الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
خالي الغالي يتوارى عن انظارنا
الأحد 27-12-2015
 
نبيل يونس دمان

     على اثر حادث سير مؤسف، لفظ انفاسه الاخيرة خالي جمال كوريال اسطيفو اودو، في احدى مستشفيات بغداد يوم 21- 12- 2015، ونحن على اعتاب اعياد الميلاد ورأس السنة المجيدتين، فكتب لنا ان يكون احتفالنا، مجللاً بالسواد، ووقع هذا المصاب. نقل جثمانه الطاهر الى القوش، ليوارى الثرى في ارضها الغالية، بجانب اهله واصحابه وباقي ابناء بلدته الراقدين على رجاء القيامة.

    صاحَب جثمانه من بغداد في ظروف بالغة الصعوبة، ولديه الشبلين، وشقيق زوجته الصديق المهندس نمرود رؤوف عبيا، واخته الرائعة هيلين، عند وصولهم القوش خرج الألقوشيون لاستقبالهم في مفرق الطريق الى الشيخان، وسط مظاهر حزن غمرت كل من عرفه او سمع به، وكانت مراسم دفنه مهيبة تليق بمقامه واسرته العريقة.

    كان جمال انسانا مؤثرا في حياتي، ساعدني كثيراً، وكان معي على الخاطر، وهو المبادر بالاتصال دائما، وهو مثال الغيرة والهمّة والشجاعة، لم يتراجع ابدا في اي موقف، وكان جريئا ومقداماً، وتلك صفاته الرئيسية التي تميز بها، في ذات الوقت كان مربياً لاسرة رائعة، من الولدين الحبيبين: خالد ورافد، والابنتين العزيزتين: سهى وندى، الى جانب زوجته المغفور لها الست آسيا رؤوف عبيا.

    الحديث عن جمال ليس بالشيء اليسير، ولا استطيع في هذه الأسطر ان احيط، إلا بشذرات من تلك السيرة الحسنة، المفعمة أباء وشهامة، وابسط مثال انه آثر البقاء في بغداد حتى فارقها جسداً، وبقيت روحه ترفرف فوقها، منشدة السلام والاستقرار، ليعود كل طيب غادرها مكرها، بعد موجات متتالية من الظلم والاضطهاد، وسوء الاحول العامة التي مرت ولا تزال في العقود الاخيرة.

    جمال كان شجاعاً وهذه الكلمة ترادف اسمه، ويقرها كل من عرفه او سمع به، وكان ايضاً طيبا وحنونا، ظريفا في حديثه، اجتماعيا على افضل صورة، وذو معارف من مختلف الاديان والمناطق، وتكفي علاقاته التي جعلته يصمد في مدينة الدورة ببغداد، كل هذه السنين العجاف التي مرّت. كانت والدتي تقول ان جمال اشجع واحد في بيتهم، بل في المحلة القديمة المشهورة" اودو" في القوش، كانوا اطفالاً عندما يختبرهم الكبار، بتكليفهم في وضع علامات مميزة في متون الجبل( علّاثه) في ليالٍ حالكة الظلام، فكان جمال سبّاقا في الوصول الى اعلى الاماكن واصعبها.

    جمال المولود عام 1939 قضى سني عمره ومنذ اواسط الخمسينات، عسكرياً في الجيش العراقي، في اكثر الاماكن خطورة منها: طقطق، قرداغ، جومان، بارزان، اربيل، السليمانية، كركوك، وحتى تقاعده. وقبل ذلك شهد انقلاب عام 1963 وهو انذاك برتبة نائب عريف هندسة آلية كهربائية، كان في معسكر الرشيد في ذلك اليوم الاسود، عندما عاد في المساء الى البيت، كانت والدته واخوانه قلقين عليه، يرقبون الباب، لعلّه يدخل، وعندما دخل، كان جسمه مغطى بالدماء، فشرعت امه واخته تبكيان بصوت مرتفع، فضحك جمال وقال: اطمئنوا انا بخير. وما الدماء الا لآخرين بجواري قضوا او اصيبوا. في اليوم التالي التحق بمعسكره، ولم يعد، حيث اعتقل لمدة من الزمن في السجن العسكري، ونال قسطاً من التعذيب الشديد قبل ان يطلق سراحه، بعد اطلاق سراحه، واخيه المرحوم جلال لازال معتقلاً، كان اهله قد استقروا في القوش، فتوجه اليها. استقبلته والدتي وسألته عن سجنه، فخلع قميصه، وكنتُ شاهدا الموقف، عندما كشف ظهره المثخن بالجراح وبأخاديد وندوب كثيرة حمراء، اثر السياط الملتهبة التي اوقعها فيه، جلادو 8 شباط.

    الحديث عن جمال طويل وذو شجون، من زياراتي المتكررة الى العراق، كان ياتي الى زيارتي، واحيانا مجازفا خصوصا في عام 2002 عندما كنت في دهوك، كذلك عام 2011 في القوش، وفي عام 2012 نزلت ضيفا عندهم في بغداد، فاخذنا مع اخي وخالي الآخر، في التجوال في اشد مناطق بغداد خطورة، وهو لا يبالي ويقول لنا مشجعا: انا معكم، فمن يستطيع ان يمسكم بسوء. زار اميركا اواسط 2013، ففرحنا به كثيرا واستمتعنا باحاديثه الجميلة، وكنا نطمح ان نلتقي به ثانية هنا او في العراق، خصوصا بعد ان اجرى عملية قلب ناجحة في الهند هذا العام، ولكن القدر كان بالمرصاد فرحل مأسوفاً عليه، ومفاجئاً الجميع.

    في هذه السطور القليلة المقتضبة، اسجل تعازي الحارة لاهلي جميعا في مصابهم الكبير، وخصوصا ولديه وابنتيه، ثم خالي عزيز، وعوائل اخوانه الراحلين واخواته وعوائلهم واحفادهم، وكل من آلمه المصاب الجلل. كما واسجل احترامي وتقديري مقرونين بالشكر الوفير، لكل من اتصل بنا او هاتفنا، اوسجل كلمة رحمة طيبة ومعبرة في الانترنيت، او حضر مراسم التعازي، التي اقيمت على روحه في اكثر من مكان. الرب الإله يجعل مثواه الجنة، ويلهمنا الصبر والسلوان، وكلنا تحت رحمة الله، وفي ذمته، واليه عائدون في آخر المطاف.

اميركا في 26- 12- 2015

nabeeldamman@hotmail.com

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
المندلاوي يدعو الشركات الصينية لاستثمارات طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق
أزمة تعليمية حادة تهدد أطفال العراق بـ"مستقبل قاتم"
جاء بطائرة ليتسلم البراءة ويسافر.. تفاصيل الغاء حكم الإعدام بحق ضابط متهم بقتل الهاشمي
منتخب العراق يواصل مشواره في تصفيات المونديال بنجاح
البطريركية الكلدانية في العراق تلغي الاحتفال بعيد القيامة احتجاجا على "إبعاد ساكو"
طلب رسمي لحجب "تيك توك" في العراق.. وأرقام جديدة للمواقع الإباحية
مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
الاتحاد الديمقراطي العراقي يشارك في احتفالات نوروز
"المحيبس" يضيع في قبضة النساء.. السيدات يقتحمن اللعبة الرمضانية الأكثر شعبية في العراق
اسرائيل: 700 أسير مقابل 40 رهينة في قبصة حماس
حداد وطني في روسيا بعد الهجوم على قاعة للحفلات الموسقية في موسكو
يوم المياه العالمي يمر بهدوء.. نظرة بالأرقام على الوضع المائي للعراق خلال 2024
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة