الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
أحياء التراث الحضاري العراقي
الجمعة 23-05-2014
 
خضر عواد الخزاعي

التراث بمفهومه البسيط هو خلاصة ما خلَفته الأجيال السالفة للأجيال الحالية والتراث نوعان 1- تراث فلكلوري شعبي 2- تراث حضاري وما يهمنا هنا هو الجزء الثاني من البحث وهو التراث الحضاري لبلاد وادي الرافدين والذي بدوره ينقسم ﺇلى :

1- تراث مادي: كالمباني الأثرية وما تكشفه الحفريات وتضمه المتاحف وكلها تمثل عصورها بشكل أو بآخر ومنها أولاً الآثار الثابتة مثل بقايا المدن التاريخية والعمائر الدينية والمعالم المعمارية والتحصينات العسكرية والمنشآت المائية والزراعية والمدافن ونحوها وثانياً الآثار المنقولة مثل المنحوتات والمواد المنقوشة والمخطوطات والمسكوكات والأدوات الفخارية والخزفية والزجاجية والمنسوجات والأسلحة وأدوات الزينة .

2- تراث فكري قوامه ما قدمه السابقون من علماء وكتاب ومفكرين ومسؤولين سياسيين كانوا شهودًا على عصورهم ومبدعين من خلالها العلوم والمعارف الطبيعية والفنون والآداب .

في العراق هناك كم هائل من التراث الحضاري بكل أنواعه الاثارية والفكرية والاجتماعية الكثير منها وما تفوق نسبته 90% مايزال طي البحث والأكتشاف أذا ما علمنا ان ارض العراق تحتوي على 12000 الف موقع آثاري بحاجة ﺇلى عمليات بحث وتنقيب لاكتشاف محتوياتها لذلك فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى عملية مؤسساتية منظمة لأكتشاف هذا التراث وأحيائه والأهتمام برموزه الوطنية ولا نقول أعادة أحياء التراث العراقي لأنه وخلال عقود طويلة من تأريخ تأسيس العراق الحديث لم تكن هنالك أي عملية منظمة لأحياء هذا التراث بل أن المتصفح بهذا الموضوع لايجد سوى مؤسسة أحياء التراث العربي التي تشكلت في جامعة بغداد في سبيعنيات القرن الماضي وقسم أحياء التراث العربي والاسلامي بجامعة الكوفة ولم يكن أهتمامها بالجانب العراقي إلا جزءاً يسيراً من اهتمامها العام بالتراث العربي والاسلامي .

كانت بداية الاهتمام بتراث العراق وآثاره بداية متواضعة قامت بها سكرتيرة المندوب السامي البريطاني جرترود بيل في عام 1923 في أول مبادرة للحفاظ على أرث بلاد الرافدين بقيامها بتخصيص غرفة متواضعة من بناية الوالي العثماني في ساحة القشلة ضمت بعض من الاثار العراقية المكتشفة ثم تحولت مع مرور الأيام إلى واجهة لسرقة الآثار العراقية أستمرت لفترة طويلة مع وصول بعثات الكشف والتنقيب البريطانية للعراق للبحث والتنقيب في مواقع الحضارات العراقية في جنوب العراق ووسطه وشماله والباحث في هذا الشأن لايجد حتى في الفترات التي أعقبت سقوط النظام الملكي أي توجه جدي لهذا الموضوع الذي بقي مهملاً دون أهتمام من المؤسسات الثقافية والعلمية فمن المستغرب حقاً اننا لانرى بالعراق الذي يضم بين جنباته كل هذه الثروة الاثارية سوى ثلاث متاحف وطنية للاثار في بغداد والموصل والناصرية علماً أن متحف الناصرية الذي أنشأته شركة برتغالية في العام 1969 أغلق منذ العام 1991 بعد أحداث الثورة الشعبانية وما حدث له من عمليات سلب ونهب لمحتوياته أما متحف الموصل الذ أنشأ في العام 1952 فأنه متحف متواضع يتكون من طابقين و14 قاعة تضم بعض من الاثار العراقية لحضارة آشور .

أن الأمم العظيمة لاتقاس بحاضرها فقط بل بماضيها وأرثها الحضاري وماقدمته للبشرية من انجازات خالدة خلود تراثها ورموزها الحضارية والوطنية وتكون هذه الأمم حية ومتفاعلة مع الحاضر من خلال الأشعاع المستمر لماضيها الحضاري والتاريخي فليست من أمة بلا تأريخ حتى وأن كان هذا التأريخ قصيراً وقريباً فأنه يظل حافزاً محركاً لنشاط هذه الأمة وديموتها ويجعلها على الدوام أمة قادرة على النهوض من جديد في أي وقت تتوفر فيه تلك اللمحات المشرقة من تاريخها .

وهنا في بلادنا العراق أرث حضاري يبلغ تأريخه أكثر من سبعة الاف عام ومداه أرض أمتدت مساحتها لتشغل حدود المنطقة الممتدة من نينوى بلاد آشور وحتى جزيرة دلمون في البحرين بين نهري دجلة والفرات فيما عرفت ببلاد مابين النهرين (Mesopotamia) وفي هذه البلاد تشكلت أول الحضارات البشرية ( الحضارة السومرية 2850 – 2400 ق.م والحضارة الأكدية 2350 – 2159 ق .م والحضارة البابلية 1950 – 1535 ق.م الحضارة الاشورية 2000- 1600 ق.م ) وأسست اولى المدن والمعابد شرعت القوانين واخترعت وسائل الري الحديثة وسطرت أول أبجدية عرفتها البشرية ( الكتابة المسمارية ) ونظمت فيها الادارة والجيوش حتى وصلت فيالقها سواحل البحر المتوسط أمة مثل هذه لايمكن لها أن تموت أو يصيبها الاندثار والنسيان فهي أمة نابضة بالحياة وبما يمده لها هذا الخزين الهائل من مكونات تراثها وأرثها الحضاري لذلك فأن الحكومة العراقية بمؤسساتها الوطنية وبوزارة السياحة والاثار مطالبة بعمل جدي للنظر بموضوع الاثار العراقية والتراث الوطني خصوصاً بعد ما حصل لهذه الاثار من عمليات سلب ونهب منظم في العام 2003 بعد سقوط النظام السابق وما سبقها منذ تسعينات القرن المنصرم بعد الأهمال المتعمد الذي تعرضت له انذاك وحملات التشويه والمسخ التي قادها نظام البعث في فترة الثمانينات والتسعينات بعد أن حاول النظام في تلك الفترة أن يستثمر المواقع الاثرية في بابل والحضر ليجعل منها واجهة للدعاية لنظامه بما عرف باحتفالات بابل حيث عمد الى هدم أجزاء مهمة من تلك الاثار وأعادة بنائها من جديد بمواد أنشائية حديثة كتب عليها الحروف الاولى من أسم رئيس النظام البائد وجعل لتلك الاحتفالية شعاراً كبيراً لا يليق بها ( من نبوخذ نصر الى صدام حسين بابل تنهض من جديد ) .

أن موضوع الاهتمام بأحياء التراث العراقي يشمل مجموعة أجراءات عملية منها

1- أعادة تأهيل وبناء المتاحف العراقية في كل المدن العراقية التي تحتوي أرضها على مواقع آثارية وبأحدث الوسائل المعمارية العالمية مما يؤمن للقائمين عليها ديمومتها والحفاظ عليها .

2- أن تكون هذه المتاحف قريبة من مراكز المدن ومنشآتها المدنية ومؤسساتها الثقافية والتربوية ليتاح لأكبر عدد من الناس الذهاب اليها ومشاهدتها والتعرف على تاريخ العراق الحضاري .

3- تاسيس مؤسسات وطنية تقوم برعاية هذه الآثار والأهتمام بها والتواصل مع المؤسسات العالمية للتعريف بها وتقديم هذا التراث للعالم بالأضافة الى عملها المهم الآخر وهو أسترداد الآثار التي تعرضت للنهب والسرقة في السنوات الماضية .

أن العمل على استرداد المنحوتات والاثار العراقية المسروقة والمهربة خارج العراق والتي تزين واجهات اكبر المتاحف العالمية وهي رموز مهمة في تاريخ العراق وحضارته الوطنية الرافدينية عمل يحتاج الى جهود كبيرة ومنظمة مثل :

1- بوابة عشتار أو بابل هي البوابة الثامنة لمدينة بابل الداخلية بناها نبوخذ نصر عام 575 ق.م. في شمالي المدينة أهداء لعشتار إلاهة البابليين كشف المنقب الألماني روبرت كولدواي في عام 1899م عن أول معالم هذه المدينة أن باب عشتار الأصلي قد تم الأستيلاء عليه من قبل الألمان في أيام الدولة العثمانية وقد تم تنصيبه ولا زال في متحف البرغامون في برلين ،

2- الأثر الاخر المهم من هذه الاثار هو( ملحمة جلجامش ) هي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 12 لوحا طينيا اكتشفت لأول مرة عام 1853 م في موقع أثري اكتشف بالصدفة وعرف فيما بعد أنه كان المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشوربانيبال في نينوى في العراق ويحتفظ بالألواح الطينية التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني .

3- أيضاً هنالك الرمز الكبير للحضارة الاشورية (الثور المجنح ) هو تمثال ضخم يبلغ طوله 4.42 م والذي يزن اكثر من 30 طناً تمثال الثور المجنح موجود حالياً في متحف اللوفر في باريس هذه الرموز الثلاث تعتبر رموز مهمة في الذاكرة العراقية وجزء مهم وحيوي من تاريخه الحضاري لكنها لكنها للأسف لم تجد من يطالب بأعادتها إلى بيئتها الطبيعية العراق ومتحفه الوطني للآثار .

