الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الصحة العالمية في خطر
بقلم : لوسي روبكوين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ترجمة: عدوية الهلالي

خلال أزمة جائحة كورونا، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قطع التمويل الأميركي عن منظمة الصحة العالمية لفشلها في التعامل مع الجائحة، وهو القرار الذي انتقدته بقية دول العالم، ثم عاد بعد توليه الرئاسة مرة أخرى ليكرر قراره ذاته فلماذا لايزيل الطابع السياسي عن مراقبة الصحة العالمية؟

لم تكن هنالك دولة واحدة تؤيد قرار دونالد ترامب. وهذا لا يعني أنهم جميعا يوافقون على سلوك منظمة الصحة العالمية في بداية أزمة فيروس كورونا في الصين؛ لكنهم يعتبرون إضعاف الهيئة العالمية الوحيدة المسؤولة عن الصحة في خضم جائحة أمرا غير مسؤول. إن الرئيس الأميركي يحاول صرف الانتباه عن إخفاقاته من خلال الإشارة إلى المذنبين المثاليين وهم الصين، التي أشاد بزعيمها في كانون الثاني، ومنظمة الصحة العالمية، وهي منظمة بيروقراطية تابعة للأمم المتحدة ربما لا تحظى بالعديد من المؤيدين بين ناخبيه.وهو يفعل ذلك باستخدام تكتيك مجرب إذ يثير ترامب الجدل، فيلقي القضية بين أيدي مؤيديه ومعارضيه، الذين سيقومون بعد ذلك بتمزيق بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بدلاً من النظر إلى كيفية تعامله مع هذا الوباء منذ البداية.

ولكن، وفي خضم الأزمة، وقبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية التي جعلتها الجائحة والأزمة الاقتصادية غير قابلة للتنبؤ على الإطلاق، عزل دونالد ترامب نفسه عن مشاكل العالم، دون أدنى تلميح إلى القيادة أو حتى التنسيق.وتكشف تصريحات دونالد ترامب عن مفارقة حقيقية: فهو ينتقد حقيقة أن الولايات المتحدة، باعتبارها المساهم المالي الأكبر في منظمة الصحة العالمية، متقدمة كثيرا على الصين،بينما أصبحت المنظمة راضية عن بكين. فكيف يمكن تفسير هذا الوضع إلا بالانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الهيئات متعددة الأطراف؛ وعدم الاهتمام الذي لم يخلقه ترامب، بل أدى إلى تسريعه.وفي الوقت نفسه، انتهجت الصين استراتيجية ثابتة للتواجد في الأمم المتحدة.

وبالتالي فإن بكين هي المساهم الأكبر في ترأس أكبر عدد من وكالات الأمم المتحدة. إن الطموح الصيني واللامبالاة الأميركية كلاهما يدعو إلى نزع الطابع السياسي عن منظمة مهمة مثل منظمة الصحة العالمية. وهناك مقترحات لإنشاء مركز مستقل لمكافحة الأمراض، أعلى من منظمة الصحة العالمية أو بدلاً منها. وسوف تكون بمثابة هيئة حقيقية لمراقبة الصحة العالمية - ويبدو أن العالم يحتاج إلى مثل هذه الهيئة.

ففي عام 2003، في بكين، وفي ذروة وباء السارس، راودت منظمة الصحة العالمية شكوكا في أرقام الحكومة الصينية لإخفائها الحالات في العاصمة. وأجبر هذا بكين على تغيير مسارها.أما اليوم، فلم تعد منظمة الصحة العالمية قادرة على الوقوف في وجه الصين أو الولايات المتحدة، ولا تستطيع أن تلعب دورها بشكل كامل..وسوف يتطلب الأمر أيضاً تفكيراً أوسع نطاقاً حول الكيفية التي ينبغي للعالم أن يتعامل بها مع التهديدات الوجودية المشتركة، سواء كانت الأوبئة، أو أزمة المناخ، أو جبال الديون. وفي الوقت الحالي، لم يفعل دونالد ترامب سوى تعقيد الوضع الكارثي بالفعل.

وليس بالأمر الجديد أن تهاجم دولة ما التقدم. ولكن عندما يتعلق الأمر بالقوة الرائدة في العالم، فإن العواقب قد تكون كارثية. إن الولايات المتحدة، التي تعد رائدة في مجال الأبحاث الطبية، تعمل حالياً على وضع حد للبرامج التي تتجاوز بكثير المصالح الأميركية. وقد أعلن البيت الأبيض هذا الأسبوع عن خطط لخفض تمويل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بنسبة 30 في المائة. ولا يبدو أن أي برنامج قد نجا من الكارثة، بما في ذلك البرامج التي كانت تعتبر في السابق من الأولويات مثل مكافحة مرض التوحد، والصحة العقلية، والحرب على المواد الأفيونية.

لقد بدأت الجامعات الأميركية، التي توظف أفضل الباحثين في العالم، تدق ناقوس الخطر: فمن خلال خفض ميزانياتها، يخاطر دونالد ترامب بإبطاء الأبحاث المتعلقة بالسرطان والأمراض الرئيسية في القرن الحالي وإجبار العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية على إغلاق أبوابها.كما تتعرض فرص مكافحة التصلب اللويحي، ومرض الزهايمر، ومرض باركنسون للخطر.اضافة الى ذلك، حذفت إدارة ترامب مئات قواعد البيانات الطبية التي كانت تتعارض مع مصالحها السياسية. ومن الأمثلة على ذلك: أن بعض الدراسات جعلت من الممكن توثيق مخاطر انتقال إنفلونزا الطيور إلى البشر. وقد قام البيت الأبيض بحذف هذه القرارات لأنها قد تؤدي إلى رفع سعر البيض، وهي قضية اجتماعية متفجرة. كما تم تعليق قواعد بيانات مراقبة الإيدز والسل مؤقتًا، فضلا عن الخطاب المناهض للتطعيم الذي ألقاه وزير الصحة روبرت كينيدي جونيور وهو خطاب قاتل بنفس القدر، إذ حذر باحثون بجامعة ستانفورد من حدوث كارثة بسبب مرض الحصبة، فإذا لم تتحسن معدلات التطعيم، فإن هذا المرض سوف يصبح متوطنا مرة أخرى ويقتل الآلاف من الناس بعد أن تم القضاء عليه منذ ربع قرن!

ولسوء الحظ، فإن المخاطر الصحية ليست فريدة من نوعها بالنسبة لأمريكا - فقد أظهر كوفيد مدى سرعة انتشار الفيروسات. وإن الغموض الذي نراه في واشنطن اليوم يذكرنا بالغموض الذي كانت عليه بكين خلال الجائحة، مع نفس المقاومة لمشاركة البيانات والتعاون الدولي إذ رفضت الصين قبل سنوات تزويد منظمة الصحة العالمية بمعلومات حول أصل فيروس كوفيد. واليوم، أصبحت الولايات المتحدة هي التي تتخلى عن منظمة الصحة العالمية وتدين أي محاولة لتقديم استجابات منسقة للأوبئة العالمية. وبعد اعلان المنظمة، التي خسرت 20% من ميزانيتها، عن تسريح أعداد كبيرة من الموظفين هذا الأسبوع وتقليص عدد أقسام الأبحاث إلى النصف. سوف يدفع الكوكب بأكمله الثمن.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 30-04-2025     عدد القراء :  21       عدد التعليقات : 0