يبدو أن مسلسل الجرائم الذي ترتكبه العصابات الارهابية لم يقف عند حد ولم يغض الطرف عن أي جانب من جوانب الحياة حيث امتدت حلقات المسلسل لتروي احداثاً مروِّعة كانت الضحية فيها هذه المرة التماثيل والآثار التاريخية.

فقد شهدت مدينة الموصل جريمة كبرى تمثلت في تدمير آثار يعود تاريخها لآلاف السنين تحت غطاء الواجب الشرعي متجاهلين مرور قافلة الزمان عليها وهي تصطحب الانبياء والأولياء من دون ان يتعرضوا لذلك المكان بأي شكل من الأشكال إلا ان الستار المزيف لهذه الجماعات قد اُزيح بعد ان قاموا ببيع الجزء النفيس من هذه الآثار التاريخية التي تحكي حقبة مهمة من تاريخ البشرية.

قـرار دولي مُلـزم

عن هذا الأمر يقول مدير العلاقات والإعلام في وزارة السياحة والآثار قاسم السوداني: لم تقف الوزارة مكتوفة الأيدي، فبعد حملة الشجب والاستنكار ودعوة المجمتع الدولي لحماية آثار العراق والتنسيق الجيد مع منظمة اليونسكو وبعض الجهات التي تعنى بالشأن، تكللت جهود الوزارة بإصدر مجلس الأمن الدولي قراراً برقم 2199 يمنع المتجارة بالآثار العراقية والقرار ملزم للجميع وهنالك لجان متخصصة تتابع تنفيذه. مبيناً ان مدير عام منظمة اليونسكو ايرينا بوكوفا وخلال زيارته العراق دعت المجتمع الدولي إلى ضرورة تحمّل مسؤوليته في حماية الآثار العراقية.

واوضح السوداني: ان الوزارة قامت برد ثقافي على جرائم داعش بحق الآثار العراقية من خلال العديد من الفعاليات منها افتتاح المتحف الوطني العراقي بعد ان كان مغلقاً لسنوات طوال، كما افتتحت متحف الزعيم عبدالكريم قاسم ودار الشاعر بدر شاكر السياب بعد ترميمه وصيانته، مضيفاً: سيتم خلال الفترة المقبلة افتتاح متحف السماوة، كما تم افتتاح المشفى الايطالي الذي يهتم بترميم وصيانة الآثار والمخطوطات العراقية بالتعاون مع الحكومة الايطالية.

واشار مدير عام العلاقات والإعلام في وزارة السياحة والآثار: الى وفد رفيع المستوى سيقوم خلال الشهر المقبل بزيارة منظمة اليونسكو لاستكمال اجراءات التنسيق معها من اجل حماية الآثار، مبيناً: ان حماية الآثارالعراقية مسوؤلية دولية لأن الإرث الحضاري العراقي هو إرث للانسانية جمعاء وواجب حمايته. مبشراً بنتائج ايجابية بهذا الخصوص. ومؤكداً ان الوزارة ولجنة السياحة والآثار عاكفتان على اصدار تعديل لقانون الآثار رقم 55 لسنة 2003 ونأمل خيراً في ان يرى هذا القانون النور قريبا. لافتاً الى أن الوزارة عملت على إعادة الكثير من الآثار المسروقة والمنهوبة من المتاحف والأماكن التاريخية، مشيراً الى العمل على منظومة مراقبة ومتابعة متطورة عبر الأقمار الصناعية لحماية الآثار العراقية.

48 الف قطعة آثارية

من جانبه يقول علي محمد شريف رئيس لجنة السياحة والآثار النيابية: هنالك تنسيق جيد وايجابي مع وزارة السياحة والآثار، وضعنا اجراءات كفيلة بحماية الآثار واسترداد ما سُرق منها. مبيناً وجود مناشدات وكتب رسمية من وزارة السياحة والآثار الى منظمات الامم المتحدة لأجل متابعة سُراق ومهربي الآثار في كل الدول.

