تم فتح المخزن والمفاجئة وَجدت جميع الكتب وكانها جلبت الآن من السوق ، فكم كانت فرحتي كبيرة لكوني إستطعت أن أحافظ على جزء من مكتبتي الكبيرة، طبعا لاتوجد كتب في الأسواق العراقية، قبل السقوط ، الناس مشغولة بمعيشتها لشدة الحصار ، وما بعد السقوط غزت الأسواق الكتب الدينية وكتب تافهة ، لذا أصبحت امام واقع مهم أن كتبي مختفية من الأسواق نهائيا لذلك قررت أن أهدي مكتبتي لمحلية الناصرية للأستفادة منها ولكون مكتبة محلية الناصرية إحترقت مع حرق المقر من قبل أناس رعاع ، سلمت الكتب جميعها للرفيق أبو ربيع في المحلية ومنحوني كتاب شكر جميل وعند عودتي  أميركاالى التي  كانت عن طريق الخطوط الأردنية لذلك كان علينا المبيت لمساء اليوم التالي ، وضعت جميع الحقائب خارج السقائف بإهمال من العمال وكانت الأجواء ممطرة وبشدة لذا عند إستلامي لحقيبتي وجدت مافيها غارقُ بالماء بما فيها كتاب الشكر لذلك سترونه (وقد مسه الضر) .

 
   
 

Guest

المصيفي الركابي

-جميل جدا الاخ ابو او احمدك
منذ عرفتك وجدتك انسان مهذب
مثقف ناشط مدني تتفاعل مع الاحداث الوطنيه
والاجتماعية في الجالية العربية والعراقية
لم مني جزيل الشكر والاحترام.


خيون التميميidu

الأعزاء الأستاذ هاشم مطر والشاعر الكبير يحي السماوي ، محبتي لكم واشكر لكم تعليقكم الرائع نعم أستاذ هاشم كانت الظروف ووقتها أكبر من ان احفظ المكتبة الأدبية ولم يدر بخلدي كما ابناء الأنتفاضة الباسلة والشاعر السماوي أن نغادر العراق لقد كانت غدرة من أناس ديدنهم الغدر وخرجنا ، صديقي الشاعر ابو شيماء حدثتك عن المخبأ السري لكنك لم تره على حقيقته ها هو بتفاصيله مصورا دم لأخيك متألقا ، والأستاذ هاشم دم سالما متألقا مناضلا عزيزا ، محبتي لكم


هاشم مطر

موضوع طريف جدا يستحق الكتابة عنه. ولكل منا له قصته مع مكتبته، لكن الاخ خيون كان الاشطر في الحفاظ على كتبه. لكنني الومه انه لم يحافظ على مكتبته الادبية التي هي ربما اثمن بكثير من السياسية.
تحياتي لك اخي العزيز خيون، ودمت مناضلا في سبيل الحرية


يحيى السماوي

كانت لي معرفة بسرّ المخبأ السري للمكتبة ، عرفت ذلك منك خلال جلسة رائعة في بيتك يا أبا أحمد أيام عملنا معا في إذاعة صوت الشعب العراقي المعارضة للنظام الديكتاتوري ... وثمة حكايا رائعة كنا نسمعها من سيدي الجليل والدك ـ طيب الله ثراه ـ ... حسنا فعلت بإهدائك ما تبقى من مكتبتك لمحلية الناصرية ... أما أنا ، فمكتبتي ـ وعديدها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب ، بما فيها مجموعة من كتب مطبعة بولاق الحجرية الغالية الثمن ، قد استأمنتها عند " صديق / اتضح فيما بعد أنه أكثر نذالة من شرطة أمن النظام المقبور ، واستودعته بيتي وبستاني ـ لأفاجأ به يبيع مُلكي قبل سقوط النظام ، فلم أحصل من مكتبتي ولو على غلاف كتاب واحد ، ولا من بيتي على طابوقة واحدة ، ولا على سعفة من بستاني !


يحيى السماوي

كانت لي معرفة بسرّ المخبأ السري للمكتبة ، عرفت ذلك منك خلال جلسة رائعة في بيتك يا أبا أحمد أيام عملنا معا في إذاعة صوت الشعب العراقي المعارضة للنظام الديكتاتوري ... وثمة حكايا رائعة كنا نسمعها من سيدي الجليل والدك ـ طيب الله ثراه ـ ... حسنا فعلت بإهدائك ما تبقى من مكتبتك لمحلية الناصرية ... أما أنا ، فمكتبتي ـ وعديدها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب ، بما فيها مجموعة من كتب مطبعة بولاق الحجرية الغالية الثمن ، قد استأمنتها عند " صديق / اتضح فيما بعد أنه أكثر نذالة من شرطة أمن النظام المقبور ، واستودعته بيتي وبستاني ـ لأفاجأ به يبيع مُلكي قبل سقوط النظام ، فلم أحصل من مكتبتي ولو على غلاف كتاب واحد ، ولا من بيتي على طابوقة واحدة ، ولا على سعفة من بستاني !




اقـــرأ ايضـــاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
رصد طائرات استمطار.. هل تسبب تلقيح السحب بفيضانات الإمارات؟
الأمم المتحدة: 19 ألف طفل يتيم بغزة بعد مقتل 6 آلاف أم
واشنطن وبغداد.. مواصلة البحث بشأن إنهاء مهمة قوات التحالف
على الرغم من الدعوات الدولية إلى ضبط النفس، إسرائيل تواصل التهديد وإيران تحذّر
السوداني يلتقي بايدن في البيت الأبيض
تقرير أميركي: 5 صواريخ إيرانية أصابت قاعدة "نيفاتيم" الإسرائيلية
التحالف الدولي أسقط 30 صاروخاً ومسيرة إيرانية في الأجواء العراقية
بعد الهجوم الإيراني.. مساع أميركية لاحتواء الرد الإسرائيلي
بينها عربية.. دول أقرت بالتصدي للهجوم الإيراني ضد "إسرائيل"
معضلة المياه مستمرة والموارد تحضر مذكرة تفاهم مع تركيا لحلها
الحرس الثوري يعلن قصف "اهداف مهمة للجيش الإسرائيلي"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة