الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
رفقة تعود لأكثر من أربعة عقود
الجمعة 02-10-2015
 
داود أمين

المفروض أن أبذل جهداً، كي أتجنب الإنحياز، وأنا أقدم شهادتي اليوم، عن الفنان جعفر حسن! لكني أعترف بفشلي في هذا الخيار، فأنا أنحاز لجعفر موضوعياً، وليس برغبتي، لأنه وبصدق يستحق هذا الإنحياز، إنساناً وفناناً، وحين أقدم الإنسان على الفنان، أعني تماماً ما أقول! فجعفر مع فنه أو بدونه، هو رجل كريم، مضياف، متواضع، وصاحب موقف. جعفر، خلال أكثر من اربعين سنة، منذ عرفته، لم ينحني لريح، ولم يساوم على مبدأ أو قضية، لذلك نجد في ثباته على هذه الصفات، ربما بعض التفسير، لهذا الإهمال المتعمد له، من قبل وسائل الإعلام العراقي وغير العراقي، فجعفر لا يسوّق نفسه وفنه، في مزاد النخاسين، ولا يقدم فنه بضاعة رخيصة، في اسواق الرداءة السائدة.

لقد غنى جعفر حسن لشعبه العراقي، لفقرائه لعماله وكادحيه، ولم يغنِ يوماً لرئيس أو لحزب! كما غنى لفلسطين ولبنان، ولثورات الشعوب في افريقيا وامريكا اللاتينية، وكانت اغانيه الوطنية والسياسية والأممية، تتردد على ألسنة عشرات الألوف، من الجماهير التي كانت تحتشد في حفلاته، في جمعية التشكيليين العراقيين في بغداد، وفي بيروت، وفي منتزه نشوان في عدن، وفي ملاعب كرة القدم في حضرموت، وفي عشرات المهرجانات الجماهيرية في عواصم ومدن العالم المختلفة.

ولم يكن جعفر مطرباً أو ملحناً فقط، فقد مثل في المسرح والسينما، وساهم في تأسيس فرق مسرحية، ولحن المسرحية والأوبريت، وكان عازفاً مجيداً لعدد من الآلات الموسيقية، بينها الناي والعود والكيتار وغيرها، وهو أول مطرب عراقي يلحن ويغني للأطفال، كما ساهم في تأسيس فرق الغناء السياسي في لبنان وفلسطين، وأصدر أكثر من 20 إلبوماً غنائياً،

إن لقب الفنان المناضل يتطابق تماماً مع جعفر حسن، فقد دفع، طوال عقود من مسيرته الحياتية، فواتير ثقيلة، نتيجة إلتزامه السياسي، ومواقفه الوطنية والديمقراطية، ورفضه للدكتاتورية ومصادرة الحريات، إذ فصل بعد إنقلاب 8 شباط عام 1963، ومُنع من دخول الإذاعة، وتكرر الشيء نفسه عام 1972، إذ فصل مجدداً من العمل، ومن الإذاعة والتلفزيون، كما إعتُقل أواخر السبعينات، مما إضطره للهروب مشياً على الأقدام، بعد إطلاق سراحه، ليعيش حوالي ثلاثة عقود خارج وطنه!

لكن جعفر المشحون بالوعي والقدرة على العطاء، حول غربته ومعاناته لعطاءات متنوعة، فهو يلحن ويغني، ويقيم الحفلات الجماهيرية، ويشارك في المهرجانات العربية والدولية، ويساهم في تأسيس معهد للفنون الجميلة في عدن، ويدرس فيه، ويتسلم عمادته، ويؤسس فرقاً للشبيبة اليمنية، ويتحول لنجم فني بالغ التألق والسطوع.

