الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
إلى أدونيس وهاشم صالح.....لماذا نترجم؟
الأربعاء 31-12-1969
 
عماد رسن
لقد أثارني ماكتبه الأستاذين أدونيس وهاشم صالح عن الترجمة وضرورتها لثقافتنا العربية.
 لقد كان طرحهما في غاية الروعة عن فائدة الترجمة للتواصل بين الثقافات, وخاصة الثقافة العربية التي هي بأمس الحاجة للترجمة من وإلى اللغات العالمية الحية. أذا ً فالترجمة هي ليست وسيلة لتوصيل الأفكار فحسب بل هي لغة لمعرفة وأكتشاف الذات عن طريق الآخر كما يقول أدونيس. لكن السؤال المطروح هل الترجمة تكفي للتواصل مع الثقافات الحية الأخرى في العالم؟ بالتأكيد هناك عوامل أخرى غير الترجمة كالمشاركات الفنية والرياضية والتواصل بين الجامعات مثلا ولكن كلامي محصور هنا في مجال اللغة فقط, وأعيد طرح السؤال مجددا ً, هل تكفي الترجمة للتواصل مع الثقافات الحية الأخرى في العالم؟ أنا اعتقد الموضوع يحتاج إلى أكثر من الترجمة!
لنأخذ مثلا ً نظام التعليم في منطقة الاتحاد الأوربي, ولأكن أكثر دقة دول أوربا الغربية. فهناك توجه لتوحيد النظام الجامعي , وذلك لخلق مستوى أكاديمي واحد. فقد بدأ العمل بنظام الدرجات الموحد, وكذلك مستوى الدرجات في المستوى البحثي, فقد توحد المستوى بين المايستر والماجستير في بعض الدول ليخرج من الأطار المحلي(المايستر والماجستير درجتان مختلفتان في النظام الأكاديمي السويدي مثلا فالأول محلي والثاني عالمي يمكن بها إكمال الدكتوراه في السويد ودول أخرى). والتوجه الآخر وهو مايهمني بدأ منذ فترة ليست بالبعيدة بزيادة الكتب باللغة الإنكليزية والتي تدُرس في الجامعات, وكذلك تشجيع الطلبة لكتابة أعمالهم باللغة الإنكليزية, ومن شروط الدخول  إلى الجامعة أن يتقن الطالب اللغة الإنكليزية بمستوى يستطيع به قرائة المواد الدراسية, والإستماع لمحاضرات باللغة الإنكليزية لأساتذة من دول أخرى. أضف إلى ذلك أن ترجمة الكتب على المستوى البحثي هي خسارة أقتصادية, فالطالب في الجامعات الأوربية بمستوى الماجستير والدكتوراه متمكن من اللغة الإنكليزية لذلك يقرأ الكتب بلغتها الأصلية أذا ما فهمنا أن أكثر النتاج العالمي على المستوى المعرفي يترجم إلى اللغة الإنكليزية.
من هذه المقدمة أود طرح موضوعي في بعدين مختلفين. الأول هو البعد العمودي, ويتضمن المستوى العلمي للفرد الحامل للثقافة العربية, وذلك أبتداء ً من القراءة والكتابة إلى مستوى البحث في الجامعات. مثقفا ً كان أو متعلما ً. وأعني من يقرأ ويكتب, من يطلع على الجرائد والمجلات, المتعلم الذي يفهم بإ ختصاصه وربما يكون صاحب شهادة ماجستير أو حتى دكتوراه, المثقف الذي يعرف لغة أخرى ويقرأ كثيرا ً مع الوعي السياسي ومعرفة الأتجاهات المعرفية بصورة عامة, والباحث القادر على إنتاج الثقافة. أما البعد الثاني  وهو الأفقي وهذا يعتمد على المادة التي يمكن أن تشُمل بالترجمة من وإلى اللغة العربية في شتى مجالات المعرفة الإنسانية. أي من الإتجاه النظري حتى التطبيقي, من الفن والأدب إلى الرياضيات والفلسفة. ومن كتب الإختصاص إلى الجرائد والمجلات بصورة عامة.
