بعد شهر من توجيه القوات الامنية هجمات لاستعادة السيطرة على مدينة الرمادي، قام مسلحو "داعش" بتحصين انفسهم في تلك المدينة بعد إصلاح البنى التحتية فيها وأعادوا إدارة الحكم المحلي وبنوا دفاعاتهم لاحباط اية هجمات.
بتأخير هجوم القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي المرافقة لها، جعل المواطنين هناك في حالة شك وانتقاد لتلك القوات التي لطالما اعلنت انها بصدد استعادة السيطرة على المدينة، فهم يقولون، ان التنظيم استفاد من ذلك التأخير وقام بترسيخ دوره والإشراف على كل شيء في المدينة، محكماً قبضته بالوقت نفسه، على المساجد المحلية، فضلاً عن إصلاحه الطرق وتوزيع الوقود واعادة التيار الكهربائي، بحسب الاهالي.
التنظيم غالباً ما صوّر نفسه على انه "دولة حقيقية قادرة على توفير الخدمات للمواطنين او المسلحين" كما يسميهم، فمن الرقة الى دير الزور في سوريا مروراً بالموصل والرمادي الان في العراق، اثبت ذلك التنظيم بانه قوة ينفر منها كل عاقل موجود في تلك المحافظات المذكورة، بسبب قطعه الرؤوس والايادي ممن يتهمهم التنظيم بتهم غريبة وعجيبة.
هشام الهاشمي، خبير في شؤون الجماعات الاسلامية المتطرفة، قال "عندما دخل مسلحو داعش المدينة صادروا الاسلحة وقتلوا المناهضين لهم، حتى بدت الحياة الان طبيعية في الرمادي فهناك سوق وكهرباء".
ويضيف الهاشمي ان "تأخير العملية العسكرية للحكومة ستعطي للمتشددين فرصة جيدة لتأمين مواقعهم بشكل افضل.
ويقول محللون، ان سقوط مدينة الرمادي عكس فشل الستراتيجية العراقية في مكافحة تنظيم "داعش". وبعد الانسحاب العسكري الفوضوي من الرمادي، اعلنت الحكومة في وقت سابق انها بصدد شن عملية عسكرية واسعة النطاق الى جانب فصائل الحشد الشعبي، ولكن التنفيذ متوقف الى الان لاسباب تتعلق بالوقت، وفقاً لمسؤولين عراقيين.
كريم النوري، المتحدث باسم فصائل الحشد الشعبي قال "علينا تنسيق الوقت المحدد، لانه في حال ذهبنا سريعاً سيكون هناك العديد من الضحايا بين القوات الامنية والفصائل الموالية لها". مؤكداً، ان القوات العراقية تحيط الرمادي من ثلاثة محاور.
الامم المتحدة من جانبها قالت في تقرير لها، ان نازحي الرمادي بلغ في مراحله الاولى 250 الف، وبعدها تضاعف العدد الى 500 الف شخص، كلهم يعيشون في ظروف انسانية صعبة، وفقاً للمنظمة الاممية.
وبدت الرمادي، بعد سيطرة المسلحين عليها، كأنها مدينة مهجورة جراء العمليات العسكرية التي لحقت بها. فالسكان هنا يقولون، ان المتشددين استوطنوا المنازل الفارغة وقاموا بتفخيخها، فضلاً عن انتشار مسلحين اخرين في شوارع المدينة وهم يرتدون الملابس السوداء ويستجوبون السكان المحليين لمعرفة انتماءاتهم، وفارضين بالوقت نفسه قيوداً صارمة على النساء من ناحية زيهن.
ويقول احد سكان الرمادي، البالغ من العمر 27 عاماً الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته، ان "التنظيم يسألنا اسئلة غريبة دائما، وهي من اين انت؟ ومن انت؟ والى اين انت ذاهب؟ ومع من كنت؟"
ايمن التميمي، باحث وزميل في منتدى الشرق الاوسط بولاية فيلادلفيا، يقول ان "إشراف داعش على المساجد المحلية هي واحدة من علامات ترسيخ وجود التنظيم هناك".
وفي 4 حزيران، اصدرت اللجنة الدينية التابعة لتنظيم "داعش" تعليمات جديدة بشأن الحياة اليومية في الرمادي، فشددت على إطلاق اللحى ودراسة القرآن بشكل رسمي في المدارس والمساجد معاً.
ويضيف التميمي، وفق تقرير انجزه عن حياة الرمادي صبيحة سقوطها بيد التنظيم المتطرف قال فيه، انه "في صباح اليوم التالي التي سقطت فيها الرمادي بيد التنظيم، دعا العاملين في المستشفيات المحلية للعودة الى العمل والالتزام بمواعيد الدوام العادية. ولكن يبقى فتح تلك المستشفيات غير واضح بالنسبة للاهالي".
ووزع مسلحو "داعش" منشورات في جميع انحاء المدينة وعلى شبكات الانترنت يطلب العاملين في محطة الغاز ان يقدموا تقريراً يومياً عن عملهم اليومي.
التميمي يعتقد ان هذه الخطوات هي بمثابة ديمومة بقاء التنظيم في الرمادي للحصول على المنافع المادية فيما بعد، فهو يريد تشغيل الحياة هناك لضمان بقائه.
الاهالي هنا يقولون ايضاً، ان الولاءات للتنظيم متقلبة ومتفاوتة وهي ناتجة من قسوة التنظيم، فضلاً عن خضوع الشيوخ هناك لارادته.
ويقول شيخ محلي من الرمادي، ان التنظيم المتطرف يتصرف على انه باق هنا وبشكل طبيعي، وهذا نتج عنه انضمام الناس اليهم باعتبارهم اليد العليا في مدينتهم الآن.
ويرى التميمي، ان التنظيم على معرفة بجغرافية المناطق التي يسيطر عليها، لذلك هو ينبع في تلك المناطق بسبب وجود الخلايا النائمة التي تساعده على البقاء لوقت اكبر، وبالتأكيد هذا المكان يعد مركزاً مهماً له لقربه من الحدود السورية وربط الطرق مع بعضها البعض منذ الصيف الماضي حينما سيطر على مدينة الموصل.