شهد متحف فكتوريا آند ألبرت، في العاصمة البريطانية لندن، أكبر تجمع لخبراء المتاحف والآثار تحت عنوان "الحضارة في أزمة" لتدارس الاعتداءات التي تتعرض لها المتاحف والمواقع الآثارية في العراق وبلدان أخرى، الأمر الذي بات يشكل انتهاكا صارخا لحرمة التراث الإنساني ومحاولة لمحو ذاكرة البشرية والأخذ بها نحو مستقبل مظلم، خال من العبر والمعاني والإنجازات التي تحققت للإنسان على مدى الأزمان.وقائع المؤتمر جاءت بأربعة محاور استهدفت مراجعة تجارب الماضي وحصر الأضرار واستعراض دور "أنتربول" في منع الاتجار غير المشروع بالآثار المسروقة بالإضافة الى زيادة الوعي العام بأهمية التعرف على المسروقات ورصدها والتعاون من أجل استرجاعها.الدكتور "إيكارت فرام" أستاذ الآشوريات بجامعة "ييل" والمتخصص بتاريخ وحضارة وادي الرافدين "ميسوبيتيميا" لمرحلة الألف الأول قبل الميلاد، قال إن "الآثار العراقية كانت في الحفظ والصون للفترة الواقعة مابين عامي 1920 – 1980 ،وبعد ذلك وبسبب الحروب المتلاحقة بدأت تتعرض للنهب والدمار. وأشار أيضا إلى مدى أهمية توثيق المسروقات في هذه المرحلة، كما نوه الى أهمية تعاون الحكومة التركية مع الجهود العالمية لمنع تهريب الآثار عبر أراضيها.كما تحدث البروفيسور "ماركوس هيلغرت" مدير "متحف تاريخ الشرق الأدنى القديم" في برلين، وأستاذ الآشوريات في جامعة هايدلبرغ، مشددا على ضرورة منع الاتجار غير المشروع بالآثار، وكذلك زيادة الوعي الأجتماعي العام بأهمية حماية التراث.الدكتور جون كيرتس، مدير قسم الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني بين عامي 1989 - 2011، الذي قام بزيارات عديدة الى العراق بين عامي 2003 – 2013 بهدف تقييم الأضرار التي تعرضت لها المواقع الأثرية بعد دخول قوات التحالف، وتبنت اليونسكو تقريره بهذا الصدد، أفاد بأن المتحف الوطني في بغداد كان يعد في صدارة المتاحف العالمية وبقيت محتوياته سليمة منذ تأسيسه في عام 1923 ولغاية حرب الخليج. كما نوّه الى أن التدمير الذي تمارسه الجماعات الإرهابية ضد التراث الإنساني لم يسبق له مثيل في شراسته وشموليته، مؤكدا على ضرورة قيام اليونسكو والأمم المتحدة بوضع الضغوط وإصدار الإدانات ضد الجهات والدول التي تدعم الجماعات الإرهابية، وكذلك وضع تشريعات قانونية ضد التهريب والمتاجرة بالآثار، ونشر الوعي الثقافي في كافة مجتمعات العالم حول أهمية حماية التراث الإنساني .مدير متحف "فكتوريا آند ألبرت" مارتن روث، أوضح لنا أن الغاية من انعقاد المؤتمر بهذا العدد الكبير من الخبراء العالميين هي أن لانبقى مكتوفي الأيدي إزاء ما يحدث على أرض الواقع من تدمير واعتداء على تاريخ البشرية، فهؤلاء، على حد تعبيره، لايدمرون الماضي فحسب، بل يعملون على إفراغ مستقبل الإنسانية من كل المعاني والقيم والإنجازات.وعن دور المتحف البريطاني بالنسبة للأزمة الآثارية الراهنة قال لنا الدكتور "جوناثان تاب" مدير قسم الشرق الأوسط إن المتحف البريطاني تقدم بمبادرة لتدريب آثاريين عراقيين حول كيفية التعامل مع الأزمات ومعالجة القطع المهشمة وربما إعادة تركيبها، مؤكدا، في حالة أقرب الى التفاؤل، أن تجربته كخبير آثار تثبت أن بالإمكان إعادة تركيب القطع المهشمة في حالات كثيرة. ولابد من القول هنا إن غياب العراق عن المؤتمر بكل أشكال التمثيل المتاحة، سواء من خلال التقارير المصورة او التمثيل الشخصي، ترك فجوة ملحوظة لاسيما أن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المتاحف والمواقع الأثرية في الموصل مازالت تشغل تفكير العالم وتثير استغرابه.

يذكر ان المؤتمر أقيم تحت رعاية منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون ما بين متحف "فكتوريا آند ألبرت" و "معهد حماية التراث الحضاري" التابع لجامعة "ييل" الأمريكية، شارك فيه حوالي 150 خبيرا عالميا بالآثار، بضمنهم أكاديميون ومدراء متاحف ومتخصصون بتجارة التحف ومسؤولون من "إنتربول"، وقُدّمت خلال المؤتمر تقاريرمصورة عن أوضاع المتاحف والمواقع الأثرية المتضررة في عدد من بلدان العالم بينها دول عربية كسوريا واليمن وليبيا بالإضافة الى أفغانستان وكوريا ومالي ونايجيريا. وبرغم تغيب العراق عن المؤتمر، إلا أن التقارير التي ألقاها بعض الخبراء الأجانب عن الواقع الآثاري هناك ساعدت في رسم صورة واقعية عن طبيعة وحجم الأضرار التي تعرضت لها متاحفه ومواقعه الأثرية من قبل الجماعات الإرهابية في الآونة الأخيرة.