الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
الثقافة العراقية أمام الأفق المغلق... حياة وإبداعاً
الأربعاء 31-12-1969
 
بغداد - الحياة :
الأديب العراقي والكاتب والمفكر والباحث أيضاً، أصبحوا جميعاً ضعيفي الحضور، إن لم يكن في حالة غياب من أفق الثقافة العربية، بل من أفق الثقافة في بلدهم إن بقيت لها آفاق، على خلاف ما كانوا عليه قبل سنوات:
حضور واضح في مهرجانات الشعر والفنون، ودور فاعل في مؤتمرات الأدب وحلقات الفكر والبحث... لا سيما ما يقترنون به من إبداع في الشعر، أو القصة والرواية. وإذا شئنا توسيع مجال الحضور أضفنا الفنون التشكيلية والمسرح. فلماذا يغيب الأديب العراقي اليوم، كلياً او جزئياً؟ هل لأن الافق أصبح مغلقاً أمامه، أم أنه أغلقه وراءه بعد أن مضى يبحث عن أرض أكثر أمناً وضماناً لسلامته بعدما تحولت أرض وطنه مسرحاً للصراع المتعدد، والموت اليومي والرعب؟
نتاج هذا الكاتب، هو الآخر بات غائباً من أفق النشر العربي، إذ أصبحنا لا نجد بين ما تنشره مؤسسات الثقافة ودور النشر العربية إلا القليل الذي لا يشكل حضوراً واضحاً نستدل منه على حضور الابداع والمبدع؟
وكذلك الأمر بالنسبة للفعاليات الثقافية التي تكاد تنعدم في عراق اليوم، فلا نجد بين عشرات الشعراء في مهرجانات الشعر العربي إلاّ شاعراً عراقياً، قد يكون ثانوياً أو استثنائياً، بينما كان العراق، الى وقت قريب، هو الأكثر حضوراً في الشعر العربي، إبداعاً ونتاجاً مطبوعاً وحضوراً في مهرجانات الشعر. وكذلك الأمر في ملتقيات أخرى، سواء ما كان منها للمسرح أو للرواية والقصة والفنون التشكيلية، وكذلك في حلقات البحث والمؤتمرات الفكرية.
هذا كله أمر لافت اليوم. واكثر ما يلفت في هذا الشأن هو انحسار النتاج العراقي في هذه المجالات كافة، وليس في مجال النشر وحده، ما يدفع الى التساؤل عن الأسباب وما يمكن ان تجر على هذا الواقع من سلبيات تؤثر، ولا شك، في مستقبل الثقافة في هذا البلد الذي هو في الأصل بلد ثقافة، إرثاً وحضوراً. والأسباب، كما نتبينها كثيرة:
- أولاً، هناك الوضع الداخلي للبلد الذي حول الحياة فيه جحيماً أو ما هو أشد من الجحيم. إذ يبدأ الانسان يومه، إذا بدأه، وكأنه يجتاز الجحيم ويعبرها، ليغدو على ما يماثلها فهو في جو مشحون بالموت والرعب والقتل الذي لم يعد الانسان، ومنه الاديب الكاتب والفنان، يعرف من أي مصدر يأتيه، وكثيراً ما التهمت ناره أصحاب الأفكار وأفكارهم لتحيلهم رماداً.
وهناك ثانياً انفلات الحياة التي أصبحت مقدراتها، ومصير الانسان فيها، في يد كل من يمتلك سلاحاً، أياً كان نوعه وحجمه، حيث يستخدم، هذا السلاح، سلطته كما هو مطلوب لها أن تكون، بحسب الاجندات التي خرج من مفاصلها، أو من بين صفحاتها: يحمل توجهاته، وينفذ ما تحدد بدم بارد، حتى لو كان الضحية عالماً كبير الشأن بالنسبة إلى بلده، أو أديباً وفناناً اسمه يملأ فضاء الناس.
وهناك ثالثاً، الهجرة والتهجير (أصبحت لهما وزارة!) وقد جرتا ويجريان اليوم كما كان شأنها في تسعينات القرن الماضي - أي ضمن عملية منظمة، الهدف منها أو الغاية إفراغ البلد من عقوله وأصحاب الرأي فيه وقوة النفوذ الفكري، وكذلك من المبدعين الذين يثرون الحياة بإبداع يتطلعون من خلاله الى إغناء الحياة بإغناء روح الانسان وعقله. وبهذه الهجرة التي استوعبت، حتى الآن علماء ومفكرين وأدباء وفنانين، يتم تحويل الحياة، هنا، كتلة جافة، والواقع صحراء جرداء لا تكسوها سوى رمال الفقر الروحي، فقر العقول والنفوس.
- ورابعاً، هناك الحياة القاسية التي راحت تطوق من تبقى من هؤلاء، وتحاصرهم، لترغمهم على أحد إثنين، إما الهجرة، أو الصمت بعدما أحالت أيامهم كوابيس سوداء ولا يسكن عقلهم سوى القلق الذي يأتي على ما بقي فيه من تفكير.
أمام هذا كله وما يشابهه، تقف مؤسسات الثقافة في العراق عاجزة عن تجاوز الواقع الذي هي فيه، حتى لتبدو الأزمة التي يعانيها الواقع والمؤسسة والمثقف أزمة مركبة فهذه المؤسسات أضحت اليوم مفرغة من الكوادر القادرة على تحريك العملية الثقافية بإدراك ووعي ومسؤولية... وفي الوقت الذي تحتاج هي الى أجواء عمل لم تعد متوافرة لها، كما أنها تحتاج الى امتلاك فضاءاتها، بعدما لم يعد لها من فضاء.
أما العراقي مهجراً، أو منفياً، فلم يعد النظر اليه من «الآخر» يتجاوز نطاق كونه «لاجئاً» إن أفسح له في المكان فإن «الزمان الثقافي» يضيق أمامه، بل راح يضيق اكثر، ما ولد الشعور بالمرارة لدى الكثيرين، ممن هاجروا مرغمين لأن دمهم أصبح برسم الهدر في أي لحظة.

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
من العراق إلى غزة.. طبيب أمريكي يطلق نداءً من خان يونس: أوقفوا الحرب
في اربعينية كوكب 12 ايار/مايس هذا النص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
كفة رئيس البرلمان تنحرف داخل الإطار لصالح مرشح المالكي محمود المشهداني
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة