الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
علي جواد الطاهر وأجيال القصّة في العراق
الثلاثاء 05-05-2015
 
المدى

عُني علي جواد الطاهر بالقصّة العراقيّة عناية كبيرة ؛ فقد كتب عن الرائد المنشئ محمود أحمد السيّد ، ثمّ جمع آثاره مع عبد الإله أحمد . وبقي يقرأ ما يصدر من قصص ، ويرصد مواطن الجودة ، وينبّه على مواضع الضعف ، ويقف عند الريادة الأولى ، وعند الريادة الفنيّة التي بُنيتْ على التأسيس الأول ، وتوخّتْ عناصر الفن متّصلة بالفن القصصي الحديث. وإذا كان محمود أحمد السيّد قد أحرز الريادة المؤسسة ؛ فقد كانت لعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي الريادة الفنيّة . وقد عُني الطاهر بهما ، وبما أبدعا من فن ، وكتب عنهما وعن غيرهما من الجيل الذي اقتدى بهما ، وتهيّأت له مادة كتاب نقدي سيحمله معه حين يغادر العراق إلى المملكة العربيّة السعودية في سنة 1963 .

كان قد كتب عن قصص : فؤاد التكرلي ، وشاكر خصباك ، ومهدي عيسى الصقر ، وغائب طعمة فرمان ، ومحمود الظاهر ، وصلاح حمدي ، وهؤلاء هم من دُعي بجيل الخمسينات وإذا بدا أنه أغفل عبد الملك نوري ، فإنه قد كتب عن (( نشيد الأرض)) عند صدورها في سنة 1954 ، غير أن ما كتبه لم يقدر له أن ينشر ثم ضاع

نشر مقالاته عن أولئك القصاصين في مجلة (( الأديب العراقي )) التي كان بصدرها الاتحاد العام للأدباء ، عدا ما كتبه عن صلاح حمدي فإنه نشره في مجلة (( المثقف ))، فكانت جميعها في متناول الأدباء ، ينظرون فيها ويراجعون قصصهم بضوء منها .

وهم عنده (( جيل لا يولد بسهولة ولا يتكون بيسر )) تقّدم بالقصة العراقية نحو أفق واسع في الشكل والمضمون . وكان قبله من ارتاد الميدان ، ومّهد الأرض ، وصنع جواً قصصياً في الأدب العراقي الحديث سيجذب إليه ناشئة الأدباء . كان الرائد محمود أحمد السيد ، وكان ذو النون أيوب ، وكان عبد الحق فاضل ، وكان غيرهم . وكان أيضا لابد لهذا الأدب القصصي الناشئ أن يكون على صلة بموجة من الفكر أطلت على المجتمع العراقي تنظر إلى الفقر والظلم والجهل والمرض ، وتريد أن تزيلها ، وأن ترتقي بالمجتمع ، وأن تخرج به من ضروب الاستعمار والاستغلال ، وتريد من الأدب أن يتولّى جانباً من ذلك وأن يعبر عن قضية المجتمع في إزالة الظلم، حتى شاع ذلك في البيئة الأدبية وصار صعباً على القصاص أن يخرج عنه ، وأن يكتب عما سوى ما يتصل بتلك القضايا التي رشحت له بنحو ما .

اكتمل ما كتب عن أولئك القصاصين ، وحمله معه عند مغادرته العراق وبقي أن يكتب خاتمة حتى تتضح معالم القصة في الذي لها والذي عليها ، وصدر : (( في القصص العراقي المعاصر )) سنة 1967 ، وفيه خاتمة لا تقف عند القصص التي كانت موضع دراسة ونقد وحدها، بل تخرج منها إلى ملامح تنتظم جلّ من يزاول الكتابة القصصية في العراق ، في حقبة الخمسينات وما يسبقها ، وجلّ ما كتبوا . يقول : (( الصفة الغالبة على القصة الحديثة في العراق : أنها اجتماعية ، بمعنى أنها تتحدث عن أناس عراقيين ، يعيشون على الأرض ، وأكثر هؤلاء الناس من العامة الذين تلتقي بهم في الشارع والسوق والحقل والمصنع ، ولم يكن الحديث لمجرد الحديث، لأن هؤلاء – عادة – فقراء ، وكادحون يبذلون من الجهد كثيراً ولا ينالون من الخبز ما يسد حاجتهم .. هذه هي الصفة الغالبة على القصة العراقية ، وهي المقصودة عندما نسمع كلمة الواقعية في العراق ، والقصص الواقعي .))

وثمة قصص آخر ليس واقعياً ، ولا يتخذ من البيئة الاجتماعية ، موضوعاً له ، بل يجعل مداره ما يضطرب في النفس الإنسانية من عواطف وأفكار ، ولكنه قليل و (( لو خُلّي بين القاص العراقي ونفسه لأنتج كثيراً من هذا الضرب . ))

ولعل ما يقف بين القاص العراقي وهذا الضرب من الكتابة هو هيمنة الفكر الاجتماعي القائم على النزوع التقدمي وسيادته حتى أن من يكتب عن شأن آخر غير ما هو مرشح يبدو ناشزاً ويلقى ألواناً من اللوم ، ظاهرة وخفيّة . ولا ريب في أن وراء هذه الهيمنة فكراً سياسياً يُعنى بالمحتوى من الأدب قبل عنايته بالشكل ، أو إنه يعد العناية بالشكل مما لا ينسجم مع ما هو فيه .

