أفضل وأغنى رواية عن السودان، تركها لنا مواطن اسمه الطيب صالح ولد في قرية تسمى دبة الفقراء، وأتعس رواية عن خراب الأمم يتركها لنا كل يوم مواطن يحمل جواز سفر بريطاني اسمه ابراهيم الجعفري.. وأعتذر مقدمًا عن المقارنة بين عبقرية الإخلاص للوطن، وبين سراق أحلام الناس ومستقبلهم .
رسم لنا الطيب صالح صورة للسودان لا نزال نتمعن بها وكأنها لوحة من لوحات فناني عصر النهضة، لم يتوسل الشهرة في بلاد تقلبت ذات اليمين وذات اليسار حتى استولى عليها "العبد المؤمن" عمر البشير، ثم سيطرت عليها فيالق العسكر الذين ما ان جلسوا على كرسي الحكم حتى "لحسوا" كل وعودهم بإقامة دولة مدنية غايتها العدل والرفاهية لجميع المواطنين
كان الخيار الاول للشعب السوداني بعد الاطاخة بالبشير عام 2019 ، اقامة الدولة المدنية، فقد جرب السودانيون حكم الرئيس المؤمن الذي كان يقف بنفسه ليردّ على المنظمات الدولية التي اعترضت على جلد فتاة سودانية لأنها ارتدت البنطلون.
وضع الطيب صالح السودان على خريطة الأدب العالمي، بروايات ساحرة تحاول أن تجمع بين الثقافات، بينما يصر قادة السودان الآن على وضعها على خارطة الدم والدمار، وبدلا من ان يحققوا احلام المواطن السوداني في حياة طبيعية، قرروا الاطاحة بالحكومة المدنية ومطاردة اعضائها، واتهامهم بالخيانة.. تخيل جنابك ان العسكر الذين خطفوا ثورة السودانيين يصرون على ان ما يجري هو مؤامرة ضدهم، وان هناك قوى دولية تريد الاطاحة بالديمقراطية والرفاهية التي انتشرت في ربوع السودان خلال حكم عبد الفتاح البرهان الذي لايزال يوهم العالم انه رئيس انتقالي، رغم أن هذه المرحلة الانتقالية راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، وبدلاً من ان يتحمل قادة السودان المسؤولية، خرجوا على الناس يصرخون ان السبب دولة الامارات العربية.. هل هناك مأساة اكبر من ان تحاول خداع الناس؟، في العراق عشنا مع ساسة المؤامرات الذين سرقوا اموال الدولة، لكنهم في الفضائيات يتهمون العالم بالتآمر على تجربتهم الديمقراطية.
صحيح ان الامارات تدخلت وبقوة في السودان، ولكن من الجانب الانساني، فالمساعدات التي قدمتها الامارات الى السودان تعد الأكبر، منذ سنوات والمساعدات الاماراتية تتدفق على بلاد الطيب صالح ، مئات الملايين من الدولارات، جسر جوي تجاوز المئة وسبعين طائرة حملت الغذاؤ والدواء، مدارس ومستشفيات للاجئين من ابناء السودان. في الوقت الذي لم يقدم فيه العسكر لمواطنيهم سوى القتل والتهجير وخطابات لا تختلف عن خطابات عمر البشير.
نتذكرالطيب صاح وتلك الجواهر من الأعمال التي زيّن بها الأدب العربي والتي تذكرنا دومًا بأن السودان يستحق منا وقفة تضامن أوسع وأعمق وهو يتعرض إلى محنة بسبب حرب الكراسي، واصرار قادة الجيش على ان العالم يتأمر على منجزاتهم الكبيرة !!.