أعذروا جهلي فأنا منذ أن بدأت بكتابة هذا العمود قبل اكثر من خمسة عشر عاماً، لديّ مشكلة مع ما يقوله "مقاولو السياسة" والمسؤولون عن الفساد والإصلاح، وتراني أضحك كلما أسمع "مقاولاً" من هؤلاء يذرف الدمع على حال العراقيين، ويطلق الزفرات والآهات على أحوال البلاد والعباد، والأموال التي سلبت في وضح النهار. فما بالك أن أقرأ هذه الأيام مطولات عن التطور والنهضة التي تعيش فيها بلاد الرافدين، وعن تفوق بغداد على طوكيو وسنغافورة في الخدمات، وكان آخر ما اثار استغرابي اللقاء التلفزيوني الذي ظهرت فيه النائبة "الدائمة" حنان الفتلاوي، وفيه قدمت لنا رؤيتها الفكرية لما جرى ويجري في هذه البلاد.. النائبة التي لا تريد ان تفارق كرسي البرلمان في يوم من الايام، عابت على العراقيين انهم ينتقدون سوء الخدمات وانتشار معدل البطالة، لتذكرهم بان أغلى امنياتهم في زمن صدام ان يحصلوا على "موزة أو بيبسي"، والآن بفضل السيدة النائبة وجماعتها، توفر "الموز والبيبسي".. ياسلام ياست.. لقد فات الزعيمة ومعها العديد ممن يتولون المسؤولية أو يجلسون على كراسي البرلمان، وهم يحققون الانتصار تلو الانتصار في مجال نهب ثروات البلاد، والاستحواذ على مؤسسات الدولة والتوسع في الفُرقة والطائفية، أن العراقيين جميعا بعد ان عانوا من الحصار ومغامرات صدام العسكرية كانوا يأملون بنظام سياسي يرفع شعار العدالة الاجتماعية والمواطنة اولا، وأن يجدوا ساسة منشغلين بالبحث عن الرفاهية والعدالة الاجتماعية، فإذا نحن أمام ساسة بدلا من أن ينشغلوا أكثر بتحديات المستقبل ومصاعب اللحظة الراهنة، تجدهم مدفوعين بحماس إلى التقليب فى كتاب التاريخ ا واستخراج ما يؤجج حالة الانقسام والاستقطاب الطائفي، مدفوعين بالرغبة في السخرية من الناس لا ، دون أن يفكر أحد فى أن يترك الماضي جانبا وياخذ بايدي العراقيين نحو المستقبل.
يقولون لنا إن نظام صدام هو سبب كل المآسي، وينسون أن الأميركان أسقطوا تمثال صدام منذ ثمانية عشر عاماً، على أمل أن يعيش العراقيون في ظل نظام جديد يؤمن لهم الاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية.
ان القضية الاساسية التي تشغل الناس اليوم، ليست "قوطية البيبسي"، وانما: هل فتح قادتنا الملهمون طريقاً واحداً يتلمس منه الناس أن أهدافهم من التغيير قد تحققت؟.
كنت اتمنى على الفتلاوي ان تقرأ كتاباً صغيراً للمواطن "البغدادي" علي الوردي اسمه "وعّاظ السلاطين"، ففي هذا الكتاب ستجد كما وجدنا نحن قرّاء هذاالكتاب حكايتنا جميعاً مع مندوبي الفشل الذين يعتقدون أن الحــلَّ لأزمات البلد هو في السخرية من معاناة الناس.
ياعزيزتي الزعيمة الانجاز الحقيقي ، ليس تغريدات ولا حلقات فضائية ، إنها مسيرة خالية من الكذب على الناس.