خلدون جاويد
عندما يمنعون التجول يرتعش القلبُ ، روحي تغادرني لعناق النوارس في نهر دجلة َ، حيث المساءات ميتة ٌ والأغاني سكوت ٌ مرير ٌ ،
دبيب النسيم ، ووحشة ُ أطياف ِ بغدادَ عَبْر العهود ، الوجوه الحبيبة تنتابني وهْي َ تنساب في الحلم فوق الجسور ، النخيل أراه على جرحه يتوكأ بين ضفاف الرصافة ملتويَ الهام يبكي ، وتحضنه بالنواح الطيور ، أخاف أخاف على الكرخ ... وكل مها في الطريقْ ... على كل جنح فراشة ْ ، على كلّ رفة ِعصفور ْ. حنيني ، بكائي الى كف ّ امي التي ترتعشْوهي تقفل نافذة ً ،على كل طير يغطي بجنحِهِ عشْ ، وأخشى على الضفتين ، وكل شراع ٍ رخي ّ يغني السلام َ،على كل حبة رمل ٍ وقطرة ماء ٍٍ ووردة غصن وسعفة نخل ٍ وبيض حمامْ . نعم عندما يمنعون التجول يعوي الأزيز وتأوي الى حفرة ٍ نملة ٌ واجفة ْ ، وتلوي الجبين على عنق جارتها فلّة ٌ نازفة ْ. وينتشر الصمت عبر الأزقة مثل الأفاعي ، ويهبط ليل الأفاعي ، وأخشى على كلّ إمرأة في مهب الجراحْ فقد تُستباح ْ !، الذئاب تدورْ ، ومن أين تسمع صرخة شحرورْ ، وكل المسالك مغلقة ٌ والسماوات سور ْ . وسبع ٌ وعشرون مليون قابيل – هابيل يحنو على بعضِهِ بالخناجرْ ، وكم من أخ ٍ قاتل ٍ في الليالي أخاهْ ، وكم من دموع أضاءت وكم شمعة ٍ في الدياجير ضاعت. بلى ياعراق الجراح طريقك بالدمّ ِ عامرْ ، وجوريّك الأحمر الغض بالدمع زاهر ْ ، وأنت المسافر في بحر هم ٍ وغم ْ، وانت الذي علموّك بأن الحضارة طعن الخناجر ، واغتيال رفاق الطريق وقتل الحمائم والجار ، وسلب الغريب بوضح النهار ْ . بلى كلما يمنعون التجول يسقط قلبي وأغدو رماد ْ ، أموت فهذا اذن موسم ٌ للحصاد وقتل العباد وحرق البلاد ْ!سلاما وبردا على وطن ٍ - وردة ٍ في طريق المجرّة ، مرفوعة ٍ بالأهلة ِ مرسومة ٍ بشعاع القمرْ . سلاما على كل ّ حي ّ ٍ فقيد ٍ ! واُمّ ِ شهيد ٍ ، على كلّ عين ٍ بكت ْ، وروح عراقية اُزهقت ، ونافذة بالردى اُوصِدَت ْ . وحسب العراق الذبيح بأن ينتضي واقفا ويمضي ولوْ زاحفا ً حيث لاقيصر ٌ لامسيح ْ ، ولاحائط ٌ للدموع ولاقبة للأسى أو ضريح . سيمضي العراق فسيحا ً كما روضة ٌ في الفضاء ، مباهجها للملائك ِ لا للطغاة ، وأحلامها بسمة الامهات ، ومن تحت أقدامهن جنان تسيل بأحلى نهار وأنهار ْ .سيمضي خليا ً من القاتلين عراق الفضاءْ . سيغدو فدى الرافدين السنى والسناء . ويبقى كبيرا ً على حقدهم والدماءْ ، عراق ٌسينثر للشعب سبعا وعشرين مليون وردة ْويختار بيضاء ! حبيبي عراق الندى والنسيم تجوّل ْ ! برغم الرماح ورغم الزمان الملثم ، تحدّ الملغّم ، قاوم ْ تقدم ْ . انت الذي تسفح النور فوق المراقد ، انت النذور ، الشموع ، الشمعدان ، ماء الحياة ، تقدم الى ذاتك العبقرية حيث مهب النسور، وحيث الذرى والسفوح وفوح الزهور ونوروز يمتد بالمجد حتى نواعير جيكور . حبيبي عراق الأغاني توحّد وكن بلسما للجروح ، فماعاد يجديك قطع النحور وسفك البدور وأنت الذي تتغنى بدار السلام، وترسم غصن المحبة فوق شفاه الحمام ، ترفق ْ بأبنائك العاشقين ، اعتصم بالحنان بأدمع اُم الشهيد ، ولاتتفرق ! فكم من شريد يحن وكم من جريح يئن ، وكم من زمان طويلْ ، العراقي ُ فيه رديف البكا والعويل . ترفق بذاتك أنت الجميل ! تشيّد ْ ولاتتهدمْ.حبيبي عراق التحزّب ، لاتحتجبْ في الكهوف ، التكايا ، ولاتتفرق شلل ْ ! ولاتتنابز ملل ! وكن مثل قنديلْ ، حسنا ً يضيئُ على الناس ، كل البرايا ، فكل الذين ابتلوا بالرماح وسفك الجراح سبايا ، وكل الذين يذوقون جمر الحروب ضحايا . ترفق ، قليلا ترفق ، وعد للشجرْ ، لظلال النخيل ، لأحلى الأغاني لأشهى المواويل ، عد للضفاف الحصاد ، المداخن وهي تمد الرغيف الجميل لأغلى الصبايا، تأمل قليلاً بما صار أو دارْ . حدق أمامك واقرأ كتاب الضفاف ، ونهر الزمان ، وشمس السنابل واستلهم الحكمة الغالية ْ بأن المحبة أبقى وأجسادنا بالية ْوان البحار تجفُوان الجبال الى هاوية ْ.