واضاف شريف: نحن كسلطة تشريعية ننسق مع وزارة السياحة باعتبارها سلطة تنفيذية تقوم بالتنسيق مع الأمم المتحدة والجهات المعنية، ووحدة العمل موجودة في ما بيننا وقد عقدنا مؤتمراً داخل البرلمان في هذا الخصوص تمخضت عنه رؤى وأفكار عـدة. وفي ما يخص الآثار المسترجعة قال: إنها موجودة الآن في المتحف الوطني في بغداد الذي قامت الوزارة بافتتاحه قبل نحو الشهرين، إذ يبلغ عدد القطع المستردة 48 الف قطعة أثرية موضحا: ان الجهود مستمرة لضم مدينة بابل الأثرية الى لائحة التراث العالمي.

وتابع رئيس لجنة السياحة والآثار النيابية: إن قانون التراث المرقم ب 55 لسنة 2003 المعدل يتضمن 30 مادة قامت لجنة الآثار باضافة 15 لجنة اخرى في كيفية حماية الآثار والتراث، والعقوبات المترتبة على مَن يتجاوز عليهما سواء كان فرداً ام دولة، مؤكداً ان العقوبات قد تصل الى الإعدام والمؤبد بالاضافة الى الغرامات ومضاعفتها: متوقعاً إقرار القانون في الفترة المقبلة بعد قراءته اكثر من مرة واجراء التعديلات على بعض الفقرات، مبيناً ان الازمة المالية الحالية انعكست على بعض الاجراءات التي تم اتخذها بشأن حماية الآثار وخاصة في زيادة عدد العناصر الأمنية التي تتكفل بحماية الآثار، منوِّهاً الى ان عددهم الآن قرابة 1700 عنصر، وان الحاجة تستوجب قرابة 10500 عنصر .

وقال السفير الإيطالي في بغداد ماورزيو ميلاني ، خلال افتتاح وزارة السياحة والآثار العراقية المشفى الايطالي للمخطوطات بالمتحف الوطني العراقي في بغداد، لمعالجة أكثر من 40 ألف مخطوطة عراقية متضررة: إن بلاده ترغب في رسم خارطة جديدة للمواقع الأثرية بالعراق مؤكداً: أن الشرطة الايطالية تراقب جميع الأسواق والمزادات في ايطاليا التي من المتوقع أن تتداول القطع الأثرية العراقية لغرض ضبطها وإعادتها الى الحكومة العراقية، فضلا عن إلقاء القبض على مَن يتاجر بها، مشدداً على أن ايطاليا مستعدة لتقديم مختلف المساعدات للعراق لحفظ وصيانة الآثار، فضلا عن تدريب الفرق العراقية.

المنحة المالية وحماية بابـل

وبشأن انضمام مدينة بابل الى صندوق النصب الدولي قال حسين فليح العماري مدير آثار بابل: ان موضوع انضمام مدينة بابل الأثرية الى صندوق النصب الدولي بات وشيكاً وان الملف قد سُلـِّم يوم 21/2/2015 الى صندوق النصب الدولي التابع لمنظمة اليونسكو ونحن بانتظار عرض الموضوع على لجنة دولية لغرض زيارة الموقع ميدانيا مبدياً تفاؤله بالمصادقة على الملف، معلناً ان مدينة بابل الآثارية مشمولة بالمنحة الدولية للسنة القادمة.

واضاف العماري: عند انضمام المدينة الأثارية لمنظمة اليونسكو فان المنظمة ستوفر حماية للمدينة في حال تعرضها لخطر او الى كوارث طبيعية بالاضافة الى قيامها بعملية الصيانة والتأهيل ومراقبة ومتابعة حركة السياح وغيرها من الامور التي ستكون من مسؤليتها. مبينا: ان وزارة السياحة والآثار كانت قد حددت مبلغ 50 مليار دينار لتأهيل المنطقة الأثرية ولكن الموضوع قد توقف نظراً للضائقة المالية التي تمر بها الدولة.

وفي ما يخص خطر داعش وتهديده لمدينة بابل الآثارية قال: الحديث عن خطر يهدد المنطقة الأثرية في بابل من قبل تنظيم داعش هو خطر بعيد والمنطقة محمية من قبل القوات الامنية ونحن نمتلك تقريبا 1000 موقع أثري 90 بالمئة منها مسيطر عليها، شاكياً: ان وزارة السياحة والآثار قد استوعبت اكثر من 1200 عنصر حرفي من وزارة الصناعة والمعادن وكان أمر استقبالهم غير مدروس لأننا نحتاج الى حراس يقومون بحماية المناطق الأثرية ومن سكنة هذه المناطق حصراً ليكونوا قريبين من الموقع الأثري وأمام أنظارهم 24 ساعة يومياً.

تحريم الآثــار

يقول خبير الآثار ورئيس قسم الآثار في جامعة بابل الدكتور هديب غزالة: كان هنالك مخطط لافتتاح متحف الموصل بتاريخ 21/3/2015 بالتزامن مع أعياد نوروز، ولكن الذي حصل وبعد سقوك الموصل اُغلق هذا المتحف واتخذه تنظيم داعش مقراً له وقام بتخريب وسرقة مقتنياته التي لا تقدر بثمن، موضحاً: بالاضافة الى ذلك لدينا العديد من المواقع الآثارية التي تقع في وسط وجنوب العراق لكن للاسف غير مسيطر عليها من قبل الدولة والجهات المختصة، إذ تتعرض هذه المواقع بين آونة وأخرى الى السرقة والتخريب، داعيا الحكومة الى ضرورة الإسراع بتوفير الحماية لهذا المواقع واسترجاع ما سُرق منها من تحف ومقتنات واستعادة ما تـم بيعـه وتهريبه.

واضاف غزالة: هنالك بعض من المسوؤلين لا يُعير للآثار قدراً عالياً من الأهمية وفكرهم يختلف عما نفكر به نحن، وهنالك بعض الاشخاص والجهات تعــد الآثار والتماثيل محرمة،وليس تنظيم داعش فقط. متابعاً: علينا ان نحارب هذا الفكر اولا كي نحافظ على هويتنا ، وثانيا لابد ان نبث الوعي بهذا الخصوص وخاصة بالمناهج الدراسية ولابد للطالب ان يحمل وعياً وذائقة بهذا الشأن، من خلال تكثيف الزيارات المنظمة للمتاحف الآثارية ونشر تاريخ الحضارة العراقية وأهميته من اجل تعزيز الانتماء للارض الى انتجت تلك الحضارات مبدياً أسفه على فقدان روح المواطنة.

وقال غزالة: ان قانون حماية الآثار رقم 55 لسنة 2003 غير مفعـَّل داعياً الحكومة والبرلمان ضرورة تفعيله، ولافتاً الى ان سرقة الآثار تحدث في كل الاماكن والمواقع الأثرية في العالم وعلى سبيل الذكر مصر سُرق منها الكثير من الآثار ومازالت تُسرق ولكن الهالة الإعلامية التي حدثت بالعراق اكثر من بقية الـدول. الى ذلك دعت وزارة الثقافة الى تكثيف الجهود الدولية لمكافحة تهريب الآثار والمخطوطات والوثائق، وتحصين المواقع الآثارية في العراق، مؤكدة وجود 14 الف موقع تأريخي غير مستكشف في البلاد متعرضة الى السرقة والنهب والتدمير.

من جانب آخر اشار مصدر الى تعدد طرق تهريب الآثار عبر صهاريج النفط او شاحنات نقل الخضراوات او بطاريات السيارات. وأن الأمر ليس بجديد على الآثار العراقية التي تشكو السرقة والتهريب منذ تأسيس الدولة العراقية الى يومنا هــذا.