رأى الطاهر أن الواقعيين ومن جعل القضية الاجتماعية مدار أدبه وقعوا ، بجملتهم ، في انفصال بين أنماط حياتهم والبيئة الاجتماعية التي يرومون التعبير عنها . (( وهكذا يقع الكاتب في تناقض بين ما يقول وما يريد أن يكون عليه عيشه ، إنه يرنو إلى حياة الترف ولكنه لا يجاهر بذلك، ولا يسجله في أدبه، وإنما يجاهر بما يريد أن يعرف به ويقال عنه : كاتب شعبي ، الأدب للحياة.. )) ولا بد أن يفضي ذلك إلى نوع من التناشز بين الشكل والمحتوى ، لا سيما حين يعمد القاص إلى أن يدخل على قصصه ما لا يلائمها كأن يسمع باللاوعي فيريد أن يزجّه في قصصه بما لا ينسجم مع شخصياته (( فيصبح شكلاً أكثر منه مضموناً ، أو شكلاً منفصلاً عن مضمون ، ويعود التمزق الفني ثانية وعلى طراز جديد .))

يرصد الطاهر ذلك في القصة وما طرأ عليها ، ويرصد القصاصين ليتضح له حالهم بين قول مدّعٍ، وطريقة في الحياة يسعون إليها ، وهم في جملتهم لا يكتبون عن نمط الحياة التي يحيونها ، وإنما يكتبون عن حياة أخرى هي حياة الفقراء والمعدمين مما يلقي بالقصة في الافتعال والبعد عن الأصالة . وكان لهم على ما يرى إن يكتبوا عن نمط حياتهم وعن الناس الذين يخالطونهم فذلك أيضا من النزوع الاجتماعي لولا نظرة ضيقة للمجتمع وما ينبغي الكتابة عنه .

كان شيء من الازدواج يحكم أولئك الأدباء ويفصل بين حياتهم وأدبهم ، ولا ريب في أنه يرجع إلى ازدواج آخر يحكم المجتمع كله ، ويجعل المسافة بين القول والفعل واسعة.

زاول الناقد الطاهر وهو ينظر في القصة الخمسينية المنهج الفني إذ استخلص عناصرها الفنية ومدى تطورها بالإضافة إلى القصة التي سبقتها ، وزاول أيضا المنهج الاجتماعي إذ ربط بين الأديب وبيئته ، وحاول أن يجد أصداء البيئة في قصصه . إنها رؤية فنية اجتماعية !

اكتملت لديه ملامح القصة الخمسينية وهي قصة ، على تحقيقها الشرط الفني ، تسعي أن تخرج من المجتمع وأن ترجع إليه على وفق رؤية فكرية كتبت لها السيادة منذ الأربعينات إلاّ قليلاً مما كان له مدار آخر يتصل بالنفس وتقلباتها .

كانت القصة الخمسينية في جو مهّد لها ودعا إليها ، وكان لها أن تزداد رسوخاً لو أن ذلك الجو بقى في إطاره العام ، لكنّ أمراً وقع فانحرف المسار ، وتغيرت الحال ،وأصاب الأذى جملة ممن كان يتخذ ذلك النهج الواقعي في أدبه حتى انصرفوا عن الشأن العام وانقطعوا عن مزاولة الكتابة مدة .

غادر علي جواد الطاهر إلى المملكة العربية السعودية ومعه ما كتب عن قصة الخمسينات وعنده أن كتابها (( جيل لا يولد بسهولة ولا يتكون بيسر.)) وظلّ يرقب الشأن القصصي ، على البعد ، ويرصد اختلاف الأجيال عليه ، ويسعى أن يجد الملامح التي يفترق بها كلّ جيل عن سابقه، وأن يجد ما بقي متّصلاً بين الأجيال .

ثمّ نشأ جيل ، وشرع يزاول الكتابة ، ويحاول أن يقطع صلته بما سبقه نافياً أن يكون له أساتذة أخذ عنهم صنعة القصّة.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
الاحتباس الحراري وتأثيره على سرعة دوران الارض
الربط الكهربائي الأردني- العراقي يدخل الخدمة السبت المقبل
سفن حربية روسية تدخل على خط البحر الأحمر
المندلاوي يدعو الشركات الصينية لاستثمارات طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق
أزمة تعليمية حادة تهدد أطفال العراق بـ"مستقبل قاتم"
جاء بطائرة ليتسلم البراءة ويسافر.. تفاصيل الغاء حكم الإعدام بحق ضابط متهم بقتل الهاشمي
منتخب العراق يواصل مشواره في تصفيات المونديال بنجاح
البطريركية الكلدانية في العراق تلغي الاحتفال بعيد القيامة احتجاجا على "إبعاد ساكو"
طلب رسمي لحجب "تيك توك" في العراق.. وأرقام جديدة للمواقع الإباحية
مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
الاتحاد الديمقراطي العراقي يشارك في احتفالات نوروز
"المحيبس" يضيع في قبضة النساء.. السيدات يقتحمن اللعبة الرمضانية الأكثر شعبية في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة