جاسم المطير
الموقف إزاء قضايا المرأة ، معاناتها وحقوقها ، هي قضية أساسية لنظرة الرجل إلى الحياة الإنسانية العامة أو لفلسفته في الحياة . يميل كل رجل يتمتع بحس إنساني أو يؤمن بالديمقراطية كوسيلة فضلى للعلاقات الإنسانية إلى النظر لحقوق المرأة كشيء موهوب يعادل القول بان الخالق قد خلق الناس ، إناثا وذكورا ، على قدر المساواة على كوكبنا كله .

ينتج من هذا الاعتقاد استنتاج وموقف مهمان فحواهما أن على الإنسان عموما ، وعلى الإنسان الفنان خصوصا ، واجب البحث في قضايا المرأة في العصر الحديث والوقوف إلى جانب حقوقها وتغيير أوضاع حياتها بما يتلاءم وروح العصر ، والعمل بفعالية صادقة من اجل تحريرها من هيمنة الرجل والتماس علاقة إنسانية طبيعية في المجتمع بكل تصنيفه ، السياسي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي . فليس الرجل سيد المجتمع بل هو جزء من المجتمع له حدود مساوية للمرأة وعليه أن يبدي ليس فقط تواضعا لائقا إزاء هذه القضية العادلة بل عليه أن يناضل من اجلها جنبا إلى جنب المرأة ذاتها . من هنا نجد أن الفن السينمائي مثل باقي الفنون يحمّل الفنان ، المخرج والمنتج والممثل ، واجبا إنسانيا كبيرا دافعا للتفكير بحق المرأة المتساوي في الحياة . وقد لعبت السينما العالمية والعربية دورا مهما بهذا الصدد إذ تم ، حتى الآن ، إنتاج آلاف الأفلام السينمائية احتوت على مبادئ إنسانية مهمة دعمت دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية باعتبارها مفصلا أساسيا في الحياة الإنسانية . عبرت الكثير من الأفلام عن أمانة العالم والحضارة لكل مسعى يحقق للمرأة دورها التاريخي في الحاضر والمستقبل بعد أن حقق لها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بداية تحررها من الثقافة البطريركية . من الجدير الإشارة هنا استنادا إلى بحث قام به الناقد المصري سمير فريد أن مصر قد عرفت سينما توجراف لوميير عام 1896 بعد سنة واحدة من العرض الأول في باريس عام 1895 وعرفت إنتاج الأفلام القصيرة الصامتة عام 1907 وشهدت إنشاء أول مدرسة للرسم والنحت عام 1908 ووقوف أول امرأة مسلمة تمثل على المسرح عام 1915 ثم كانت الثورة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني عام 1919 والتي انتهت بإعلان استقلال مصر السياسي عام 1922 وصدور دستور 1923 والاستقلال القانوني عن الدولة العثمانية عام 1924 وإنتاج الأفلام الطويلة الصامتة عام 1927 وصدور أول قانون للجنسية المصرية عام 1929 وإنشاء أول معهد حكومي للتمثيل عام 1930 وكانت السينما الناطقة قد اخترعت في هوليوود عام 1927 وكما في كل بلاد العالم التي عرفت السينما لم تتحول من المرحلة الصامتة إلى المرحلة الناطقة إلا بعد سنوات من ذلك التاريخ وكانت بداية السينما الناطقة في مصر عام 1932. من هذا المنظور سيشهد يوم المرأة العالمي في 8 آذار / مارس 2007 احتفالا سينمائيا في القاهرة موظفا لــ " سينما المرأة " في سياق كفاحها التاريخي المفترض للتحرر من الهيمنة والتهميش والتبعية وإلغاء أي مفهوم خاطئ أو قاصر عن دورها في الحياة الاجتماعية والفنية والسياسية لكي تغدو القضية النسوية ذات التجارب الصعبة و الغنية واقفة جنبا إلى جنب مع التجارب المشتركة للإنسانية كلها كي لا يكون صوت المرأة وحيدا أو ثانوياً في العالم المعاصر المليء بالصراعات والمتناقضات والذي يشهد بذات الوقت أعظم القفزات في حياة الإنسان بما يحققه ويشهده في ميدان الثورة العلمية والتكنولوجية المتصاعدة بسرعة مذهلة . مبادرة سينما المرأة في مهرجانها الأول جاءت من " مؤسسة تنمية الوسائل السمعية والبصرية ــ كادر " في مصر الذي سيبدأ فعالياته في الثامن من آذار/مارس بمشاركة أكثر من ثلاثين فيلما من أكثر من عشر دول عربية وأجنبية. أكدت مؤسسة "كادر" التي يتولى رئاستها الفخرية الفنان عمر الشريف في بيان لها أن المخرجة " علية البيلي " سترأس المهرجان في حين تتولى المخرجة المصرية المقيمة في كندا " تهاني راشد " مهمة المستشار الفني للمهرجان. من بين الأفلام التي ستعرض في المهرجان أول فيلم مصري في السينما الناطقة " ليلى بنت الصحراء " الذي يتميز بكونه من إخراج أول سيدة عملت في الإخراج السينمائي وهي الفنانة عزيزة أمير التي قامت أيضا بإنتاجه عام 1927. وستجري فعاليات المهرجان الذي يستغرق تسعة أيام في مركز الإبداع في دار الأوبرا المصرية وقاعة الاوديتوريوم في مكتبة الإسكندرية. يتضمن المهرجان عروضا للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة إلى جانب الأفلام التسجيلية وعرف من بين الأفلام المصرية التي ستعرض فيلمان قصيران للمخرج " شريف البنداري " وهما " صباح الفل " و" 6 بنات " وهما من الأفلام التي شاركت في مهرجانات دولية وفازت بعدة جوائز. إلى جانب الفيلم الروائي القصير "مش زي الباقيين" لأمير رمسيس وفلم " مش زي خروجه" لياسر الجويلي وعرف ان الفيلم التونسي "هي وهو" لالياس بكار " من بين الأفلام العربية التي ستشارك في المهرجان. من الدول المشاركة في المهرجان إلى جانب مصر إيران والدنمرك وتونس وسوريا وأفغانستان واليمن وفلسطين والسعودية والعراق واليونان. ستعمل المؤسسة المنظمة للمهرجان على تنظيمه سنويا في الموعد نفسه إلى جانب ثلاثة مهرجانات أخرى هي مهرجان الصيف لأفلام اتحاد الدول الأوروبية وينطلق في التاسع من أيار/مايو وحتى 18 منه 2007 ومهرجان الأفلام الصامتة في 20 حزيران/يونيو ومهرجان حوار الثقافات من 11 إلى 20 أيلول/سبتمبر من كل عام. من المفرح جدا والمؤكد أيضا ، كما اعتقد أنا شخصيا ً ، أن مهرجان سينما المرأة سيحتفظ بقيمة فنية كبيرة داخل منظومة سينمائية عربية ، نأمل أن تحقق الازدهار المتكامل في مستقبل السينما العربية كلها بطرق ليس هدفها الاستهلاك والربح الاستثماري حسب بقدر ما يكون هدفها الأول تحقيق الإرث النفيس الذي تقدمه المرأة العربية في مختلف بلدان العالم العربي وفي مختلف ميادين الفنون المسرحية والموسيقية والتشكيلية والغنائية وغيرها بما يعزز دور الحركة النسوية للتعويض عن نقصها وقصورها خلال المائة عام المنصرمة من عمر السينما المصرية وتخليصها من تعقيدات الثقافة التقليدية بالانطلاق بأفكار جديدة أمينة في وفائها لدور المرأة الأم والأخت والزوجة الشريكة في بناء عالم إنساني جديد .