أيام زمان كان بيت جدي شأن بقية بيوت القرية مبني بالقصب والبواري على ضفة الفرات، ورغم مغادرة الناس لذلك النوع من البناء باستثناء ما هو قائم منها في الأهوار حاليا فإن القارئ لا يلزمه شرح مستفيض لشكل وكيفية بناء تلك البيوت بفضل الفيديوهات المنتشرة ولأغراض سياحية عنها في مناطق الاهوار حاليا في الچبايش من نواحي الناصرية والأهوار الممتدة بين البصرة والعماره...
جدي رمضان عدهم چلبه "كلبه" وحيده ولضعف بنيتها يسموها چليبه، لكن مشكلة چليبة جدي رمضان انها انعزاليه وما تندمج مع مجتمع الكلاب في القريه ، ومن تطلع مرات لغاية في نفسها فإن بقية الكلاب يرونها غريبه بينهم ويتناوشونها افتراسا وبشكل قاس ومهين للغايه، فترجع المسكينه لأهلها زحفاً تسحل بجسدها المثخن بالجراح ، لكنها وبمجرد وصولها بيت أهلها تدخل الى الربعه "المضيف" كونه فارغ وتباشر بإفراغ شحنتها من الحزن المشوب بالغضب بِعَضّ حنايا "أقواس بيت القصب" وأهطر البيت "حُزَّم القصب التي تربط الأقواس" اللذان يشكلان كلاهما الرافعة التي تفرش عليها البواري "حصران القصب" في البيت، وتستمر چليبة جدي تعضعض بالحنايا والأهطر بحميه وإصرار على مواصلة عملها بشكل غريب ، من أين تأتيها القوه...؟ لا أحد يدري.
شاع خبر چليبة آل رمضان في القرية وتعدت سمعتها الى القرى المجاورة، واتخذها الناس مثلاً ليس للحيوانات وانما للبشر، فكل واحد يواجه العسف والعدوانيه من الغير فيعمد الى إفراغ غضبه بأهله وذويه يقولون عنه: هذا مثل چليبة آل رمضان تدغثها ال چلاب "تفترسها بقسوه" ترجع تعضعض بيت أهلها...!
ليش ما تتكرر القصه في السنوات الأخيرة معي شخصياً ولكن بطريقة أخرى، فقبل بضع سنوات كنا ننتظر مولوداً في العائلة وبصفتي ضليع بالاقتصاد وأريد كبش لذبحه عند قدوم الوليد ولأن الأكباش غالية عندنا قررت أن اشتري طلياً "حمل" صغير قبل أربعة أشهر وأتركه ربيطاً "تربية بيوت"، يرعى في الحديقة ونعلفه حتى يبلغ أشده... لكن الطلي شيبني فهو إن تركته طليقاً ...أكعد الصبح ما ألكَيه وأبقى أصفكَ بأديّه 400 ألف راحت عليَّ، وثاني يوم يجيبوه الجيران لأنه قفز السياج وأغار عليهم ليلاً ... واذا أربطه بحبل، ثاني يوم الصبح ألكَيه ملتف على ساق الشجره المربوط بيها ومختنكَ واحتمال يموت قبل قدوم المولود وتصير الخساره بخسارتين...
الطلي كبر وصارت عنده كَرون وأليته باتت عريضه وهو دائم التباهى بها ... تورطت في إحدى الليالي بربطه بالدنكَه يم الهول تلافياً لالتفافه بساق الشجرة واحتمال يموت...
بالليل أسمع ربد بس ما ماخذ الأمر على محمل الجد ...
صحيت الصبح وطلعت أتفقد الطلي الذي صار كبشاَ بقرون قوية وليَّه عريضه ، فوجدته في وضع الاستنفار الكامل والهجوم...! فقد كان يرى صورته المنعكسة في زجاج الشباك ويرجع للخلف فيحرك رأسه ليستعرض قرونه فتهتز ليته العريضه بحركة معاكسة لحركة القرون، ويهجم مستبسلاً وبأسلوب دون كيشوتي على صورته المنعكسة في الزجاج يحسبها خروفاً آخر مهاجم فينقض على خصمه المتخيل فيهشم الزجاج ...!
تفقدت بقية زجاج الشبابيك المجاورة، وجدته مهشماً عن آخره...يا للمصيبه...!
سحبت خروفي بدون كلام واوثقته بساق الشجرة وربطت أربعه مع بعض، واستذكرت كل معارفي الموروثة عن طرق الذبح وأنهيت الأمر وعدت وكأني قد ذبحت ضرغاما...
وعندما تعرضت للوم العائلة باعتبار أن المولود لم يشرف بعد قلت لهم: قررت أن أكون مدنياً متحضراً وأجلب لكم حينها كيكة عيد ميلاد عظيمه ولكن اعتقوني من الخرفان وبلاوي الخرفان. وأنشدتهم:
لا تشتر كبشاً إلا والسكين حاضرة ... فإن الخرفان حمقى مناكيدُ
رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).