الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تفكيك الأمم المتحدة ومنظومة العدالة الدولية..؟ الجزء - 5

تشكلت المنظومة الحالية للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التي أفرزت القوى الرئيسية الحاملة لحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي. وواقعاً فقد هيمنت قوّتان على إيقاع العالم في الخمسين سنة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية هما: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مع فارق في القوة والجبروت لصالح الولايات المتحدة. لكن قوة الاتحاد السوفيتي العسكرية كانت قادرة على إحداث توازن جنّب العالم حالة السيطرة العسكرية المطلقة للأمريكان، وإن لم يمنعها بالطبع من إقامة القواعد العسكرية عبر العالم وضمان تفوقها النسبي، وكذلك لم يتمكن من منافستها اقتصادياً. ومن جانب آخر لم يوقف الجبروت الأمريكي حركات التحرر والاستقلال في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية من انجاز مهام الاستقلال والتحرر من الاستعمار لعشرات الدول.

وبرغم خطورة الصراع بعد الحرب، فقد كانت القوة الأمريكية الصاعدة خارج المنافسة الى حد كبير، ولذلك أصبحت نيويورك المقر الرئيس لهيئة الأمم المتحدة إثر تأسيسها في عام 1945، بعد أن كان مقر "عصبة الأمم" في جنيف، منذ عام 1920.

وكذلك صارت واشنطن المقر الرئيسي لأكبر مؤسستين اقتصاديتين أمميتين في العالم هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ومن هناك فرض الدولار، العملة الوطنية الأمريكية، كعملة احتياط في التبادل التجاري في العالم، مما حقق سيطرة شبه مطلقة للولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.

أنشأت كذلك بعد الحرب مباشرة محكمة العدل الدولية (ICJ)، الذراع الرئيس للعدالة في منظمة الأمم المتحدة للفصل في النزاعات بين الأمم. فيما بقيت قضية محاكمة مجرمي الحرب الأفراد دون غطاء قانوني دولي حتى ظهرت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بعد مخاض عسير في تطوير قانون روما الأساسي الذي استمر حتى نهاية التسعينات.

عملت التوازنات الدولية الجديدة ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية لصالح الصهيونية العالمية. فمن اتفاق سايكس-بيكو عام 1916 لتقسيم منطقة الشرق من تركة الدولة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا، مروراً بوعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في عام 1917 حول إنشاء "وطن" لليهود في فلسطين، وثم المساعدة في هجرة اليهود الى فلسطين، وتمكين إسرائيل من الإفلات من تبعات جرائمها.

لقد استغلت الصهيونية العالمية هول الجريمة النازية في "المحرقة" اليهودية في ترسيخ الشعور بالذنب لدى الاوربيين والغرب عموماً، انعكس كتأييد مطلق لإسرائيل، وغض النظر المتعمد عن "المحرقة" الفلسطينية الجارية منذ ولادة إسرائيل كدولة استيطان استعماري.

وفي ضوء الموقف النازي الهتلري والفاشية الإيطالية من اليهود تصاعد الوعي العام بجريمة العنصرية، التي نشأ عنها أنظمة تمييز لا إنسانية في جنوب أفريقيا وروديسيا، فأصدرت قوانين وطنية لتجريم العنصرية وخطاب الكراهية في الكثير من بلدان العالم. كما دخلت حيز النفاذ "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" في بداية الستينات. واستطاعت اللوبيات اليهودية من استغلال المنحى العام لمسيرة تأمين احترام القيم الإنسانية في منع التمييز والعنصرية وضغطت باتجاه الترويج لموضوعة "انكار المحرقة" أو "معاداة السامية"، التي أصبحت تهمة جاهزة لإدانة من يعارض الانتهاكات الشنيعة لحقوق الانسان في فلسطين. وأصدرت عشرات البلدان الأوربية قوانين تحكم بالسجن على من يعتبر معادٍ للسامية، وقد ظهر الاستخدام المفرط للتهمة في محاولة لإسكات الأصوات الحرة عبر العالم.

ان السعي الأمريكي المستمر للهيمنة على هيئة الأمم المتحدة، يرافقه سعي إسرائيلي لتفكيك المنظومة كلل، وليس في مجالات العدالة الدولية فقط. فقد سبقت الإشارة الى اعتبار الأمين العام للأمم المتحدة شخصاً غير مرغوب فيه، ومنعه من دخول إسرائيل، بسبب مواقفه الإنسانية العلنية ضد العدوان والتوسع. وتجري مهاجمة القاضي كريم خان والمحكمة الجنائية الدولية وفق نفس المنظور. وهذه المواقف الجديدة زمنياً سبقتها مواقف مشابهة عديدة منذ النكبة الفلسطينية في عام 1948.

فقصة اغتيال الوسيط الأممي السويدي الجنسية الكونت برنادوت شاهدٌ حي على محاولة إسرائيل التخلص من الدور الحيادي الذي تلعبه الأمم المتحدة في فرض السلام وحفظ الحقوق. ويمكن للمتابعين مراجعة الكتاب الجديد نسبياً الذي أصدره الكاتب السويدي "يوران بورين" عن الموضوع والمترجم للعربية بعنوان "جريمة اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين الكونت فولك برنادوت الذي يثبت بأن من قام باغتيال الكونت هما منظمة "أرغون" بقيادة مناحيم بيغن ومنظمة "شتيرن" بقيادة اسحق شامير، وكلاهما شغلا لاحقاً منصب رئيس وزراء. وقد كان سبب اغتياله هو موقفه من عروبة القدس ومن ضرورة تأمين عودة اللاجئين واسترجاع أملاكهم. ومن الطريف بأن المونولوجست العراقي الشهير "عزيز علي" الذي قتل على أيدي حكام البعث، يشير الى واقعة الاغتيال هذه في واحد من اسهاماته المعروفة التي يمكن الاستماع اليها تحت الرابط (https://www.youtube.com/watch?v=Yu7X0WW5aBc).

وهنا لابد من تسجيل ما تعرض له الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة "كورت فالدهايم" الذي شغل المنصب من عام 1972 الى 1981، وحيث صدر في عهده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 3379 في نوفمبر 1975 باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. وتعرض الرجل الى حملات تشويه مكثفة حتى بعد ان أصبح رئيساً للنمسا.

وبنفس المنحى يندرج الموقف من وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ضمن نفس التوجه الهادف للقضاء على أي وجود للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، والاستمرار بتنفيذ أجندة التهجير والقتل الذي وصل مستوى الإبادة.

-يتبع-

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-05-2025     عدد القراء :  48       عدد التعليقات : 0