الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الطبقة العاملة العراقية: نضال مستمر في يوم العمال العالمي
بقلم : اسامة عبد الكريم
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يُعد الأول من أيار عيد العمال العالمي مناسبة سنوية تحتفل بها الطبقة العاملة في مختلف أنحاء العالم. وقد نشأت هذه المناسبة تخليداً للنضال البطولي للعمال الأميركيين في شيكاغو عام 1886، حين خرجوا في مظاهرات واسعة للمطالبة بتحديد يوم العمل بثماني ساعات، وواجهوا قمعاً دموياً دامياً أسفر عن اعتقال العديد منهم وسقوط ضحايا. منذ ذلك الحين، تحول الأول من أيار إلى يوم للتضامن الأممي مع الطبقات العاملة، وإلى رمز للوحدة الطبقية العابرة للحدود، ضد كافة أشكال الاستغلال الرأسمالي والاضطهاد الاجتماعي، حيث شكلت الأفكار الماركسية قاعدة فكرية لهذا النضال العالمي من أجل التحرر.

في العراق، تأتي ذكرى عيد العمال هذا العام وسط أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة. فسنوات طويلة من الحروب والحصار والاحتلال والصراعات السياسية أضعفت البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، مما انعكس بشكل مباشر على أوضاع الطبقة العاملة. فاليوم، يواجه العمال العراقيون مستويات متصاعدة من البطالة، وانتشار العمل غير المنظم، وتدني الأجور، وتدهور شروط العمل في مختلف القطاعات، إلى جانب غياب سياسات حقيقية تضمن العدالة الاجتماعية. رغم هذه الظروف القاسية، فإن الطبقة العاملة العراقية لم تتخل عن إرثها الكفاحي، ولا تزال تخوض نضالات يومية دفاعاً عن حقوقها الأساسية، متشبثةً بالأمل في مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً.

تواجه الحركة العمالية العراقية اليوم تحديات خطيرة تتمثل في سياسات الخصخصة التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة تحت يافطة "الإصلاح الاقتصادي"، وهي سياسات تهدف إلى بيع مؤسسات وشركات القطاع العام لصالح القطاع الخاص، مما يؤدي إلى تسريح آلاف العمال وتدمير ما تبقى من الاقتصاد الوطني المنتج. ويأتي هذا التوجه في سياق الهيمنة الرأسمالية المعولمة، التي ترى في خصخصة القطاع العام وسيلة لتكريس تبعية الاقتصادات الوطنية لمصالح رأس المال العالمي. إن الخصخصة ليست مجرد إجراء اقتصادي بل تعبير عن تعميق الاستغلال الطبقي عبر نقل وسائل الإنتاج إلى يد حفنة من الرأسماليين، وبالتالي إضعاف قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم. لذلك، يرفع العمال العراقيون اليوم شعار " لا لخصخصة الشركات وتسريح العمال"، ويطالبون بحماية المؤسسات العامة باعتبارها ملكاً للشعب وضمانة لاستقلالية الاقتصاد الوطني. كما يواصل العمال العراقيون كفاحهم من أجل إقرار قانون ديمقراطي حقيقي يضمن حرية التنظيم النقابي في القطاعين العام والخاص. فالحق في إنشاء النقابات والانضمام إليها والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ما زال يواجه العديد من القيود القانونية والإدارية، ما يحول دون قيام حركة نقابية قوية قادرة على تمثيل العمال بفعالية. ويؤكد التاريخ أن التنظيم النقابي المستقل كان ولا يزال أحد أهم أدوات الطبقة العاملة في نضالها من أجل تحسين شروط حياتها، وهو أمر يتوافق مع الرؤية الماركسية التي ترى أن وحدة العمال وتنظيمهم السياسي والنقابي هو شرط أساسي لتحقيق التغيير الاجتماعي الجذري. في هذا السياق، تطالب الطبقة العاملة العراقية أيضاً بالتنفيذ الفوري والفعلي لقانوني الضمان الاجتماعي والعمل. قانون الضمان الاجتماعي يهدف إلى تأمين حماية مادية ومعنوية للعاملين عبر تقديم رواتب تقاعدية وتأمين صحي وتعويضات عن إصابات العمل، فيما ينظم قانون العمل العلاقة بين العامل وصاحب العمل من حيث الأجور، وساعات العمل، والإجازات، وضمان شروط العمل اللائق. ومع ذلك، فإن التطبيق العملي لهذين القانونين يواجه عراقيل عديدة بسبب ضعف الرقابة الإدارية واستغلال أصحاب العمل لغياب آليات فعالة لحماية العمال، مما يحرم فئات واسعة من العمال من حقوقهم الأساسية. ولم تقتصر معاناة العمال العراقيين على القطاع النظامي فقط، بل تشمل أيضاً العاملين بعقود مؤقتة والأجراء اليوميين، الذين يعانون من أوضاع أكثر هشاشة، حيث لا يتمتعون بأي حماية قانونية أو ضمان اجتماعي. لذلك تطالب الطبقة العاملة بإصدار قانون مدني عادل يكفل حقوق هذه الشريحة الواسعة من العمال، ويوفر لهم الحماية من الفصل التعسفي، ويضمن لهم الأجر العادل، وحق التثبيت الوظيفي، والتعويض عن فقدان العمل.

يحل عيد العمال العالمي هذا العام والطبقة العاملة العراقية تؤكد مجدداً إصرارها على مواصلة النضال حتى تحقيق أهدافها المشروعة. فإن تحرر الطبقة العاملة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال وعيها بطبيعة النظام القائم، وتنظيم صفوفها، والنضال من أجل مجتمع اشتراكي خالٍ من الاستغلال، تُدار فيه وسائل الإنتاج بشكل جماعي، وتوزع فيه الثروات بعدالة بين جميع أفراد المجتمع. إن معركة الطبقة العاملة في العراق ليست معركة نقابية محضة، بل هي جزء من معركة عالمية أوسع ضد الرأسمالية ومن أجل إقامة مجتمع إنساني أكثر عدلاً وكرامة.

  كتب بتأريخ :  الخميس 01-05-2025     عدد القراء :  36       عدد التعليقات : 0