الإتجاه العام للعولمة
لايمكن التكهن بما ستأتي به العولمة في المستقبل البعيد وحتى القريب أيضا ً. فهذا المصطلح الذي أدخل في قاموس علم الاجتماع في ستينيات القرن المنصرم بدأ بالتوسع أن لم نقل بالإنفجارفي نهاية الثمانينيات من نفس القرن. أنطوني جيدن    ( (Giddens, Anthonyعالم اجتماع واقتصاد بريطاني من جامعة كامبرج أكثر من كتب في هذا الموضوع. فهو يتنبأ بمجتمع متعدد الثقافات حيث لاتوجد هناك ثقافة منعزلة في المستقبل القريب على الأقل. لهذا بدأت المجتمعات كافة في حماية ثقافتها المحلية وذلك بالإندماج مع باقي الثقافات مع حفظ الخصوصيات المحلية. ومن هذا الباب يبدو سبب فتح باب الهجرة للغرب بصورة مقننة أكثر الأمور مساعدة في حفظ خصوصيات  الطابع المحلي منه خسران كل شيء في وسط هذا الإنفجار في وسائل الاتصالات والمواصلات والأعلام. فعلى هذا الأساس نحن أمة تنقرض كما تنبأ أدونيس في لقاء على الفضائية العربية. وذلك إن لم نندمج بالأنفتاح على باقي الثقافات غربية كانت أم شرقية. فمن حيث بدأت بعض الأمم بالإستعداد للعب دور في الإندماج في مجتمع عالمي ذو لغات متعددة مازلنا نحن الرومانسيون نتغنى بحلم الوطن العربي أو الكردي أو أمازيقي, وربما سني أو شيعي, و لانعلم أن تلك الأفكار القومية قد ماتت في نهايات القرن التاسع عشر في أوربا قبل أن تصل إلينا. 
عودة لموضوع لماذا نترجم؟
من فترة ليست بالقريبة, تهيأت لكتابة مقال بعنوان (الترجمة مفتاح الحضارة) ولكن الآن أصبح ذلك لايجدي نفعا ً ولسبب بسيط! إن العالم قد تغير. فالترجمة كانت مفيدة في الماضي البعيد وحتى القريب منه ولكن الآن لا أقول إنتهت ولكن أصبح دورها  محدود جدا ً كمفتاح للحضارة أو كمشروع مستقبلي تتم به المحافظة على الثقافة والخصوصية المحلية  في مجتمعات مندمجة ذات ثقافات متعددة لايفصل بينها حاجز مادي أو زمني. الحل البديل كما أعتقد هو التركيز على التعليم! أي أن نبدأ  من تحت لامن فوق, وذلك بتهيئة أجيالنا لتعلم اللغات وخاصة اللغة الإنكليزية والفرنسية ولكن من دون الغاء دور الترجمة ولكن استمرارها ودعمها في الحاضر, وتحديدها في المستقبل. فعندما يتعلم الطالب أكثر من لغة يكون قادر على حمل ثقافتين, وذلك لأن اللغة مفتاح لثقافة أخرى أو عدة ثقافات كالإنكليزية والفرنسية. ولنعقد مقارنة بين الترجمة وبين تعلم واسع للغات أجنبية.
في الترجمة
أولا ً في الترجمة يجب توفر مؤسسات تقوم بهذا الواجب وذلك لضخامة هذا المشروع وكلفته من جهة, والرقابة العلمية على المواد المترجمة من جهة أخرى. فليس عندنا إلا مجهودات فردية لترجمة بعض الأعمال المهمة من هذه اللغة وتلك. ثانيا ً يجب توفر أشخاص مؤهلين علميا ً ولغويا ً في لغتين, اللغة ً الأم واللغة ً المترجم منها وإليها, أما في الاختصاصت العلمية والإنسانية فلابد من مؤهلين في الاختصاص كالفلسفة, علم النفس, و الرياضيات, مع التمكن في اللغة طبعا ً, وذلك أيضا ً بالنسبة للأدب حيث لابد من توفر ذوق أدبي وفني في الكتابة لتكون الترجمة جيدة أي في كل البعد الأفقي. ثالثا ً كيف يمكن لنا أن نترجم كل الإصدارت في شتى المجالات العلمية والأدبية والإعلامية إن لم يكن لنا جيش من المترجمين, وكيف يمكن اللحاق بركب التطور إذا عرفنا أن هناك المئات من المنشورات كالكتب والمقالات يوميا ً. رابعا ً من أشكالات الترجمة هو أمانة المترجم العلمية وذوقه في الترجمة وثاقفته التي تلعب دور كبير في الأضافة والنقصان من النص الأصلي أن لم يكن النص مترجم من الفرنسية للإنكليزية ثم العربية, أضف إلى ذلك أن هناك نصوص من اللاتينة القديمة مترجمة للإنكليزية أو الفرنسية.

 

في الثقافة المزدوجة
أولا ً أن يهيء الطالب في المرحلة التي تسبق الجامعة في اللغة الإنكليزية, على الأقل القراءة فيها. ذلك يسمح له بأن يطور نفسة علميا ً وثقافيا ً مما يؤثر على الطبقة المتعلمة ويشارك الطبقة المثقفة في السلم العمودي. ثانيا ً يكون الطالب مستعدا ً لقرائة النصوص باللغة الإنكليزية بصورة عامة في مستوى البحث, حيث يطلع على المصدر الأصلي ولايقع في أشكالية المترجم. ثالثا ً يمكن لصاحب الثقافتين أن يكتب بلغته مايقرأ لإغناء الطبقة المتعلمة والمثقفة وتكون ذات طابع محلي غير مستودر في البحث أو حتى الكتابة بصورة عامة في الصحف والمجلات ليتجاوز أشكالية الكتابات الإستشراقية. رابعا ً يمكن لصاحب الثقافة المزدوجة أن يكون مطلعا ً على النتاج العالمي أولا ً بأول ولايكون متأخر زمنيا ً. خامسا ً يمكن له الكتابة في اللغة غير الأم لنشر خصوصيات الثقافة المحلة وجعلها عالمية إن كان متمكنا ً. سادسا ً يمكن أن يكون أداة للتواصل مع الثقافات الأخرى فهو القناة الأمينة للحفاظ على الثقافة الأم. سابعا ً يكون مهيئا ً للتواصل مع باقي مراكز البحث في شتى جامعات العالم, وذلك بنشر نتاجه أو الإستماع لمحاضرة ضيف بلغة أخرى أو لبعثة دراسية أو حضور مؤتمرات متبادلة بين الجامعات. 
ماذا نترجم؟
ماذكرته ليس غلق لباب الترجمة ولكن جعل تعلم اللغة العمود الأساس في الإندماج مع الآخر وتأتي الترجمة في الدرجة الثانية. فلابد مثلا ً من ترجمة الناتج الأدبي العالمي من شعر ورواية ليمكن قرائته من الكثيرين وبعض الكتب ذات المحتوى المعرفي. فأعني هنا تحديد المستوى الأفقي في الترجمة ليخدم مصلحة فئة كبيرة من المستوى العمودي مثلا ً. ففي أحيان كثيرة يتداخل الأفقي بالعمودي وغالبا ً مايتقاطع في الترجمة, أما في الثقافة المزدوجة ففي أحيانا ً كثيرة يسير الأتجاهين العمودي والأفقي بخط متواز.
خاتمة
أذا أردنا أن لاننقرض ونصبح كالأمة الرومانية أو اليونانية القديمتين فلابد من تنشيط الإندماج الثقافي الذي يكتسح كل المجتمعات وبشتى الطرق. من هنا يبدو أن طرحي رومانسيا ً في هذا الواقع المرير الذي نمر به, لكني أو د أن أقول أنه شر لابد منه أن كان فعلا ً شرا ً. فمن ذكاء الشعوب أن تطور ثقافاتها بمعرفة وتخطيط, ولا يكون التطور كرد فعل عشوائي لتجميل صورتها أمام الآخرين. وفي هذا الأجواء لابد من حماية ثقافتنا العربية لا بالشعارات الرومانسية الرنانة ولكن بخلق جيل جديد يحمل ثقافة مزدوجة أو حتى أكثر في عالم يعرف الفرد فيه أكثر من لغة يتحدث بها وله جيران من شتى بقاع الأرض. من هذا المنطلق أعتقد أن اللغة مهمة جدا ً في كسر الحواجز مع الآخر لفهم ثقافته وأيصال ثقافتنا اليه بشكل سلس يخلو من التعقيد والإرتباك. أضافة إلى ذلك أنتاج ثقافة محلية مكتوبة من مثقفين يحملون يقافة مزدوجة, وليس أستجداء ثقافتنا من مراكز البحث العالمية والتي هي بعيدة عن واقعنا وذلك كما حدث مع كتابات المستشرقين الذين كتبوا عنا وأحيانا  ً كثيرة نستقي من كتاباتهم لتدعيم ثقافتنا المحلية لثقتنا بعلمية مراكز البحث الغربية. فمشروع الثقافة المزدوجة اعتقد أنه المشروع البديل للترجمة في المستقبل البعيد, والمشارك للترجمة على المستقبل القريب.
كتابات

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
في اربعينية كوكب 12 ايار/مايس هذا النص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
كفة رئيس البرلمان تنحرف داخل الإطار لصالح مرشح المالكي محمود المشهداني
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة