احتفى اتحاد الادباء والكتـّاب العراقيين بالروائي والباحث زهير الجزائري لمناسبة اصداره الجديد (النجف الذاكرة والمدينة) وذلك ضمن منهاجه الاربعاء الماضي. وأوضح مقدم الجلسة الناقد علي الفواز أن الاحتفاء بالجزائري يعد استثناءً بكل ما يعنيه لكونه أحد الشهود الكبار على الكثير من التحولات الاجتماعية والسياسية في العراق منذ عام 1963 وحتى الآن

وقال: ان من يمتلك صفة الشاهد فهو يعي ما تحت الوثيقة والمعلومة والفكرة والرسالة والخطاب، مشيراً الى ان الكتابة على هذا النحو سيكون فيها من العمق والمهنية والوقائع ما يجعل القارئ اكثر تفاؤلاً وانحيازاً لها، لافتاً الى ان الحديث سيدور حول كتابة (النجف الذاكرة والمدينة).

وفي حديثه اشار الجزائري الى ان فكرة تأليف الكتاب راودته خلال وجوده في المنافي لفترات طوال متنقلاً بين لبنان وسوريا ولندن، مبيناً ان ذاكرة المكان بقيت في مخيلته. وقال: يعد هذا الكتاب الثالث في مجال السيرة بعد (مذكرات شاهد حرب) عن حياتي مع الفلسطينيين وايام الحرب الاهلية اللبنانية وقد صدر في فلسطين، والكتاب الثاني كتبته عن رجوعي الى بغداد وعنوانه (حرب العاجز). وايضا هناك كتاب عن الانصار بعنوان (أوراق جبلية) مشيراً الى ان الكتاب قد أتعبه كثيراً بسبب انقطاعه عن النجف لفترات طوال. وأضاف: غادرتها في بداية الستينيات، وكنت أزورها في فترات متفاوتة، الامر الذي جعلني استعين بمصادر بما فيها كتب السحر والخرافات، اضافة الى ذاكرة الآخرين من خلال الاتصال عبر الهاتف باشخاص مثل عبدالإله الصائغ في الولايات المتحدة وبأفراد من أسرتي كي اجمع صورة واضحة عن مدينة النجف التي اُشبعت بالمقدس ولم نعد نشعر بانها مدينة حقيقية فيها حياة وأحزاب سياسية وصراعات، فشرعت بوضع خارطة المدينة، موضحاً ان كتابه يتحدث عن سيرته الشخصية مع اسرته، ويتضمن بالاساس سيرة المدينة بمختلف جوانبها، ابتداءًُ من عالما المقدس في مركزها وهو مرقد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، وماذا يعني هذا الرمز للزائرين من مختلف بقاء الارض، وايضاً يتحدث عن القوى السياسية في النجف والطقوس في عاشوراء، والعالم النسوي والوجود العلماني الضائع تحت وطأة المقدس.

وقال: لكوني من عائلة دينية تحول ابناؤها الى العلمانية فأيضاً تحدثت عن سيرة هؤلاء الأولاد الذين تحولوا مشكلين احزاباً مستقلة كحزب الاستقال والقوميين العرب والبعثيين وايضاً الشيوعيين ونفوذهم الذي يعد الأقوى والأكثر في المدينة. كما يتحدث عن عمارة المدينة وطقوسها الاجتماعية وبيئتها. ومن بين الشخصيات التي تناولها الشاعر الراحل عبدالأمير الحصيري، مبيناً انه رافقه من بداية المرحلة الابتدائية، لافتاً الى ان التلاميذ كانوا يذهبون للمدرسة بالدشداشة، حتى طلبوا منهم ارتداء البنطلون، لكن رجال الدين اعتبروه زياً انكليزياً فصاروا يحاربون هؤلاء الطلبة من خلال ارسال اولاد يلمسون مؤخراتهم. وقال: لحماية مؤخراتنا من اصابع هؤلاء الاولاد صرنا نرتدي الدشداشة فوق البنطلون، ثم نضعها داخل البطلون في المدرسة، ونسحبها عند خروجنا بعد انتهاء الدوام.

مبيناً أن الحصيري عاش معه هذه المرحلة وكان شاطراً وحافظاً للقصائد الحسينية ويدرخ الشعر، وكان دائماً ترتيبه الاول على جميع طلبة الصف. وتابع: ولكن حين خرج الحصيري من النجف الى بغداد وعاش مع شلة مثل حسين مردان ونزار عباس انقلب فأصبح متشرداً.

وفي مداخلته بين الشاعر الفريد سمعان، ان الجواهري احب الحصيري كثيراً وكان يدعوه بخليفتي، وهو الذي طلب تعيينه في اتحاد الادباء براتب ستة دنانير شهرياً.

وقال: كان خجولاً ومتواضعاً ومؤدباً، وكان ينام في الاتحاد بمثابة الحارس.

مبيناً انه لم يكن مهتماً بنظافته وقد آثر عليه البعض مثل رشدي العامل وسعدي يوسف ونزار عباس حتى صار يشرب الخمر، ثم أدمنها لدرجة آذى نفسه كثيراً.

واشار الناقد فاضل ثامر الى ان شخصية الجزائري متناقضة، وقال: هذا الذي يبدو ساذجاً وبسيطاً يمتلك عمقاً هائلاً ومهماً في تجربتنا الثقافية والسياسية، وكان لي الشرف ان التقيه بعد ثورة 14 تموز، وكنا نلتقي في الاتحاد والمقهى ومطعم ابو العبد. وكان يسارياً الا اننا لم نشعر به. لافتاً الى انه شخصية ظريفة عمل مع المنظمات الفلسطينية والجبهة الشعبية وتعرف على غسان كنفاني وشارك في عمليات قتالية، كما شهد ايلول الاسود في الاردن وكتب عن تلك التجربة رواية مهمة هي (المغارة والسهل). وتابع: عملنا معاً في مجلة فنون خلال السبعينيات وكان معنا آخرون حتى اجتمع بنا اديب ناصر اجتماعاً تحقيقياً بعد ان شككت بنا السلطة، وعلى إثرها تم طردنا ، وما أن فتحت جريدة (طريق الشعب) انتقلنا اليها جميعا.