بالأضافة لهذه التحف الاثارية يوجد أيضاً أرث لايقل اهمية عما سبقه من أثار مسروقة وهو ( الأرشيف اليهودي ) الذي يضم أقدم نسخة أصلية نادرة لكتاب (التلمود) وأقدم نسخة أصلية نادرة لكتاب (التوراة), ويحتوي على قرابة (3000) وثيقة ونحو (1700) تحفة أثرية نادرة تحكي قصة سبي اليهود في العراق ابتداء من السبي البابلي الأول إلى السبي البابلي الثاني

والذي كان قسماً منه مخبئاً في أحدى أقبية بناية المخابرات العراقية في عهد نظام السابق والذي تمت سرقته في الأيام الاولى التي تلت سقوط النظام في العام 2003 وبطريقة منظمة ومدربة بعناية والغريب في الموضوع أن هذا المكان الموجود في منطقة الحارثية غرب بغداد كان بعهدة القوات الامريكية ولم يسبقها أحد بالدخول ﺇليه فيما يوجد القسم الاخر في بناية المتحف الوطني للاثار ويضم تسعة أختام اسطوانية تخص التاريخ اليهودي وتم سرقتها دون سواها من الأختام التي كانت موجودة ومحمية معها وفي أحتفالية أقامتها إسرائيل في الأرض المحتلة وكلفتها نحو ثلاثة ملايين (شيكل) أنيطت مهمة الحفاظ على الأرشيف المسروق بنجل أول عمدة لتل أبيب وهو اليهودي الاشكينازي المتشدد (ياد شاغال) .

وهنالك أيضاً كنز اميرات النمرود والذي يحتوي على الاف القطع الذهبية النادرة والذي سرقت أجزاء منه في العهد السابق أختفى أيضاً وكان مخبئاً في بناية البنك المركزي والتي خضعت ايضاً للحراسة المشددة من قبل القوات الامريكية ويقال أن أجزاء من الكنز ظهرت في بعض المدن الامريكية .

أن أحياء التراث وبعث الحياة برموزه الوطنية مهمة لن تنجز بدون أعادة كافة الموروثات واللقى والكنوز العراقية المغيبة في المتاحف والمؤسسات العالمية وما سرق منها وهذا يحتاج إلى جهود استثنائية مكثفة يشارك بها كل العراقيين على اختلاف مواقعهم وتخصصاتهم وتنوعهم القومي والمذهبي فتلك المورثات هي أرث لكل ابناء العراق من شماله ﺇلى جنوبه وهي ثروة تفتح الطريق أمام العراقيين وعقول الملايين من الشباب العراقي المغيب الذي لا يعرف تاريخه وتراثه وهي فرصة لأن نعيد الحياة بحضارة وادي الرافدين ونؤسس لبداية صحيحة لأبراز هويتنا الوطنية التي غيبتها عقود من الاستبداد والفكر الشوفيني البغيض الذي حرص على تهديم تلك الرموز والاثار لغايات حزبية وشخصية معقدة ويجب ان لاننسى مابذله الرواد الاوائل من العراقيين في حقول الاثار واللغة والمعرفة مثل العلامة طه باقر والاستاذ الاثاري بهنام ابو الصوف والأب انستاس الكرملي وغيرهم من بذلوا حهود جبارة من أجل اكتشاف رموز حضارة العراق وتنظيمها وترجمتها وتبويبها لتكون شاهداً على عمق مدنية هذه البلاد وتحضرها وريادتها للحضارة الانسانية لذا فنحن مطالبون بتأسيس مؤسسة ثقافية تاخذ على عاتقها عملية أحياء تراث العراق ورمزه التاريخية والوطنية وهي مهمة العراقيين جميعاً .

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
الاحتباس الحراري وتأثيره على سرعة دوران الارض
الربط الكهربائي الأردني- العراقي يدخل الخدمة السبت المقبل
سفن حربية روسية تدخل على خط البحر الأحمر
المندلاوي يدعو الشركات الصينية لاستثمارات طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق
أزمة تعليمية حادة تهدد أطفال العراق بـ"مستقبل قاتم"
جاء بطائرة ليتسلم البراءة ويسافر.. تفاصيل الغاء حكم الإعدام بحق ضابط متهم بقتل الهاشمي
منتخب العراق يواصل مشواره في تصفيات المونديال بنجاح
البطريركية الكلدانية في العراق تلغي الاحتفال بعيد القيامة احتجاجا على "إبعاد ساكو"
طلب رسمي لحجب "تيك توك" في العراق.. وأرقام جديدة للمواقع الإباحية
مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
الاتحاد الديمقراطي العراقي يشارك في احتفالات نوروز
"المحيبس" يضيع في قبضة النساء.. السيدات يقتحمن اللعبة الرمضانية الأكثر شعبية في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة