الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
إيقاعات منفردة على آلة الروح
الأربعاء 31-12-1969
 

بلاد تتوارى ... علي عبد الأمير
* عامر فتوحي *
يظل المبدع العراقي فناناً كان أم شاعراً وروائياً مغرقاً في ذاتيته رغم إنغماره الكلي في الهم الجمعي .
قدر الفنان (رسام / موسيقي / مسرحي ...) أن يظل أبداً وحيداً مثل ذئب في قفر موحش يستذكر كل الأيام الحلوة ؟!
بعد ما يزيد على أربعة عشر عاماً ألتقيت الكاتب المبدع علي عبد الأمير مطلع هذا العام في حفل إفتتاح معرض ساهمت فيه مع نخبة من التشكيليين العراقيين في العاصمة واشنطن ، فكان أن أهداني كتابه الشعري الثمين (بلاد تتوارى) . والحق رغم إنشغالي بمتطلبات حفل الإفتتاح ، إلا أنني كنت أسترق النظر إلى صفحاته كلما سنحت لي الفرصة لذلك . وفي طريق العودة إلى الفندق بصحبة أحدى الرسامات ، أنهمكت بمطالعة القصائد رغم كل محاولات زميلتي اللامجدية لجري إلى حوار حول المعرض ، وما أن ودعتها في صالة الإستقبال ، حتى أسرعت إلى غرفتي حيث رحت أطالع قصائده بنهم ، كيف لا وكل كلمة فيه تتوهج عشقاً بحب العراق.
على الصفحة الأولى قرأت إهداء علي : (أخي الحبيب الفنان المبدع عامر فتوحي .. بين شهقات قديمة ووطن مبدد لكن روحنا تسكنه ... أقدم لك هذه السطور) . ترى لماذا يبدد هذا الوطن الذي أبتدأ فيه ومنه كل شيء ؟أسئلة عديدة وأجابات لا حصر لها ... أدع أسئلتي جانباً لأركب موجة الشعر أو الموسيقى فعلي هذا رجل من نمط متميز تمتزج في روحه الموسيقى بالمفردات ، كنا كلما كلمناه أيام عملنا في مجلة (فنون) نطق إيقاعات وكتب سلالم موسيقية ، لكنه كان إلى جانب الصديق العزيز الدكتور صفاء صنكور أكثرنا إستيعاباً للموسيقى وأكثرنا قدرة على تحليلها بالمفردات .
في مفتتح موسيقاه أو مجموعته الشعرية تطالعنا قصيدته الموسومة (البلاد كنصب تذكاري) :أشدو وصوتي الأخضرعشب بين قدميهاأشدو لنفيرها الذي كونني وصرت له الضواحيوالكتف التي تتصل بالتيهأشدو للحنين الذي غازل البلادبقصد الرفيف الذي هو فكرة العودةأشدو لخرائبها وهيّ تتقوس كنصب تذكاريأدخلها مبتهجاً ، منشداً لها فردوس راياتها أشدوفيمتلئ غدي بالدموع
لعل هذا المفتتح الذي هو نشيد الوطن والإغتراب وحلم العودة ، هو أيضاً تعويذة من نوع خاص تفعل فعلها في أرواحنا لتقول لنا ، مهما أغتربتم فأن خراج روحكم عائد لي !!ان هذا الشدو بالوطن المنفى وبالأصدقاء والحبيبات الغاديات الآتيات هو هم كل المبدعين العراقيين منذ ملحمة كلكامش حتى أنقضاء الدهر. لكن علي عبد الأمير لا يكتفي بأن يذكرنا بأوجاعنا بل يأخذنا من خلال كلماته الطرية وإيقاعات مفرداته إلى باحة الأمل رغم إكتسائها بالرماد ، ذلك أن شجرة الحياة في شعر علي تبقى مخضوضرة وتضج بالحياة رغم كل الفواجع والنكبات التي نمر بها أو تمر علينا كما في (الغد مطرود من شرفاته):
سدنة الخرابهم رعاة الحلم في وادي النوستالجيايلحنون جوهر الكلاميطردون الغد من شرفاتهويزرعونه في مزهريات فخارها محطم
أو كما أستلُ من (بلاد تتوارى):
مطر على عجلات القتلىمطر على مدينتيعلى شرفاتي التي جفتوأمسياتي التي ذبلتمطر على عجلات سريعةمطر على جثث العجلاتمطر في خوذة الجنديأوحال في شرفات البلاد