لقد تعرفت على جعفر حسن اوائل السبعينات، عندما زرته مع صديق مشترك لنا، في شقته الصغيرة، في شارع السعدون، كما اتذكر، وكانت الشقة غاصة بآخرين، وهما زوجته وهو، يخدمان الجميع بأريحية وسخاء، بعدها بفترة، أي في تموز 1973، كنا معاً أعضاء في وفد مشترك، في المهرجان العالمي العاشر، للشبيبة والطلبة في العاصمة الألمانية برلين، وهناك كان لجعفر دور واضح في النشاطات المتنوعة، طوال أيام المهرجان، وكنت اراقبه وبيده العود، وهو يشارك الجميع أغانيهم ومعزوفاتهم.

بعدها كانت لنا لقاءات متفرقة ومتباعدة في بغداد، حتى إجتمعنا مجدداً في عدن عام 1979، إثر حملة السلطة الإرهابية، ضد القوى الديمقراطية واليسارية، وفي عدن تعمقت صلتنا أكثر، خصوصا وإن سكنه لا يبعد كثيراً عن سكني، وكنا، فنانة الشعب العراقي الفقيدة زينب وزوجها الفنان لطيف صالح وانا وزوجتي، نزوره في بيته القريب من ساحل رامبو، فيغمرنا بلطفه وكرمه، وأذكر في أحد زياراتنا تلك، وجود الفقيدة والدته التي وفدت من العراق لزيارته، وكانت قلقة عليه، فطمأنها الرئيس اليمني علي ناصر محمد بنفسه، أن لا تقلق على جعفر، لأنهم حريصون عليه! وفي عدن حضرت لجعفر العديد من الحفلات الجماهيرية، أذكر منها حفلة في الهواء الطلق في منتزه نشوان في عدن، وكانت الجماهير اليمنية، ومعظمها من الشباب، ومن الجنسين، تردد أغاني جعفر الشهيرة( عمي يابو الجاكوج ) و( اليمشي بدربنه شيشوف يابو علي ) و( شيلي تمر بالليل نجمه بسمانه ) وغيرها من الأغاني الثورية، التي شاعت في السبعينات، وإفترقنا من جديد، لنلتقي قبل سنوات، هنا في مالمو، في حفلة له، ثم في مهرجان المدى في اربيل عام 2006، وأخيراً إلتقينا مجدداً في اربيل، حيث نعيش فيها كلانا الآن.

للفنان القدير جعفر حسن تحيتي وإعتزازي، بمسيرته الإنسانية والفنية، المكللة بالثقة العالية بالنفس، وبالقدرة على مواصلة العطاء الإنساني الأصيل.

دمت للعراق، إضافة نوعية لموروثه الموسيقي العريق.

+ أُلقيت هذه الشهادة في الحفل التكريمي، الذي أقامته ( مجلة ننار ) في مدينة مالمو السويدية، تكريماً للفنان العراقي المعروف جعفر حسن، يوم 27/9/2015 .

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
اتفاقية إدارة الموارد المائية مع تركيا تثير غضب خبراء المياه في العراق
تصاعد التوتر في جامعات أميركية وسط تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين
مراسم "طواف كرجال" عند الإيزيديين في دهوك
ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
اتفاق بين العراق وتركيا.. تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود
أردوغان يعلن نقطة تحول في العلاقات مع العراق ومباحثات واتفاقات تخص العماليين والمياه
العراق وتركيا وقطر والإمارات.. توقيع مذكرة تفاهم رباعية للتعاون بـ"طريق التنمية"
زيارته الأولى منذ 13 عاما.. ماذا يحمل إردوغان في جعبته للعراق؟
الفصائل تتمرد على الحكومة وعلى تفاهمات واشنطن: يدانا ليست مكبلة بالأوامر الرسمية !
يوم الأرض العالمي، 22 نيسان 2024
شقيقة الباحثة الإسرائيلية المختطفة بالعراق "تهاجم" السوداني في واشنطن
انتصار نقابي تاريخي لموظفي فولكسفاغن في الولايات المتحدة، ونقطة تحول تزيد من رهانات الانتخابات في ألاباما
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة