مع شيوع الخبـر بمنح الاستاذ فخري كريم، وسام شخصية العام 2025 الاعلامية ضمن فعاليات قمة الإعلام العربي في دورتها الثالثة والعشرين، في مدينة دبي، قبل ايام، سَرت لا اراديا مشاعر زهـو وفرح وكـأن لي حصة بالحدث، وازعم انها حقيقية، اعتبارية، بلا شك.. انتشاء غامر لأن الحدثَ لا يعني صاحب دار "المدى" الغراء، وحـده، وحسب، بل جمع المثقفين العراقيين، ونخبهم، ممن ساهموا بجزء قــلّ او كبر في مسيرة ومسارات التنوير، الوطنية، والاعلامية والكتابية، المتفق او المختلف عليها، وخاصة روادهم، وسائـديهم.. و ذلك ما اكـده المعني بالتكريم، فخري كريم نسه، في تصريحات بالمناسبة..
ومن المصادفات الجميلة، والمسرة، اني كنت قد نشرت توثيقا، ووقفات عجول في مواقع اعلامية عديدة، بتاريخ 2025.5.19 اي قبل الحدث المميز والرفيع باسبوع واحد فقط، ولم تكن عندي اية معلومة، او اطلاع حول ما سيحصل، وقد حصل.. كتبت في ذلك التوثيق الذي حمل عنوان "هذا بعضُ ما حـدث، ويحدثُ، مع فخري كريم، منذ 55 عاما".. وقد جاء فيه انه " توثيق لمحات ظننتها لافتة، عن وجوه وشخصيات عراقية، رحت معها لعقود وعقود مديدة، بعلاقات ونشاطات سياسية ووطنية وثقافية، جديرة ان يُـشار لمحطات عنها ايجازا على الاقل.. كما توطدت معها صداقات ووشائج انسانية تسجل للتاريخ، بل ويُـتباهى بها، ولم لا؟!. أما قيل – ويقال - بان المرء يعّـرف، بما، وبمن يعرف، بصداقاته وباصدقائه؟! "
وفي فقرات اخرى، وبعد اشارات عن بدء التعارف والمعرفة مع الصديق العزيز فخري كريم، عام 1969 كتبت في توثيقي "راحت العلاقة معه تتوطد شيئا فشيئا، وتتعدد وخاصة في مدرسة - صحيفة "طريق الشعب" التي راحت علنية عام 1973 وكان الرجل مدير تحريرها رسميا، ولكنه كان محورها في مسؤوليات الادارة والتنظيم والعلاقات والطباعة، وغير ذلك كثير.." وقد كنت فيها لنحو ستة اعوام ناشطا في بعض مجالات تحريرها، وشؤونها، وحتى اغتيالها – الصحيفة - عمليا اوائل عام 1979..
ذلكم بعض ما حصل في بغداد منذ عام 1969 مع الرجل المكرّم قبل ايام.. ثـم، وبعد عشرة اعوام" من ذلك التاريخ، يحلّ عام 1979 ليبدأ "موسم" الهجرة الى الخارج الذي تحول الى"عـقـود" منذ اواخر السبعينات، وعلى امتداد ربع قرن، اي حتى حيّان سقوط نظام غلاة البعثيين، الدكتاتوري الارهابي عام 2003.. "وخلال تلكم السنوات الخمس والعشرين استمرت العلاقة مع فخري كريم الذى تولى مسؤوليات مهمة ومتنوعة، معروفة، رفيعة وشاقة ومكينة في آن واحد، في مقريّه الرئيسيين، واعني بهما بيروت ودمشق.. بينما أغتربتُ الى براغ، لاشغال مهام ومسؤوليات تنظيمية وسياسية، طلابية وثقافية وغيرها. وكان الرجل يتردد بين فترة واخرى اليها – بـراغ - حيث مقر منظمة الصحفيين العالمية، التي شغل فيها مهمة نائب رئيسها عقدي السبعينات والثمانينات السالفين. كما تولّى ايضا مسؤولية اصدار النسخة العربية لمجلة "قضايا السلم والاشتراكية" المنبـر والمركز الاعلامي والفكري، الذي كان يمثل اليسار الماركسى والعمالي العالمي، ومقرها في براغ ايضا..
وعن بعض محطات فخري في براغ، كتبت في التوثيق "هكذا أذن تتسع من جديد وتتوطد العلاقات مع صاحبنا، الذي كان يحرص في جميع زياراته العاصمة التشيكية للقاء مع المثقفين والاعلاميين العراقيين المقيمين والعاملين في تلك العاصمة الغناء.. ومن غير الطبيعي ان يقيـم فيها الجواهري الكبير، والفنان الرائد محمود صبري، ولا يكونان اول من يهتم بأدامة وتوطيد العلاقة بهما فخري كريم.. وانا هنا شاهد، وحاضر عيان - ربما مخضرم – لا سيّما وكنتُ معنيا، لسنوات، بمتابعة عمل ونشاط فرع رابطة الكتاب والصحفيين العراقيين في براغ، تلك الرابطة التي لا يجوز الا وان يُـشار لدوره – فخري- الاهم، في اطلاقها عام 1980 من بيروت، والمشاركة الاساسية في دعم نشاطاتها، ومهامها، واصداراتها لسنوات وسنوات في مركزها القيادي بدمشق.."
وعلى ذكر دمشق، توقفت في توثيقي " لقد كان الجواهري يتناصفها، مع براغ، مع مطلع عقد الثمانينات، مستقرا رحيبا، وكان الصديق فخري لا ينقطع عن ايلاء منتهى العناية بالعلاقة مع الشاعر العظيم، والاهتمام به... واذا ما سأفرد في قريب مرئي، كتابة لاحقة، شيّقة كما أحسب، عنهما، من بينها "اخوانيتان" شعريتان للجواهري، عن تلك العلاقة، اشير هنا لواقع موجز، ذي اكثر من دلالة، وهو انه – فخري- كان من قلائل معدودين يدخـل، ويخرج من مستقر الجواهري بدمشق، دون موعد او وقت محدد، مُستثنى من اية رسميات، وانا هنا شاهد ايضا اذ كنت اقيم في ذلكم المستقر (البيت) فترات طويلة، في عقدي الثمانينات والتسعينات..
وفي دمشق ايضا، ومنها، وعنها، استذكرت كيف رحل بنا فخري كريم، خريف عام 2000 في حافلة برية الى "القامشلي" السورية، ومنها الى اقليم كردستان العراق، استغرقت حوالي 18 ساعة مع نحو ثلاثين مثقفا واديبا واعلاميا، عراقيا وعربيا، لنشارك في مئوية الجواهري، المهيبة، التي اقيمت في كل من اربيل والسليمانية، برعاية الزعيمين الكرديين، العراقيين مسعود البارزاني، وجلال الطالباني، وقد كانت بمبادرة الرجل نفسه – فخري- وهمته، بشهادات موثقة..
لقد استمرت وتستمر الصلات والاتصالات وما بينها، مع فخري كريم، باشكال وصور ومناسبات شتى، والى يومنا الراهن، برغم كل الانشغالات والمسؤوليات الوطنية والثقافية، وهو في عمره المديد "شابا" هميما يحسده الكثيرون على حيويته وعطائه ومثابرته جهدَ ماستطاع الى ذلك سبيلا، متحملا ما تحمله من "ضرائب" قاسية معروف الكثير منها/ وما خفي اعظم!
اما عن الانطباعات الشخصية والخاصة عن الرجل المحتفى به الذي تأتي هذه السطور الموجزات عنه فاقول بان العزيز فخري برغم "كارزميّـته" المشهودة، والشهير بها، لكنه اشتهر في الوقت نفسه، بعلاقاته الاجتماعية والانسانية، موثقة ايضا في وقائع واحداث عديدة. ولن اتوسع هنا بهذه الشؤون، اذ اعرف بان الرجل قد يعاتبُ، ويعتبُ، في، وعن ذلك، وأحسب انه كفاه منها "سمينها" واكثـر: سياسيا وثقافيا واعلاميا، واجتماعيا، برغم بعض "غثها" الذي ترفعَ وما برح في الردود على "شقشقات" عنه هنا وهناك، الا في حالات طفـح بها الكيّل كما يقال..
ومما اجتزأ ايضا من توثيقي ذي الصلة "ان للرجل خصال لا يقدر عليها كثيرون ممن تصدوا للشأن العام، الوطني والسياسي والثقافي، وما بينهما، على ما ازعم.. مع ميّـلي - وقد تحدثت معه قبل اسابيع قليلة عن ذلك - واعني اهمية اهمية ان يبوح ببعض ما عنده من كـمٍ غزير من الوقائع والشواهد، التاريخية والوطنية، ما احوج الناس، ولا سيما المتابعين والمعنيين منهم، ان يطلعوا عليها، بقدر ما يرتأيه، ويحسب حسابه، اذ "للمجالس امانات" كما هو سائد، ويسود، وهو بالغ الحرص كما ادري على سيادة الحفاظ على تلك الامانات، خلاف غيره"..
مؤكد ان هناك الكثير الكثير الاخر الذي يمكن التوقف عنده، والاشارة اليه، عن العلاقات والذكريات، الرحيبة في نواح عديدة مع العزيز فخري كريم- ابي نبيل.. غيّر ان هذه الكتابة، الموجزة ربما جاءت لما اردته لها، ومنها الايفاء ببضعة مؤشرات تفصح وتوثق للتاريخ، عن الاحتفاء المستحق للرجل المفضول، من الواهب الفاضل الذي عرف، فقـدّر خيَـر تقدير..