أو كما أستلُ أيضاً من (عراقيون تحت أمطار مانهاتن):
نحن عراقيون في مهب الريحخرجنا من طين الليلجروحنا معروضة للبيعودموعنا معلبة في فطور بارد وبلاستيكي
لعل خير نموذج للأمل رغم الخراب إنما يطلع من بين سطور (ذكرى 2)اليأس يحمل يديكالأمل وعليه رفيفهاكل مرة أعود وقد جفت أحلاميعلى نافذة النسيانأرقب يدها وهيّ تفك وثاق عزلتيكم من الوقت سيمضيدون أن تجف المياه التي أنبثقت من يديها
الحق أن مناشدات علي التي تتوزع على خمس وثلاثين قصيدة تتطلب منا أن نتوقف في محطاتها لنتأمل ونأمل أن لا تذبحنا أشواقنا ، فكم منا عرف وجع المعتقلات وغرف التحقيق المقيتة ومذاق الغربة والشوق إلى قبلات الحبيبة فلم ينكسر ، لكن رؤية بغداد أو أي شبر يذكرنا بالعراق إنما يذبحنا في كل لحظة تذكر من الوريد إلى الوريد.أن قصائد من نوع (شرفة رقيقة على دجلة) ، (يد لم تتلوث بعد) ، (لا إيقاع في المدينة) ، (مكنسة لحروف الوقت) ، (جنائن الموت المعلقة) وغيرها ، هيّ حالات متميزة في عالم الشعر ، ذلك أن الشاعر لا ينتقل بنا بين قصيدة وقصيدة أو مفردة وأخرى وإنما ينتقل بنا بين إيقاع موسيقي وآخر حتى يكمل معزوفته الموسيقية التي تتخذ من روحه الملتاعة بحب العراق آلة يعزف عليها إيقاعاته التي تجمع بين الجاز والبلوز وبين الإيقاع الموسيقي للدارمي العراقي ، حتى يخلص بنا إلى نوع من السوناتا الجياشة بشتى المشاعر الملتهبة والمشبعة بشوق عذابات لا تنتهي ، مثلها مثل تلك التي تنتاب المحبين وهل من محبة أعمق وأروع من محبة العراق بتفصيلات مدنه وشطآنه وسطوح منازله المنفتحة على السماء ، حيث صحونا وغفونا على صلوات أمهاتنا وأدعيتهن لنا (سالم وغانم يُمة) ، وإن ننسى فلا ننسى إبتساماتهن العذبة كمياه دجلة الرقراقة وماء الفرات الزلال، ولكن ما من لوعة أشد على قلوبنا وأقسى على أرواحنا مثل هذي التي تناتبنا ونحن نشعر بالعجز في حماية من نحب وهل من حبيبة مثل بغداد أو حبيب كالعراق.
بلادك أيها المجنون ... وان ضاقت أرضها بوردة .

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
ردود فعل حادة بعد إقرار "قانون المثلية الجنسية" في العراق
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
ندوة اللجنة الثقافية في الإتحاد الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا
البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم "المثلية الجنسية"
في عيد امنا الأرض، أطفالنا في خطر
مقتل نجمة التيك توك العراقية "أم فهد" بالرصاص في بغداد
انتفاض الطلاب الجامعيين ينتقل من جامعات أميركا إلى باريس، رفضاً للسياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين وقطاع غزة
اتفاقية إدارة الموارد المائية مع تركيا تثير غضب خبراء المياه في العراق
تصاعد التوتر في جامعات أميركية وسط تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين
مراسم "طواف كرجال" عند الإيزيديين في دهوك
ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
اتفاق بين العراق وتركيا.. تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة