غالبية احزاب السلطة في العراق تحلم بأن تستيقظ غدا، لتجد أن العلمانيين ومن جاورهم من المنادين بالدولة المدنية قد تبخروا من الوجود، وأصبحوا نسيا منسيا. في كل يوم تزيد حماسة البع في النيل من القوى المدنية، إلى درجة أن أحدهم خرج علينا يوما ليقول بالحرف الواحد لقد سحقنا التيار العلماني وسيظل تابعا للتيار الديني إلى أمد بعيد" ، وظل قياديون ومسؤولون يسخرون من مصطلحات، مثل دولة المواطنة، والقوى المدنية، والحريات، باعتبارها تمثل فكرا منحرفاً، ولا تزال كلمات رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي التي قال فيها إن حزبه استطاع أن يدحر الملحدين والعلمانيين وسنهزم الحداثويين وينتصر عليهم، ماثلة في الذاكرة.
صار الحديث عن العلمانية ، والدولة المدنية نغمة يستخدمها البعض ليثبت انه يفهم في السياسة، فتجدهم وهم يشاركون في دراما السلطة ومنافعها يصوبون مدافعهم باتجاه الحياة المدنية في العراق. وكانت بعض قذائف هذه المدفعية تطلق ضد كل نشاط فني او مدني ، لأنه حسب رأيهم لا ينتمي إلى تراث العراق والى تقاليدنا ، فالبعض يعتقد ان تاريخ العراق ينحصر فقط في السنوات العشرين الأخيرة التي سيطرت فيها أحزاب الإسلام السياسي – سنة وشيعة – على مقاليد الحكم في البلاد.
يكتب نصر حامد أبو زيد في نقده للخطاب الديني السائد، عن الخلط الستراتيجي المتعمد في المفاهيم، حيث يحاول المحافظون والإسلامويون تضليل البسطاء بان العلمانية تعني فصل العقيدة عن الحياة والمجتمع، وبذلك يصورون للرأي العام المتأثر بالخطاب الديني السائد ان العلمانية، مطابقة للإلحاد، ويطرح أبو زيد مفهوما للعلمانية ليس ضد الدين، وإنما ضد هيمنة الدين على كل المجالات، والمقصود هنا بالتحديد تقليص السلطة السياسية لرجال الدين. فنحن لا نطالب بعلمنة قانون الدولة ولا نريد إبعاد الدين عن الحياة العامة، ولكننا نريد تحرير الخطاب الديني من قبضة المؤسسات والأيديولوجيات السياسية، وبذلك يؤسس لخطاب حر بعيد عن الاستغلال.
اليوم نسمع خطباً لسياسيين ومسؤولين وكأننا نستمع لخطب "القائد الملهم" مارشات عسكرية تهيئ الناس لحرب ضد الرذيلة وانعدام الأخلاق، وكأن بغداد تحولت إلى ملهى وماخور ليلي كبير، فقررت العناية الإلهية أن ترسل لنا دعاة الفضيلة وحماة الأخلاق ليملأوا الأرض عدلا وفضيلة بعد أن ملأناها نحن الخطاة جوراً وبهتانا.
ينسى البعض ان المواطن العادي لا يشغله تدين المسؤول او النائب ، ولا يشغله أن يقرأ النواب دعاء الصباح ، ".. لا يشغله هل ان الحكومة قالت إن إنتاجنا النفطي 4 ملايين أو 3 ملايين برميل، المواطن يريد الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وظيفة ومسكنا ومأكلا وأملا في الغد.بعيدا عن شعارات الاخلاق والفضيلة .